يستمر الطرفان الدوليان المستعمران المتصارعان على اليمن بريطانيا القديمة وأمريكا الجديدة، يستمران في القيام بالدسائس وتنفيذ المخططات قديماً وحديثاً. بعد أن بات هادي أسيراً لدى نظام نجد والحجاز، فقد بادرت أمريكا إلى التخطيط لإشراك الحراك الثوري الجنوبي التابع لها على طاولة المفاوضات التي تحضر لها وتوشك على إطلاقها قريباً من مسقط، لكي تزداد حصة عملائها في اليمن جنوباً إلى جانب الحوثيين شمالاً، فأدركت بريطانيا ذلك فأطلقت في آب/أغسطس المنصرم عن طريق ربيبتها الإمارات عنان المجلس الانتقالي الجنوبي بالسيطرة على معظم مفاصل الدولة في محافظة عدن، بعد معارك ضارية دامت أربعة أيام ضد القوات الحكومية، وسقط فيها عشرات القتلى ومئات الجرحى، مستغلة تشييع جنازة منير السعدي "أبو اليمامة" بسيطرة قوات "الحزام الأمني 41" - التي كان يرأسها - والتابعة للمجلس الانتقالي. كل ذلك قامت به بريطانيا لسد الثغرة وإفشال المخطط الأمريكي.
لا يزال اتفاق الرياض الذي امتد عمره إلى الشهرين بين شرعية عبد ربه منصور هادي ومجلس عيدروس الزبيدي الانتقالي يراوح مكانه بالتسويف والتأجيل بعدم التوقيع النهائي عليه، مما يقلل من فرص نجاته ونجاحه في ظل استمرار العمليات القتالية في محافظة أبين المتاخمة لمحافظة عدن.ويسعى الاتفاق إلى حل الأزمة التي اندلعت في بداية آب/أغسطس الماضي، ويقضي بإعادة القوات العسكرية إلى مواقعها التي تحركت منها، ودمج قوات الحزام الأمني والنخب وغيرها من القوات غيرالنظامية ضمن وزارة الدفاع ووزارة الداخلية.
تجري الترتيبات على قدم وساق للتوقيع على اتفاق الرياض خلال الأيام القليلة القادمة برعاية نجدية ومشاركة إماراتية، وسط تخوف الناس في جنوب اليمن من استئناف المعارك بين الأطراف المتحاربة في حال عدم التوقيع على الاتفاق وتأجيله لمواعيد قادمة.
أطراف سياسية جنوبية مختلفة رفعت صوتها أثناء مداولات اتفاق الرياض والتحضير للتوقيع عليه وهددت بالشؤم تبتغي لنفسها نصيباً من الاتفاق، فيما حذرت أطراف أخرى بأن اتفاق الرياض على شاكلته هذه يهدد بنشوب حرب أهلية في جنوب اليمن.
وإن كان الصراع الثنائي عبد ربه - عيدروس يتم داخل عملاء الإنجليز وحدهم، فهو يُعد في الصراعات الثنائية المشؤومة التي امتدت قرابة الستين عاماً الماضية في اليمن، وأنتجت سلسلة من الحروب والمواجهات الدامية، وأثخنت أهل اليمن بالجراح، ولم تورثهم إلا خساراً.
إلى الآن نجحتأمريكا من خلال حكام نجد والحجاز رعاة الاتفاق من تعرية مجلس عيدروس الانتقالي الجنوبي أمام الجماهير المضللة من أبناء جنوب اليمن، بأنه ليس جاداً في فك الارتباط مع صنعاء وإعلان الجنوب كياناً مستقلاً كما يظنون، بتماليه مع الشماليين وإعطائهم 50% من مقاعد الحكومة المقترحة في حكومة معين عبد الملك. ليرفع بذلك أسهم الحراك الثوري الجنوبي - جناح باعوم - ومن أمثاله من المكونات الحراكية المرتبطة بالمخططات الأمريكية في جنوب اليمن، التي تعد الجماهير نفسها بالعودة إلى ما قبل 22 أيار/مايو 1990م.
لقد فاجأ نظام نجد والحجاز الإخوة الأعداء المتحاربين بعدم الإفساح للمجلس الانتقالي إلى جانب شرعية هادي، فضمتهما وجعلتهما في خانة واحدة. اللافت للانتباه أن نظام نجد والحجاز الراعي لاتفاق الرياض يدفع بقواته العسكرية في جنوب اليمن في عدن تحت مبرر إعادة الترتيبات الأمنية بعد الإخلال بها في محافظة عدن، في ظل انسحاب القوات الإماراتية التي أنهت مهمتها في جنوب اليمن بإخراج الحوثيين منها، وتثبيت أتباعها في قوات الحزام الأمني وقوات النخب الشبوانية والحضرمية والمهرية والسقطرية مزودين بالسلاح الذي جلبته معها حين دخولها عدن في تموز/يوليو 2015م.
منذ زمن طويل واليمن يئن تحت طائل المخططات الدولية الاستعمارية المتصارعة للسيطرة عليه بأساليب ووسائل شتى ومختلفة. فهذا يمن الإيمان والحكمة الذي يحتل موقعاً جغرافياً ممتازاً إذ يقع جنوبي مكة والمدينة، ويشرف على باب المندب ويطل على القرن الأفريقي.
إن أقذر تلك الوسائل والأساليب هو جعل ثلة من أبنائه يقومون بالأدوار القبيحة نيابة عن المستعمرين والتي تؤدي في نهاية المطاف إلى تثبيت أقدام المستعمرين في أرضالإيمان والحكمة وفقدان أهله لبوصلة الإسلام وانحرافهم عنها إلى غيرها وهم يترنحون يمنة ويسرة.
بالأمس كان الطرفان المتحاربان اللذان يشمران الآن للتوقيع على اتفاق الرياض يتوعدان نجد والحجاز وما حولهما من بلاد الجزيرة بالويل والثبور وعظائم الأمور بنجاح تجربتهم الاشتراكية، ويرمونهم بأقذع ألفاظ التحقير والازدراء والتقليل من شأنهم، ووصمهم بالتخلف، واليوم نراهم يذهبون صاغرين مذعنين لما تمليه عليهم تلك الأنظمة التي توعدوها بالأمس، ولا خير فيهم جميعاً فهم من ذلّل البلاد والعباد لمستعمريها.
ماذا جنى أهل اليمن خلال أكثر من خمسين عاماً قضوها في ظل حكام أشرار، سوى الصراع المستمر الذي لن يتوقف. وحتى لا يقال بأننا لم نبلغهم في الخطاب، نقول لهم تريثوا وفكروا قليلاً قبل الإجابة. لماذا ينتشر الظلم وتتجدد الحروب والنزاعات والصراعات فيما بين بني الدين والجلدة الواحدة، ليس إلا لتذهب ريح ذلك الدين ويفرح أعداؤه منتشين! أليس بسبب غياب الحكم بالإسلام؟
لقد حذر من لهم باع في السياسة منذ سنين خلت من الصراع القائم على اليمن، في ظل غياب الراعي الحقيقي للمسلمين الذي يصون حرماتهم ويذود عنهم، ورسموا لهم طريق النجاة.
أما آن لأهل اليمن أن ينفضوا عنهم غبار الذلة، بأن يعملوا لإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة؟!
رأيك في الموضوع