أدان نواب البرلمان الأوروبي خلال دورته المنعقدة في مدينة ستراسبوغ الفرنسية، قتل السلطات المصرية، ثلاثة آلاف شخص، بينهم أطفال، منذ بدء حكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، من دون محاكمات حقيقية، وقال بيان نشره موقع البرلمان الأوروبي إن "النواب صوتوا الخميس، على قرار بإدانة السلطات المصرية لانتهاكاتها في مجال حقوق الإنسان"، منددين بمقتل ثلاثة آلاف مصري من دون محاكمات حقيقية، بينهم أطفال ونساء، منذ إطاحة الجيش بالرئيس الراحل محمد مرسي عام 2013، ووصول السيسي إلى سدة الحكم في العام التالي، كما طالب النواب، إعلان السلطات المصرية حقيقة ما جرى للطالب الإيطالي ريجيني، الذي عُذب وقُتل في مصر بداية عام 2016، وندد النواب الأوروبيون، بالاعتقالات التي أعقبت مظاهرات الشهر الماضي، والتي شملت 4300 متظاهر ومعارض، حسب ما جاء في قرار البرلمان الأوروبي.
من الطبيعي في دولة يحكمها عملاء الغرب وبنظامه الرأسمالي أن يكون القمع هو سيد الموقف وحالة الطوارئ لا تنتهي، لأن هكذا نظام لا عداوة له مع الغرب ولا مع كيان يهود، بل عداؤه مع الشعوب التي يمكّن الغرب من نهب ثرواتها ويحول بينها وبين حريتها، هذا ما يدركه هؤلاء الحكام ومن خلفهم من السادة في الغرب الذي يتباكى علينا! ولا يختلف الحال بين الواقع في مصر عنه في اليمن مثلا أو العراق أو الأردن أو لبنان وحتى سوريا... فكل بلادنا تئن تحت نير التبعية للغرب، لا يختلف الحال بين عملاء أوروبا وعملاء أمريكا فكلاهما يطبق علينا رأسمالية الغرب بأحط وأبشع صورها، وما تعانيه بلادنا ليس سوى ناتج طبيعي لتطبيق هذا النظام الذي لا يتعايش في بلادنا إلا مع حالة القمع والقهر وتكميم الأفواه؛ لأنه جسم غريب عن الأمة تحاول دوما أن تلفظه وتنعتق منه، ولا يبقيه إلا قهر الناس وجبرهم على العيش في ظله.
إن وجود حكام من مثل السيسي على رأس النظام المصري بما فيه وبما أوصل إليه مصر وأهلها لا يقلق الغرب ولا يؤرقه كما يظهر في بيان البرلمان الأوروبي طالما أنه بقي ممسكا بزمام السلطة محافظا على مصالح سادته ويؤدي ما يوكل إليه من مهام على وجهها، وهو ما عبر عنه ترامب عندما وصف السيسي بدكتاتوره المفضل، فهم حقا يفضلون حكامنا هكذا؛ محاربين للأمة ودينها وحاجزا يحول بينها وبين انعتاقها من ربقة التبعية، بل ما يقلقهم حقا هو ما قد تؤدي إليه ممارساته القمعية من ثورة محتملة على غير ما يرغبون ربما توصل الإسلاميين للحكم على وجه صحيح يطيح بالغرب وعملائه ونظامه، والتباكي الآن ليس سوى جزء من صراع الكراسي ومحاولة فضح ومزاحمة أمريكا من قبل أوروبا وعملائها، وليس إشفاقا على أمة تتقاسم أوروبا ثرواتها وخيراتها مع أمريكا نفسها.
إن ما تحتاجه الأمة ليس تنديد وتباكي الغرب على ما يقوم به عملاؤه في بلادنا، فليوفروا تباكيهم وليرفعوا أيديهم عن حكامنا ويخلّوا بيننا وبينهم لنقتص منهم، وليمتنعوا عن سرقة وحرف وتدمير ثوراتنا الساعية للانعتاق من تبعيتهم، حينها يمكن أن تنجح هذه الثورات وتقتلع الحكام العملاء والرأسمالية التي يحكمون بها والتي تنتج المآسي، وعندئذ لن يجدوا ما يتباكون عليه ولا ما ينددون به، اللهم إلا ما يقلقهم صراحة وهو عودة الإسلام لحكم بلادنا من جديد في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فهذا هو النجاح الحقيقي للثورات التي تعيش حالتها بلادنا والتي يسعى الغرب لسرقتها وحرفها عن مسارها والإيحاء بأنها تطالب بالعلمانية، التي لا تنسجم مع الشعوب المسلمة وطبيعتها وفطرتها.
أيها المسلمون! إن حكام بلادنا هم مجرد وكلاء للغرب، موظفون في البيت الأبيض وقصور أوروبا بدرجة ملوك ورؤساء دول، والغرب لا يمكّن لحكم بلادنا إلا أسوأ من فينا ليتمكن به من التسلط علينا فلا تعنيه دماؤنا ولا يعبأ بفقرنا طالما بقي ناهبا لثرواتنا وخيراتنا في رعاية وحماية هؤلاء الحكام وتلك الجيوش التي نقتطع ثمن سلاحها وأرزاقها من أقواتنا، وما تحتاجونه حقيقة لن يأتي من الغرب الذي يخادعكم بمثل هذا التباكي، بل بأيديكم أنتم يكون التغيير الحقيقي الذي يخشاه الغرب ويقلقه فعلا، وهو ما ستؤول إليه ثوراتكم حتما فلا مجال لتغيير ما أنتم فيه بترقيعات تضاف لترقيعات النظام الرأسمالي العفن، فلا صلاح لحال الأمة ولا العالم كله إلا بالتخلي عن هكذا نظام ذاق العالم ويلاته، وها نحن نرى الثورات تجوب العالم كله جراء سياساته الجشعة الوحشية؛ فمن فرنسا إلى الصين إلى تشيلي وغيرها، وحتى أمريكا نفسها لم تسلم، والعالم الآن أحوج ما يكون إلى نظام بديل يخرجه من براثن الرأسمالية التي تغرق وتغرقه معها ولا بديل حقيقياً غير الإسلام ونظامه الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فكما احتاج العالم للإسلام سابقا إبان بعثة النبي e فكانت بعثته ودولته التي أخرجت الناس من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام، فإن العالم الآن بحاجة لدولة النبي e ونهجه ليعيشوا في ظل عدله كما كانوا وكما عاشوا قرونا طويلة، فلا التباكي سينفع ولا التنديد سيشفع ولا خداع الغرب سيطول، والأمة التي يتنامى وعيها ستدرك حتما (وهذا ما يخشاه الغرب) أن نجاتها في عودة الإسلام للحكم في دولته وستحتضن من يحمل الدعوة إليه وستنصرهم، فلم يبق غيرهم تتطلع إليه الأمة، التي لم يعد ينقصها في مسارها نحو الانعتاق من تبعية الغرب غير انحياز أبنائها المخلصين في الجيوش وما لهم من ثقل سيغير المعادلة ويعيد للأمة سلطانها المغتصب فتعود لدينها وربها وتحكم بنظامها الذي يوافق فطرتها وينسجم مع عقيدتها ويرضي ربها؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة. اللهم عجل بها واجعلنا من جنودها وشهودها.
بقلم: الأستاذ سعيد فضل
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع