أكد وزير الشؤون الدينية والأوقاف في السودان نصر الدين مفرح عزمه تنفيذ مشروع تدريب وتأهيل شباب الكنائس وأئمة المساجد ورفع قدراتهم الدعوية، وقال لدى لقائه وفداً من مجلس الكنائس السوداني إن الزيارة تأتي في إطار التعرف واستعراض برامج ومشاريع مجلس الكنائس في المرحلة المقبلة لافتا إلى أن وزارته تمثل النصارى والمسلمين، وأنه سيعمل على مساعدة النصارى على ممارسة شعائرهم التعبدية بكل حرية وعدالة، وأضاف أنه سيقف على مسافة واحدة من كل الأديان في السودان، مشددا على أن (المواطنة) هي أساس الحقوق والواجبات، ودعا إلى أهمية مد جسور التواصل، وإدارة التنوع الديني، مؤكدا الدعم والمساندة المادية، والمعنوية للكنائس.
هذا وقد دعا الوزير مفرح قبل ذلك يهود الذين فارقوا السودان، إلى العودة للبلاد، مؤكدا على التعايش الديني والمذهبي، جاء ذلك في لقاء أجراه مع "قناة العربية" الجمعة 6/9/2019م وذلك بعد تعيينه وزيرا للشؤون الدينية والأوقاف. وقال مفرح موجها كلامه ليهود الذين غادروا السودان: "ندعوهم بحق التجنس و(المواطنة) للرجوع إلى البلاد، لأن هناك دولة مدنية في هذا البلد، (المواطنة) فيها أساس الحقوق والواجبات"، هذا وقد نادى وزير الشؤون الدينية بوضع مسألة حرية الانتقال من دين إلى آخر بصورة واضحة في الدستور بعد المؤتمر الدستوري العام في خواتيم الفترة الانتقالية، قاطعا بأنها قضية خاضعة للنقاش وواصفا إياها بأنها قضية خلافية.
إني لأجد صعوبة في استيعاب كلام وزير الشؤون الدينية والأوقاف في السودان، من منظور فكري وعقدي فهو يقول بأنه سيدعم الكنيسة ماديا ومعنويا ويعمل على تدريب شباب الكنائس ويؤهلهم للدعوة طبقا للدين النصراني، إذن هو لا يشجع النصارى على التمسك بدينهم وحسب بل يدعمهم ويؤهلهم لدعوة الناس له لإدخال أهل الملل الأخرى فيه حتى لو كانوا مسلمين! فكيف يعقل ذلك والأصل فيه أنه يؤمن بشكل قطعي ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ﴾، ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾؟! ألا يعتبر عمله هذا خيانة لهؤلاء النصارى إذ إنه حال بينهم وبين الدخول في الإسلام؟! أليس دوره الحقيقي هو أن يدعو غير المسلمين للدخول في الإسلام، وهو عمل الرسول e الذي كرس كل حياته للدعوة إلى الإسلام، وانتقل هذا الواجب من بعده لكل المسلمين؟!
أما بالنظر إلى تصريحات وزير الشؤون الدينية والأوقاف من المنظور السياسي (الواقعي) الذي تنتهجه الحكومة السودانية وغيرها من الحكومات القائمة في البلاد الإسلامية؛ فإن هذا الكلام يكون بمثابة استجابة لشروط أمريكا الستة التي طلبتها لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وهذا الأمر دفع الوزير لأن يقول مثل هذا الكلام الذي يتنافى مع عقيدته. وقد حذا حذوه كثير من المسؤولين في الحكومة الانتقالية فدعا وزير العدل إلى فصل الدين عن الدولة، وقد دعت من قبل فدوى عبد الرحمن المرشحة السابقة لمجلس السيادة إلى هذا الكلام نفسه، وقد تم تعيينها مؤخرا مديرة لجامعة الخرطوم "أكبر الجامعات السودانية"، فقد ذكرت صحيفة الجريدة 15/7/2019م "إن الإنقاذ مزجت الدين بالسياسة وتلاعبت بالشريعة، وبالتالي لا بد من فصل الدين عن الدولة" كما قال القراي المسؤول الجديد عن المناهج في السودان في وزارة التربية والتعليم "عن قوانين الشريعة التي طبقت في القرن السابع الميلادي وقامت على هديها الدولة الإسلامية الأولى، لا يمكن أن تطبق اليوم وذلك للفرق الشاسع بين حاجة وطاقة المجتمع الكوكبي المعاصر الهائلة، وحاجة وطاقة المجتمع البشري والذي كان يمثل مجتمع الجزيرة" وغيرها الكثير من التصريحات التي لا يسعها المقام والتي قدمت الشريعة الإسلامية قربانا لمصالح أمريكا لرفع اسم السودان من قائمة (الإرهاب). إن لم يكن عند هؤلاء المسؤولين تقوى تمنعهم من مثل هكذا أقوال، أليس لديهم وعي سياسي يجعلهم يدركون من هي أمريكا؟! وكم هم الحكام الذين خدموها لعشرات السنين حفاة القدمين، ثم رمت بهم في مزبلة التاريخ غير مأسوف عليهم، ألم يتعظوا من جعفر النميري، وحسني مبارك، ودكتاتور هايتي، وعمر البشير الذي دفع لهم الثلث الغني من السودان بلا ثمن وها هو الآن يقبع في السجون؟! ألم يقرأ هؤلاء تصريحات مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية عن رفع اسم السودان من قائمة (الإرهاب)؟ ففي لقاء خاص مع منظمة أكت فورسودان أكدت مسؤولة في وزارة الخارجية الأمريكية يوم الخميس 3/3/2019م أن رفع اسم السودان من هذه القائمة قد يستغرق سنوات، وفي تصريح آخر لواشنطن بوست في تشرين الأول/أكتوبر 2019م نفى مسؤول أمريكي رفيع تحديد بلاده سقفا زمنيا لرفع السودان من قائمة (الإرهاب)، وأضاف مساعد وزير الخارجية الأمريكية لأفريقيا تيبور ناجي ردا على سؤال لـ"سودان تربيون" خلال تنوير صحفي أن هناك قيودا ومتطلبات قانونية تحكم عملية مراجعة وضع السودان في هذه القائمة. إن أمريكا بهذه القرارات تدفع بهؤلاء الناس إلى قاع العمالة والنخاسة، وها هم يتدحرجون...
وأخيرا نقول لوزير الشؤون الدينية والأوقاف في السودان: إنك بعد أن كنت تدعو الناس إلى الله، والتمسك بدينه من على منبر الرسول e، أصبحت بعد تسلمك منصبك هذا، وهو مكان أرحب للدعوة إلى الله، تتدحرج نحو القاع وتدعو إلى دعم النصرانية وتأهيل الشباب للدعوة لها!!
إنك أيها الوزير إن استمريت في هذا التدحرج في محاولة لإرضاء الكفار فإن قاعك هو قوله تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ إن هذا التزلف للكفار لن يجلب إلا الذل والهوان والخزي والعار والهزائم المتتالية، يقول تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ويقول:﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾من هنا الدرب أيها الوزير.
رأيك في الموضوع