تحتفل حكومة هادي وشركاؤها من الأحزاب وخاصة حزب الإصلاح بذكرى 26 أيلول/سبتمبر وذكرى 14 تشرين الأول/أكتوبر، وذكرى 11 شباط/فبراير التي كانت في 2011م التي حرفوا مسارها وقتلوا فيها الأمل الذي كان يصبو إليه الناس الثائرون بإقامة دولة ترعى شؤونهم وتوفر لهم الأمن والعز والكرامة، وهذه لن تتحقق لهم إلا في ظل دولة تطبق الإسلام كما أمر الله.
ويحتفل الحوثيون بالمناسبات أعلاه ويضيفون لها ذكرى 21 أيلول/سبتمبر التي حدثت في 2014م والتي دخلوا فيها صنعاء، فكلا الطرفين يحتفل ويحشد الحشود ويجمع الناس ويخرج في مسيرات ويعقد المهرجانات.
والكل يريد من الناس في اليمن أن يشاركوهم أفراحهم واحتفالاتهم التي لم تزد الشعب إلا تعاسة، وفي الوقت الذي يعيش فيه كثير من الموظفين بلا رواتب وخدمات لا يخلو بيت في اليمن من قتيل أو أسير، وفي أحسن الحالات الخوف من مداهمة إحدى المليشيات المتصارعة لمنازلهم بعد منتصف الليل، ناهيك عن الغلاء الفاحش للمعيشة والأزمات المفتعلة مثل انعدام المشتقات النفطية، فنشاهد بين الحين والآخر الطوابير أمام محطات المشتقات النفطية، فهم يسعون لإشغال الناس بلقمة العيش لاستغلال حاجتهم للمال فلا يكون أمام الناس إلا خيار واحد وهو الانخراط معهم في القتال للحصول على ما يسد رمقهم من الفتات الذي يعطيه الحوثيون في الشمال لمن يقاتل معهم، أما في جهة هادي فإن السعودية والإمارات تغري الناس للقتال في صفها بمبالغ أكبر من المال.
ويجتمع ممثلو زعماء المتقاتلين في جنيف والكويت والسويد وغيرها ويستقبلون مبعوثي الأمم المتحدة والمنظمات الاستخباراتية التي تتذرع بالمساعدات الإنسانية وتتباكى على أهل اليمن، وهم لا يمثلون إلا الجهات التي تدعم الأطراف المتصارعة هذا أو ذاك وينفذون أجندتها.
إن المشكلة في اليمن وغيرها من بلاد المسلمين لا تكمن فقط في المتصارعين الذين يسيطرون على الحكم وبالتالي على المال، بل في تقاعس كثير من الناس عن التفكير الجدي والصحيح في كيفية الخلاص من كل هؤلاء فأصبحوا يقارنون بين المتصارعين على أساس أخف الضررين وأهون الشرين!
فمثلاً يدرك أغلب الناس في اليمن أنه لا خير في المتصارعين فهم لا يمثلون إلا أنفسهم أو الجهات الداعمة لهم، ويدركون أن النقاش في المفاوضات بين أدوات الصراع لا يتعدى النقاش حول نصيب كل منهم في الحكم وضمان بقاء السلاح والموارد المالية في أيديهم، وحول إطلاق أقاربهم الأسرى أو القيادات التي لا زالت لها قيمة عندهم، أما الأسرى من الأتباع المضللين فلا يهتمون بهم أو بالأبرياء من الناس الذين تم أسرهم بسبب كلمة حق أو لمجرد الاشتباه أو سجن بسبب دفاعه عن حقه أمام مليشيات المتصارعين، فلا يهتمون لأمرهم، وأما أمور المرتبات أو أمور المعيشة للناس فلا تهم أحداً منهم إنما يتباكون بها أمام الناس فقط وكل يتهم الآخر بالتقصير في الوقت الذي يذبحهم كل طرف من جهته بالجمارك في كل المنافذ الجمركية، بمعنى من جمارك ما يسمى الشرعية ومرة أخرى من جمارك الحوثيين وتفرض الضرائب المرهقة التي تؤخذ أكثر من مرة على نفس السلعة الواحدة المستوردة، فتفرض مرة على المستورد الرئيسي ومرة على تاجر الجُملة ثم على تاجر التجزئة، ولا ننسى الأموال التي تؤخذ في نقاط التفتيش لتسهيل مرور الشاحنات، ثم يأتي دور الواجبات الزكوية والدعم الشعبي للمهرجانات والجبهات، وفي الأخير يلقون التهم على التجار الذين يعوضون كل نفقاتهم هذه برفع أسعار السلع!! كل هذا يدركه الغالبية من الشعب اليمني.
أما إذا أراد الشعب أن يبحث عن الحل الصحيح لكل تلك المشاكل فلا بد أن يغير طريقة تفكيره ويعمل على إيجاد ثورة فكرية سليمة قبل أي نوع من الثورات ليعرف كيفية التخلص من كل تلك المشاكل لا المفاضلة بينها.
وإذا أردنا أن نضع بعض نقاط الحل فتتمثل في:
1- إن أعظم نعمة أنعم الله بها على أهل هذا البلد هي كونهم مسلمين، ولذلك لوحظ أن أثر عقيدة الرزق والأجل شابها بعض الغبار، وهذا ما جعل الكثير يحل دم أخيه المسلم للحصول على فتات من متاع الدنيا الزائل، فعليهم أن يجلوا هذا الغبار.
2- القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم المشاركة أو التأييد لطرف من الأطراف المتصارعة ولو بالكلمة، قال تعالى في ذم من يسكت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾.
3- الدعوة لوقف الحرب والوقوف ضد أطراف الصراع ودعاة الفتنة ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
4- دعوة كل القيادات المتصارعة إلى قطع يد الأجنبي ومنعه من التدخل في شؤون البلاد ﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلَا ذِمَّةً وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾.
5- الالتفاف نحو مشروع حقيقي للنهضة مستمد من عقيدة أهل اليمن، لا حول مشاريع وهمية وشعارات جوفاء، وليس هناك غير الدعوة لإقامة دولة الإسلام التي تجمع المسلمين جميعاً تحت راية واحدة وتقطع يد الكفار وتحاسب كل الطغاة وتوجد الأمن والعدل بعد غياب طويل، دولة لا تمايز بين الرعية بل تعطي كل ذي حق حقه بغض النظر عن مذهبه أو لونه أو عرقه، وهذا الأمر ليس حلماً وإنما هو حقيقة كانت في الماضي وهناك رجال يعملون لها في الحاضر، إنها الدعوة لإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة، التي يعمل لها حزب التحرير وهي دعوة أصبحت اليوم عابرة للقارات رغم القمع والتعتيم والتشويه ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾.
بقلم: الأستاذ محسن الجعدبي – اليمن
رأيك في الموضوع