واصل نظام بشار أسد هجماته على منطقة إدلب بدعم مباشر من روسيا، فتمكن من السيطرة على ريف حماة الشمالي وخان شيخون يوم 20/8/2019، وأمريكا هددت برد سريع إذا استعمل الكيماوي، وتركيا أردوغان الضامن لخفض التصعيد تتفرج من خلال نقاط المراقبة التي أقامتها في المنطقة، وقام أردوغان بالاتصال بالرئيسين الأمريكي والروسي أعقبها بزيارة لموسكو يوم 27/8/2019. فيتساءل المرء عما يجري وحقيقة مواقف هذه الأطراف الفاعلة وما تهدف إليه؟
إن الإجابة عن كل تلك التساؤلات تطول، ولكن سأختصر ما أمكن، فقد كثف النظام الإجرامي هجماته بدعم روسي مباشر منذ بداية شهر أيار الماضي بعد انتهاء جولة أستانة 12 يوم 26/4/2019 ليعيد السيطرة على بعض المواقع في جنوب إدلب، علما أنه استأنف هجماته في شهر آذار الماضي وبشكل مفاجئ على المنطقة وبدعم جوي روسي مكثف، فأعلنت يومئذ متحدثة الخارجية الروسية زاخاروفا بأن "الوضع في إدلب خطير ويتدهور بسرعة" مما يشير إلى أن روسيا صممت على مهاجمة إدلب. وحدث أن قام أردوغان بزيارة عمل لموسكو استغرقت يوما واحدا يوم 23/1/2019 ليتحدث مع بوتين حتى لا يقوم بمثل هذا الهجوم، ومن ثم قام يوم 14/2/2019 بزيارة ثانية لروسيا ليلتقي مع بوتين وروحاني في سوتشي، ومن ثم قام بزيارة موسكو يوم 8/4/2019 ليتحدث حول الموضوع حيث يظهر أن روسيا قد نفد صبرها بسبب عدم تنفيذ اتفاق سوتشي الذي أجرته مع تركيا يوم 17/9/2018 وبطلب من أمريكا كما أعلن رئيسها ترامب لوقف اجتياح منطقة إدلب. ومن بنوده إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15-20كم، وقيام تركيا بإخراج ما أطلقوا عليه الفصائل (المتطرفة والإرهابية) من المنطقة ونزع أسلحتها الثقيلة ما بين يومي 10 و15/10/2018، ومن ثم فتح الطرق بين حلب واللاذقية وبين حلب وحماة الموصلة لدمشق بحلول نهاية عام 2018.
وتأتي أهمية بلدة خان شيخون من موقعها الجغرافي على الطريق السريع الذي يمر بإدلب ويربط حلب بدمشق. وكأن هناك تواطؤا بين هذه الأطراف لتنفيذ بند فتح تلك الطريق، لأن هناك معارضة من الناس قادها حزب التحرير ضد فتح هذه الطريق التي تعيد للنظام شرايين الحياة. وقد انسحبت الفصائل المسلحة التي تأتمر بأوامر تركيا من ريف حماة الشمالي المحاذي للبلدة قبل محاصرته وادّعت هيئة تحرير الشام في بيان أصدرته أن "ذلك إعادة انتشار للقوات" وكان تسليما للمنطقة! إذ إن هذه الهيئة وفصائل أخرى ارتبطت بتركيا التي تنسق مع روسيا والتي أمنت سقوط حلب لروسيا وللنظام عام 2016. ولا يستبعد أن يجري تسهيل سيطرة النظام على أطراف هذه الطريق حتى يتم تنفيذ أحد بنود سوتشي لتعزيز سيطرة النظام على تلك الطرق ومن ثم سيطرته على عموم سوريا ليسوم أهلها سوء العذاب.
لم تتحرك تركيا لوقف الهجوم الأخير ولديها نقطة مراقبة في مورك بريف حماة، وقد طوقتها قوات النظام من دون أن تمسها. وقد اتصل أردوغان هاتفيا بنظيره الروسي بوتين الذي أعلن يوم 23/8/2019 أنهما "اتفقا على تفعيل الجهود المشتركة بشأن إدلب". وصرح وزير خارجية روسيا لافروف يوم 26/8/2019 أن "الهجوم لا يخالف أي اتفاق مع تركيا". وأعلن وزير خارجية تركيا عن اجتماع ثلاثي تركي روسي إيراني مرتقب يوم 11/9 القادم. ورغم ذلك فإن أردوغان قام بزيارة موسكو والتقى مع بوتين يوم 27/8/2019 لمناقشة الأمر. وعقدا مؤتمرا صحفيا مشتركا قال فيه بوتين: "اتفقنا مع الرئيس التركي على القضاء على الإرهابيين في إدلب والقيام بما يلزم في هذا الخصوص"، وقال "إنشاء منطقة آمنة على الحدود الجنوبية لتركيا خطوة إيجابية من حيث وحدة الأراضي السورية" مما يدل على أن مخطط أمريكا المتعلق بإنشاء المنطقة الآمنة والذي تنفذه مع تركيا هو لصالح النظام. ومن جانبه قال أردوغان: "المسؤوليات الملقاة على عاتقنا بموجب اتفاقية سوتشي لا يمكن الإيفاء بها إلا بعد وقف هجمات النظام" وقال: "هدفنا وقف إراقة الدماء وإرساء أجواء الاستقرار في جارتنا سوريا التي تتوق إليها منذ 8 سنوات بأسرع وقت".
مما يدل على أن سبب الهجوم هو نفاد صبر روسيا لتنفيذ اتفاق سوتشي، ويثبت أن أردوغان يسعى كروسيا لتثبيت النظام السوري ومنع سقوطه. وأكد صداقته لعدو الله بوتين قائلا: "إن لتركيا حق الدفاع عن النفس على حدودها وقد نقلت إصرار بلادنا على هذه المسألة بشكل شخصي إلى صديقي العزيز السيد بوتين". وذكر أن "التبادل التجاري مع روسيا البالغ حاليا 25 أي سيزيد إلى 100 مليار دولار، وذلك ليغري روسيا في تنفيذ مخططات أمريكا في سوريا. إذ إن أردوغان لا يتحرك إلا بالتشاور مع أمريكا وبموافقتها. وأكد وزير دفاع روسيا شويغو بعد لقاء الرئيسين على استمرار الاتفاقات الروسية المبرمة في أيلول الماضي (اتفاق سوتشي)".
يظهر أن هدف أردوغان من اجتماعه الأخير مع بوتين هو لتأكيد اتفاق سوتشي ومنع سقوط إدلب الآن كما خططت له أمريكا. واتفاقهما على إنهاء الجماعات (الإرهابية) في إدلب يعطي مؤشرات على أن تركيا ستقوم وتتصرف تنفيذا للاتفاق حول الموضوع، وقد أصبحت هيئة تحرير الشام المهيمنة على المنطقة طوع بنان تركيا فلا يستبعد أن تطلب منها تركيا التنازل الأخير لتحل نفسها حيث إنها ما زالت توصف بالمتطرفة وقد قدمت تنازلات كبيرة من تغيير اسمها السابق جبهة النصرة، وقطعت حبالها مع القاعدة، وتنازلت عن الأهداف الإسلامية العالمية والعمل لإقامة الخلافة، وأعلنت أنها جبهة وطنية، فمن تنازل كل هذه التنازلات فلا يستبعد أن يتنازل أكثر؛ ذلك أنه "من يهن يسهل الهوان عليه".
وهكذا تعمل أمريكا على وقف الهجوم الروسي على إدلب بينما يظهر أن روسيا مستعجلة تريد أن تخرج من مآزقها في سوريا، وأمريكا توقفها عند حدها كلما تجاوزته وتستغلها وتبقيها حتى تنفذ حلها السياسي هناك بجعل الناس يستسلمون للنظام مع تعديل للدستور وإجراء انتخابات، وتستعمل آلتها الفعالة تركيا أردوغان.
إن الذي ينقذ أهل سوريا هو نفض أيديهم من تركيا ومن تبعها من الفصائل، والعودة إلى مسار الثورة في بدايتها بالاعتماد على أنفسهم متوكلين على الله ورافضين كل الداعمين الشياطين؛ لأن دعمهم ليس دعما وإنما هو تقييد وتسليم للنظام كما حصل. ومن يتوكل على الله فهو حسبه، ومن يتوكل على الشيطان وأوليائه فهم خاذلوه ومحبطوه. ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
رأيك في الموضوع