تتوالى الأحداث الساخنة في المنطقة ومنها اليمن؛ ففي الأمس انسحاب إماراتي وتصريح للسفير الأمريكي السابق في اليمن جيرالد فايرستاين قائلا "مشكلة انفصال جنوب اليمن لا تخص اليمنيين فقط بل المنطقة بأكملها وسيقطع الخطوط المخالفة في المنطقة، وإذا لم يكن اليمن موحدا فسيكون ذلك سيئا لليمن وجيرانه، وأن العالم لا يدعم إقامة دولة يمنية جنوبية، مشيرا إلى أن كل قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن لا تشير إلى ذلك" وقد جاء تصريح فايرستاين ردا على تغريدة لعبد الخالق عبد الله مستشار محمد بن زايد جاء فيها "لن يكون هناك يمن واحد موحد بعد اليوم" (كريتر سكاي - مأرب برس - عدن الغد). يضاف هذا التصريح الحالي للسفير الأمريكي إلى تصريح سابق يهاجم فيه الإمارات قائلا "إن تواجد القوات الإماراتية في جزيرة سوقطرة هو احتلال وهو أمر غير مبرر ولا تعرف أهدافه ويتعارض مع قرار مجلس الأمن 2216 الذي يحمي سلامة اليمن ووحدة أراضيه" (المشهد اليمني).
إن هذه التصريحات تتوافق مع ما يجري على الأرض اليوم من أحداث ساخنة فقد شن الحوثيون يوم الخميس 1 آب/أغسطس 2019 هجوما صاروخيا باليستيا على معسكر الجلاء في عدن التابع لقوات الحزام الأمني ومن ورائه الإمارات وقد أسفر هذا الحادث عن مقتل قرابة 40 جنديا وبعض الضباط، وكذلك مقتل أبرز قيادات قوات الحزام الأمني وهو العميد منير اليافعي (أبو اليمامة)، وقد جاء في الشريط الإخباري لقناة الجزيرة خبر لعضو المكتب السياسي للحوثيين محمد البخيتي "أن كل قادة الحزام الأمني في اليمن أصبحوا هدفا للهجمات"، وتابع "نستهدف جهات عسكرية وليس مركز شرطة، وقرار قوات المجلس الانتقالي خاضع للإمارات". هذه هي الأحداث وها هي التصريحات ومعهما تنكشف الغمة وتتجلى حقيقة الصراع بين أمريكا وأدواتها الحوثيين والسعودية وإيران من جهة وبين بريطانيا وأدواتها الزبيدي والشرعية والإمارات من جهة أخرى.
فها هي الضغوط تتوالى على بريطانيا وأداتها الإمارات من أمريكا فقد منعت الأخيرة دخول الجيوش لاستعادة الحديدة وصنعاء ونهم والبيضاء وتعز من قبضة الحوثيين، وها هو قرار الانسحاب وضرب ناقلات النفط الإماراتية تنبئنا بحجم الضغط وحجم الصراع، يضاف إلى ذلك تصريحات فايرستاين من اعتراضه على انفصال جنوب اليمن عن شماله بسبب سيطرة عملاء الإنجليز على الجنوب بقيادة الإمارات الانتقالي وسيطرة قوات ما يسمى بالشرعية في مدينة مأرب النفطية، وأمام هذه القوة الإنجليزية في الجنوب وفي مأرب فإن عملاء أمريكا سيضيعون بسبب ضعفه. وكذلك تصريحه أنه سيقطع كل الخطوط المخالفة في المنطقة، فلا شك أن الإمارات هي أساس هذه الخطوط وتصريحه بأن قوات الإمارات في سُقطرى يعد احتلالاً، أما حادث يوم الخميس في معسكر الجلاء ليزيد من هذا الضغط الأمريكي على مطامع الإنجليز فما هي الخيارات المطروحة أمام الإنجليز والتي بموجبها أن تنقذ نفسها من هذه الضغوطات؟ إن أمام الإنجليز ثلاثة خيارات؛ إما مواجهة هذه الضغوطات، أو مزيدا من التنازلات والتسريع بالحل السياسي الذي تفرضه أمريكا وأدواتها، أو الاستئثار بالجنوب والقبول به أمام عجزها عن الحل العسكري، والمحتمل أن يعجل بالحل السياسي لأن الحل العسكري غير وارد لتوافق الأطراف على الحل السياسي ولذلك يأتي الهجوم الأخير على معسكر الجلاء كمساهمة في الضغط والتسريع من أجل الوصول للحل السياسي.
أما مواجهة الإنجليز للضغط الأمريكي والذي تقوده السعودية وإيران وأداتها في اليمن فهو صعب لضعف موقف الإنجليز الدولي وكذلك يعاني الإنجليز من مشاكل داخلية وترتيب للمرحلة القادمة منذ استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي واستقالة تريزا ماي، وهذا الأمر يعيق أداءهم في السياسة الخارجية.
وأما قرار الانفصال فهو أيضا غير وارد في المدى المنظور كونه خيارا غير ناضج فلم تتوفر أسباب نجاحه كما حدث من قبل في السودان من تهيئة للأجواء وفرض ظروف اقتصادية وسياسية وعسكرية أدت لانفصال جنوب السودان عن شماله ولكن مع استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه يزيد من فرصة حدوث الانفصال بشكل كبير.
إن هذه الأحداث أحداث مؤلمة وموجعة ينفطر لها القلب ويعتصر ألما ودما، فها هي الجثث والأشلاء يذهب ضحيتها الجانبان من أبناء المسلمين والأبرياء! فما ذنب أبناء المسلمين في اليمن من الطرفين الذين يذهبون للجبهات صحاحاً ويعودون جثثا وأشلاء بحجج الدفاع عن الإسلام وعن الوطن وعن الشرف وهي حقيقة للدفاع عن مصالح الغرب أمريكا وبريطانيا؟! فمن يقتل؟ أليس هم أبناء المسلمين؟ ومن تنهب أمواله وخيراته أليس هم المسلمون؟ ومن يتمزق ويتشرذم أليس هم المسلمون؟ ألا فليع أتباع المتصارعين على عمالة قيادتهم وأنهم باتباعهم الأعمى أردوهم الهلاك والخسران وسفك الدم الحرام، وليعرفوا أن هادي لا يحكم بالإسلام بل بالكفر وهو عميل للإنجليز ومحارب لله ورسوله، أما الحوثي فهو يسير على النظام نفسه الذي يسير عليه هادي فلم يغير نظام الحكم ولم يطبق المسيرة القرآنية التي يزعم أنه يدعو لها، بل الربا والعلمانية، وتعطيل الشرع لا يزال موجودا، وهم يطبقون ويحمون أحكام الكفر.
إن هذه الحرب والتي يذهب ضحيتها أبناء المسلمين وقودا للغرب الذي يسعى وراء تحقيق مصالحه سواء بالقتال أو باتفاق سياسي أو بغيره لن يجني منها المسلمون سوى الشقاء في الدنيا والآخرة وبمجرد حدوث حل سياسي وتقاسم للمناصب والمصالح تذهب الحجج السابقة أدراج الرياح وتصدر من الطرفين فتاوى الصلح وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وغيرها من الاستدلالات!! والتي يوظفها علماء السلاطين لصالح القرار السياسي الذي يتخذه أسيادهم في أمريكا وبريطانيا، فلو كانت هذه التضحيات لله عز وجل وللإسلام ودولته لكانت أجدى وأثمر وأنفع وأكثر أجراً.
إن على أهل اليمن؛ قيادات سياسية وأحزاباً وعسكريين ومدنيين، أن يتقوا الله وأن ينبذوا ويلفظوا طرفي الصراع كما نبذ أجداد اليمن أوسهم وخزرجهم يهود وآمنوا وركنوا ونصروا ومنعوا منقذهم منقذ العالمين الرسول الأمين محمد rفنجوا وعزوا في الدنيا والآخرة، وليكن حال الأحفاد كحال الأجداد، قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾.
بقلم: الأستاذ عبد الرحمن العامري – اليمن
رأيك في الموضوع