صرح مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية بتاريخ ١٩/٥/٢٠١٩ لشبكة CNN أن الإدارة الأمريكية ستعلن عن الجزء الأول من اقتراح السلام في الشرق الأوسط المعروف بـ"صفقة القرن" خلال ورشة عمل ستعقد في العاصمة البحرينية المنامة يومي 25 و26 من الشهر القادم، وأن الورشة ستكون بحضور جمع من وزراء الاقتصاد العرب ورجال الأعمال العالميين والإقليميين ووزير اقتصاد كيان يهود كحلون وبحضور صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره جاريد كوشنر ومبعوث البيت الأبيض إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات.
وبحسب الصحيفة فقد أكد كوشنر "أن الخطة ستناقش أربعة مكونات رئيسية هي: البنية التحتية، الصناعة، التمكين والاستثمار في الأفراد، وإصلاحات الحكم، وأن الورشة ستحاول العمل على تجنب القضايا السياسية الكثيرة التي جعلت السلام بعيد المنال لفترة طويلة مثل قضايا ما إذا كان الفلسطينيون سيحصلون على دولتهم الخاصة، ووضع القدس..."
واضح من خلال التصريحات السابقة والتسريبات التي سبقتها مدى تأثر عقلية ترامب بالبيئة التي عاش وترعرع فيها وهي بيئة المال والشركات وعقد المضاربات والصفقات، وأن ترامب يظن أنه بهذه العقلية سيوجد مدخلاً لتصفية قضية فلسطين وسينجح بما عجزت عنه رأس الخبث السياسي ومنبع السموم السياسية المركزة بريطانيا التي ضعفت وهرمت وسُحب الملف من يدها قبل إنهائه بتصفية القضية، وأنه سينجز ما عجز عنه من سبقه من رؤساء أمريكا من مثل كارتر وريغان وبوش الأب وكلينتون وبوش الابن وأوباما؛ من خلال التركيز على الجوانب الاقتصادية وعقد الصفقات، ولو نظر هذا الأرعن ترامب لوجد أنه في غفلة كبيرة ولأدرك بأن قضية فلسطين ليست كالملف الكوري الشمالي أو الحروب التجارية مع الصين وأنها ليست كالتعامل مع روسيا أو أوروبا بل هي شيء مختلف وقضية لها خصوصيتها، وأنها أكبر منه ومن دولته ومن صفقته المشؤومة وورشته الاقتصادية في البحرين، فرغم المليارات التي قدمتها أمريكا على مر العقود السابقة للأنظمة العميلة في بلاد المسلمين وللسلطة الفلسطينية حتى يسيروا في ركابها وضمن توجيهاتها ووفق إرادتها، ورغم الاتفاقيات والمؤامرات السياسية الكثيرة التي حاكتها ونفذها أدواتها في بلاد المسلمين إلا أنها فشلت في تصفية هذه القضية ولم تنجح في إغلاق هذا الملف إلى هذه اللحظة.
إنه لمن العجرفة والعنجهية والحماقة السياسية التغاضي عن الحقائق التي تبين واقع قضية فلسطين، وتبين أنها تفوق قدرات الغرب وتتجاوز صفقاتهم ومؤامراتهم، ومن هذه الحقائق أن قضية فلسطين هي قضية عقدية عند أمة يقارب تعدادها المليارين، فهي مربوطة بسورة الإسراء في القرآن الكريم المحفوظ بحفظ الله والذي لا تستطيع قوى الأرض جميعاً ولو اجتمعت أن تحذف آية منه، وأن الأرض المباركة هي في أعين المسلمين أرض إسلامية فتحها الفاروق رضي الله عنه وحررها صلاح الدين الأيوبي رحمه الله وحافظ عليها الخليفة البطل عبد الحميد الثاني ورفض التفريط بها، وأنها تحتضن المسجد الأقصى مسرى الرسول عليه الصلاة والسلام وقبلة المسلمين الأولى وإليه تشد الرحال، وعلى ثراها هُزم التتار شر هزيمة بعد أن جالوا بلاد المسلمين طولاً وعرضاً وأهلكوا الحرث والنسل ونشروا الدمار والرعب، وأنها الآن تنتظر في أعين أطفال المسلمين قبل شيوخهم من يحررها ويعيدها مرة أخرى إلى حياض الأمة الإسلامية.
ولذلك مهما كان حجم المؤامرة التي تحوكها أمريكا للأرض المباركة، ومهما كانت تركيبة السم أو مكونات الطبخة كما يسمونها، وسواء أكانت اقتصادية أم سياسية أم تجمع بين الاثنتين، ومهما حشدوا لها من الأتباع والأشياع لإنجاحها، ومهما عقدوا لها من المؤتمرات والاجتماعات، ومهما بذلوا الجهد في الجولات المكوكية التي لا تكاد تتوقف، ومهما تعجرفوا في التصريحات ولو وصل بهم الحال أن يقولوا "علينا أن نعد الطبخة وعلى البقية جلي الصحون"... لن ينالوا مرادهم وسينقلبوا خائبين خاسرين بإذن الله لأن القضية كما بيّنا أكبر منهم ومن قوى الشر جميعاً.
لكن رغم ذلك كله فإنه يجب على أهل الأرض المباركة أن يكونوا حذرين واعين على ما يطرح ويروج، وأن يرفضوا كل المشاريع التي تأتيهم من الغرب بغض النظر عن ماهيتها أو تفصيلاتها وسواء أكانت مشروع حل الدولتين أو ما يسمى بصفقة القرن أو غير ذلك، وعليهم أن يستجيبوا للواعين المخلصين الناصحين لهم الذين طالما كشفوا لهم المؤامرات والمكائد وبينوا لهم حقيقتها والسبيل لإفشالها والتصدي لها وفضحوا القائمين عليها والمتواطئين فيها، وعلى أهل الأرض المباركة أن يجعلوا اتكالهم على الله الذي تكفل برد كيد الماكرين إلى نحورهم كما رد مكر قريش بالرسول e إلى نحرها فعادت تجر أذيال الخزي والندامة، وهاجر الرسول e وأقام دولة الإسلام رغم أنوفهم، قال تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.
ومن ثم على أهل الأرض المباركة أن يعتمدوا على أنفسهم ليبقوا الصخرة الكأداء التي تحطمت عليها كل المشاريع الغربية السابقة واللاحقة بإذن الله، وأن لا يعولوا على الأنظمة العميلة في بلاد المسلمين أن تقف في وجه أمريكا وتفشل مخططاتها فهذه الأنظمة هي أداة الغرب ورأس حربته في محاربة المسلمين، وقد خبر المسلمون تخاذلهم وخيانتهم، وكذلك يجب على أهل الأرض المباركة أن لا يعولوا على من تنازل وتخاذل وخان وباع وتاجر بالدماء والتضحيات تحت مسميات وطنية وشعارات ثورية كاذبة فهؤلاء قوم تكشفت حقيقتهم وبانت عوراتهم ومدى انبطاحهم وخضوعهم للمخططات الغربية ومن السذاجة التعويل عليهم في الدفاع عن قضية فلسطين أو الوقوف في وجه المخططات الأمريكية.
كما إن واجب الأمة الإسلامية أن تسقط الأنظمة العميلة، وتسلم الحكم لقيادة سياسية واعية، تستأنف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة التي تحرك الجيوش لاقتلاع هذه الشجرة الخبيثة - كيان يهود - من جذورها، وتفشل مخططات أمريكا وصفقاتها وتقلب الطاولة على رأس ترامب وإدارته وتقطع دابرهم من بلاد المسلمين وتعيدهم إلى عقر دارهم إن بقي لهم عقر دار.
بقلم: د. إبراهيم التميمي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين
رأيك في الموضوع