في الأسبوع الأول من شباط/فبراير 2019م، وفي جزيرة العرب وقع شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان وثيقة أسموها "الأخوة الإنسانية"، تحمل رؤيتهما لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين أتباع الأديان وللمكانة والدور الذي ينبغي أن تقوم به الأديان في عالمنا المعاصر. عندما تُوقع الوثيقة في جزيرة العرب التي نزل فيها الإسلام ويوقعها شيخ الأزهر على اعتبار أنه يمثل الإسلام، أو هكذا يراد له بما يتمتع به الأزهر من مكانة لدى أهل مصر والأمة بعمومها، وكأنهم يقولون للأمة لقد وقع الوثيقة بابا النصارى وشيخ الأزهر البابا الذي يخصكم، غير مدركين أن الإسلام ليس فيه كهنوت ولا إكليروس، ولا يشجع على وجود مصطلح رجال الدين أصلا، ولا يأتمن على دينه من باعوه لرضا حكام عملاء خانوا الأمة وارتموا في أحضان الغرب، وشيخ الأزهر واحد منهم بل هو على رأسهم، ونسوا أن تاريخ الرجل معروف لأهل مصر منذ كان عضوا في لجنة سياسات الحزب الوطني الحاكم أيام مبارك.
وثيقة كل ألفاظها كنسيّة علمانية وضعت بلا ريب في أروقة المخابرات الدولية، كلها تؤسس لدين جديد لا نعرفه، فكيف بربكم يستوي من يؤمن بالله عز وجل مع من ينسب لله الولد والصاحبة؟! لا يستويان مثلا تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، الله الذي خلق جميع الخلائق أنزل دينا وحكما على نبيه الخاتم محمد e ينسخ ويجب ما قبله، ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ e أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍبِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ». رواه مسلم.
أولم يسمع شيخ الأزهر بكل تلك الأنفس التي تزهق في حرب صليبية جديدة على الإسلام والمسلمين؟! أم أنه جزء منها وأداة من أدواتها لمحاولة إنتاج دين جديد يقبل بسب ذات الله وذات نبيه ولا يأبه لتعطيل شرعه ولا انتهاك حرماته وغيابه عن التطبيق، ولا يرى غضاضة في قتل إخوته في العقيدة واغتصاب نسائهم على يد من يسميهم شيخ الأزهر إخوته في الإنسانية، هؤلاء الذين نهبوا ثروات الشعوب وأفقروها لتمتلئ خزائنهم، وليأتوا بعدها بأمثالكم من أصحاب البطون الممتلئة ليحدثوا الشعوب المغلوبة الجائعة التي نهب سادتكم أقواتها وأرزاقها عن التسامح والإنسانية ومد يد العون! ألا هلا طالبت الغرب بكف يده عن هؤلاء الفقراء المعدمين وليترك لهم ما تبقى من ثروتهم فقط فهم لا يريدون عونه، فقط ليتركهم وشأنهم وسينصلح حالهم، ليترك أهل الشام مثلا ولا يجبرهم على قبول عميل أمريكا بشار، على سبيل المثال أليس من يقتلهم بشار إخوةَ إنسانيةٍ أيضا أم أن المسلمين الثائرين لم تشملهم وثيقةُ إنسانيةِ مخابراتكم؟
وثيقة كهذه لا يكتبها إلا عدو لله ورسوله وكتابه وشرعه ولا يوقع عليها ويرضى بها إلا من قبل أن يكون حربا على الإسلام وأهله وجزءاً من الحرب العالمية على الإسلام والمسلمين، ومن أتى بشيخ الأزهر وحمله على التوقيع باسم المسلمين يعي تماما أن الأمة تحب دينها وتتعلق به، ولهذا يضربها في دينها بشيوخ علمانيين ألبسهم العمامة والجبة حتى ينخدع بهم الناس، وخطر هذه الوثيقة لا يقع على الواعين وإنما على عوام الناس البسطاء الذين تجذبهم العمامة وسمت الشيوخ.
الإسلام ليس كغيره من الأديان ولا يستوي بها ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾، وما سواه غير مقبول ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، ووضع الإسلام وغيره من الأديان في كفة واحدة بدعة خطرة، لم يجرؤ عليها حاكم مسلم ولا عالم شريعة، ولا يجرؤ عليها إلا مضبوع انسلخ من الإسلام أصلا، وإلا فكيف يستوي مع من يجب عليه دعوتهم للإيمان بالله وحده والنجاة من النار التي توعدهم الله بها ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً﴾؟ وكيف يزيل تلك الفواصل التي وضعها الله بين الإسلام وغيره من الأديان والرسالات؟! لقد بين القرآن كيف يكون خطاب أهل الكفر قاطبة في آية تغافل عنها شيخ الأزهر ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾.
أيها المسلمون عامة وأهل مصر خاصة! إن من يوقع على مثل تلك الوثيقة لا يجوز له أن يمثلكم، فقد حق فيه قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ وهذا هو واقع شيخ الأزهر الذي ارتضى لنفسه أن يكون أداة في يد الغرب وحربةً توجه نحو الإسلام والمسلمين، ولقد كان حرياً به أن يطالب هو وحكماء مجلسه المزعوم بتطبيق الإسلام في دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي يعرفون، وكان لزاما عليه وعليهم توجيه خطاب لجيوش الأمة أن تُسلم قيادتها وأن تعطي ولاءها لمن يعمل لتطبيق الإسلام وإقامة الخلافة وتنصيب خليفة تكون رئاسته عامة لكل الأمة تبايعه وتنيبه عنها في تطبيق الإسلام، وحينها ستكون الوثيقة الوحيدة التي سنقبلها من الفاتيكان هي التي سيخطها البابا بيده ليعلن فيها خضوعه لأحكام الإسلام ودولته ويرجو من الخليفة الذي يمثل المسلمين حقا قبول الجزية منهم عن يد وهم صاغرون. اللهم عجل بهذا اليوم الذي نرى فيه عز ديننا وذل عدونا.
﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾
بقلم: الأستاذ عبد الله عبد الرحمن
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع