ذكرنا في الجزء الثاني أن من أسباب الصراع على الأردن؛ هو وجود الثروة المذهلة في باطن الأردن وفي مياه البحر الميت، ولعل هذا السبب يبدو غريبا للوهلة الأولى إذ كيف يعاني الأردن من الأزمات الاقتصادية الخانقة والديون والعجز الكبير حتى قارب الدينُ الدخلَ القومي. والأردن أمام خيارين كل منهما أسوأ من الآخر وهما: إما تخفيض قيمة الدينار الأردني بما يحمل من مخاطر وآثار كبيرة جدا على الناس والأمن القومي والاقتصادي، وإما رفع الدعم عن السلع الأساسية وفرض الضرائب والمكوس وأيضا يحمل هذا الخيار آثارا كبيرة جدا، وكيف يكون الأردن غنيا وتفرض عليه الأجندات السياسية الاستعمارية؟ ولعل هذا السؤال يبدو وجيهاً، ولكن إذا علمنا السبب أو الأسباب التي تحول دون استخراج هذه الثروات والانتفاع بها، أدركنا حقيقة الأمر وزال التعجب والاستغراب.
بداية لا بد من تقرير وإثبات المقدمة الأولى في هذه المعادلة الصعبة وهي الثروة المذهلة في الأردن، وهذا لن نقف عليه مطولاً، فمجرد دخول أي إنسان لموقع وزراة الطاقة والثروة المعدنية وتقارير سلطة مصادر الطاقة والثروة المعدنية سيجد حجم المعادن والكميات والأماكن الموجودة فيها بحراً وبراً، فمثلا على موقع وزارة الطاقة والثروة المعدنية سنجد العبارة التالية "الأردن يعتبر بلداً غنياً بثرواته المعدنية نتيجة التنوع المتميز في جيولوجية الأردن والمتمثل في التنوع الصخري، حيث تغطي الأردن صخور تتراوح أعمارها من عصر ما قبل الكامبري، وحتى حقب الحياة الحديثة، ولقد أدى هذا التنوع الجيولوجي إلى اكتشاف العديد من الثروات المعدنية".
وبتاريخ 20/10/2015م في تصريحات صحفية لجريدة الرأي، قال الدكتور خالد طوقان رئيس هيئة الطاقة الذرية: "احتياطيات اليورانيوم في الأردن من الأعلى في المنطقة"، حيث وصف الدكتور خالد طوقان مخزونات اليورانيوم في المملكة بالاستراتيجية، كونها ستعزز أمن التزود بالوقود النووي لتوليد الكهرباء النووية، وتعطي الأردن الاستقلالية في مجال توليد الطاقة.
واكتشاف خامات فوسفات باحتياطي يقدر بحوالي 200 مليون طن، وأعلن نقيب الجيولوجيين الأردنيين بهجت العدوان لوكالة بترا عن اكتشاف الفوسفات في مناطق شمال شرق المملكة باحتياطي أولي يقدر بحوالي 200 مليون طن تبلغ قيمتها الإجمالية حوالي 30 مليار دولار.
أما بالنسبة للصخر الزيتي فقد ألقى وزير الطاقة والثروة المعدنية الدكتور صالح الخرابشة في كلية القيادة والأركان الملكية الأردنية محاضرة بعنوان: "الاستراتيجية الوطنية للطاقة وبدائل التزود بالطاقة في الأردن" جاء فيها: "أن الأردن يمتلك إمكانيات كبيرة وتنافسية من مصادر الطاقة المتجددة، كما يمتلك إمكانيات ضخمة من مصادر الصخر الزيتي، ويعتبر الدولة الرابعة في العالم بامتلاكه لمصادر الصخر الزيتي، ويقدر احتياطه السطحي والعميق بما يزيد عن 7 مليار طن"، والحديث الآن في الأردن ليس عن حجم ووجود الثروات المعدنية، فقد بات هذا الأمر معلوماً مقطوعاً به، وإنما الحديث عن السبب الحقيقي حول منع الاستخراج والانتفاع بهذه الموارد؟! ولماذا خاصة في ظل الأزمات التي يعاني منها الأردن؟! وهذا ينقلنا إلى النقطة الثانية وهي لماذا القرار السياسي يمنع استخراج هذه الثروات والانتفاع بها؟!
بداية من المعروف والمشهور عن الأردن أنه قاعدة إنجليزية عسكرياً وسياسياً، وهذه حقيقة لا جدال فيها منذ الاحتلال وحتى الآن، أما كون الأردن يوجد به من الكنوز والمعادن والثروات وهي من أعظم كنوز الأرض، فإنه كان غير معروف قديماً ولا يحس به إلا القليل القليل، بل الأمر على العكس من ذلك، إذ المعروف عن الأردن أنه بلد فقير وأنه لولا الإعانة الإنجليزية لما استطاع أهله أن يعيشوا فيه. وقد ركز هذا الوهم بعناية فائقة وكبيرة ولأهداف سياسية، وبُذلت المحاولات العديدة لأجل هذا الوهم، واستعملت الأساليب الخفية لإخفاء ما في الأرض من كنوز، وما يحويه من ثروة مذهله، ولولا حزب التحرير الذي كشف حقيقة هذا الأمر وأنزل نشرة آنذاك بتاريخ 23/7/1962م، كانت بعنوان: "الثروة المذهلة في الأردن هي السبب الرئيسي للصراع الأمريكي الإنجليزي عليه"، وكان هذا الإخفاء من الإنجليز ضروريا وحتميا لطبيعة الدور الوظيفي للأردن ككيان سياسي أنشئ بقرار سياسي لأهداف سياسية ودور وظيفي معين، وهذا الدور يستلزم فاقة واحتياج البلد واعتماده على غيره، إذ لو شعر بالكفاية وعدم الحاجة لاستلزم هذا استقلال القرار السياسي، ولما تمكن من القيام بالدور الوظيفي المنوط به استعمارياً، فكانت بريطانيا تدرك أهمية وخطورة إبراز الثروة المذهلة في الأردن وأثر هذا على الدور الوظيفي وتثبيت كيان يهود، ولطالب أهل الأردن بالقضاء على كيان يهود وهم قادرون على هذا، ولكن كانت الذريعة: نحن بلد فقير وغير قادرين على الحرب وإنما نعتمد على غيرنا، ومن اعتمد على غيره في لقمة عيشه فقد القرار السياسي والسيادة في بلده وفقد قرار الحرب وأصبحت هذه الذريعة أشبه بمفاهيم الأعماق من شدة ما مورس عليها من أعمال، ولما بُني عليها من سياسات ومؤامرات... هذا من جانب الإنجليز، أما الجانب الأمريكي فقد وافق على إخفاء هذه الثروات بعد أن علم بوجود الكنوز الهائلة التي يحويها الأردن، وقد بدأت أمريكا تزاحم الإنجليز على الأردن من أجل هذه الكنوز، وشاركت كذلك في إخفائها لأمرين هما:
الأول الإبقاء على الدور الوظيفي ولكن لمصلحتها وأهدافها هي وليس لمصلحة الإنجليز وتصفية القضية الفلسطينية وتثبيت كيان يهود لأن استغلالها في ظل القرار السياسي للإنجليز والتبعية له فهذا يعني استفراد الشركات الإنجليزية إما بالحصة كاملة أو بنصيب الأسد فيها وهذا لن تقبل به أمريكا، لذا التقت السياسية الإنجليزية والأمريكية حول هدف معين وهو تصفية القضية الفلسطينية وتركيز يهود في فلسطين، وتناقضت حول من يملك هذه الثروات ولمصلحة من تكون بعد تغيير القبلة السياسية والتبعية للمستعمر الجديد، ولذا كان الأردن من أشد مناطق الصراع بين أمريكا وبريطانيا.
بقلم: الأستاذ المعتصم بالله أبو دجانة
رأيك في الموضوع