تتالت التصريحات التركية عن معركة شرق الفرات وكان آخرها ما صرح به الرئيس التركي أن معركة شرق الفرات ستبدأ بعد أيام، وجاءت هذه التصريحات بعد زيارة وفدٍ أمريكي برئاسة المبعوث الخاص جيمس جيفري إلى تركيا حيث ربطت تصريحات أردوغان بتفاهمات سرية على هذه العملية التي تخفي أمريكا موافقتها عليها وتعلن الرفض لها.
ومما يدل على جدية هذه العملية الوقائع على الأرض من تحركات للجيش التركي على الحدود السورية التركية قبالة رأس العين شمال الحسكة وتل أبيض شمال الرقة وعين العرب شمال حلب وكذلك استدعاء مجموعات من الفصائل والمقاتلين من كافة المناطق المحررة والجيش الوطني للانضمام لهذه المعركة.
وفي الجانب الآخر يدل على جدية هذه العملية انسحاب القوات الأمريكية من نقطة الكازية في مدينة الشيوخ شرقِ منبج وكذلك انسحابها من مواقعها في قرية العاشق بريف مدينة تل أبيض إلى القاعدة الأمريكية في مدينة عين عيسى بريف محافظة الرقة بالتزامن مع تحليقٍ مكثفٍ لطيران الاستطلاع التركي في سماء مدينة رأس العين شمال الحسكة وكذلك انسحاب القوات الفرنسية من بعض النقاط في منبج وعين عيسى.
تأتي هذه التصريحات والتحركات التركية متزامنة مع الحشود التي حشدها النظام ومليشيات إيران وكذلك الخروقات التي مارسها النظام على ما يسمى المنطقة منزوعة السلاح بينما كان موقف الضامن التركي اللامبالاة أمام ما حصل من قصف وتهجير للمناطق المجاورة كالرفة وجرجناز وقريتي التح وأم جلال وكافة مناطق ريف المعرة الشرقي وريف إدلب الجنوبي.
كل هذا يدل أن هناك بنوداً من اتفاق سوتشي قد حان تنفيذها ومنها السماح للروس والنظام بالتقدم حتى الأوتسترادات الدولية أوتستراد حلب اللاذقية وحلب دمشق والسيطرة عليها من قبل الروس والنظام في مقابل الموافقة على عملية عسكرية للأتراك والجيش الوطني شرقي الفرات. إن طبيعة هذه العملية وتوقيتها تكشف وتفضح أهدافها خصوصا تزامن عملية إدلب مع عملية شرق الفرات، ومثل هذا حدث مرات عدة كحصار حلب وتهجير أهلها منها مقابل درع الفرات وشرق السكة وتهجير الغوطة وشمال حمص مقابل غصن الزيتون والآن إدلب مقابل شرقِ الفرات.
إن هذا التزامن يهدف إلى سحب أكبر شريحةٍ من مقاتلي الفصائل في إدلب وما حولها لمعركة شرق الفرات بهدف إضعاف جبهة إدلب تجاه النظام ودفع من يصمم الدفاع عن إدلب وما حولها إلى محرقة أمام الآلة العسكرية الروسية وقوات النظام ومليشيات إيران خصوصا أن من سيبقى للدفاع عن هذه المنطقة أكثريتهم من المجاهدين المخلصين الرافضين للحل السياسي والمشاريع الأمريكية التركية مما يحقق هدف القضاء عليهم والتخلص منهم حسب المطلوب أمريكياً ودولياً وتركياً.
إن الهدف من هذه الحلقة في سلسلة المؤامرات على الثورة في الشام هو القضاء على الحالة الجهادية التي يخشى أعداء الإسلام من أن تنقاد لقوة سياسية مخلصة وواعية قد تقودها لقلب المعادلات الدولية في الشام وإسقاط النظام وإقامة الخلافة على منهاج النبوة.
أما على الجانب الآخر (شرق الفرات) فإن المعركة ستكون مسرحية ضغط على الأكراد لتبرر لقيادتهم الانسحاب من المناطق العربية إلى مناطقهم ذات الأغلبية الكردية في الزاوية الشمالية الشرقية لسوريا، وهذا الضغط سيكون مبرراً لهم للانسحاب من المناطق العربية بعد معركة شكلية خصوصا أنهم قدموا كثيرا من القتلى في احتلال هذه المناطق من تنظيم الدولة، والقاعدة الشعبية لهم ومقاتلوهم يرفضون ترك هذه المناطق فكان لا بد من عمل عسكري يقنعهم بهذا الانسحاب على غرار ما حصل في عفرين.
هذه هي القراءة الدقيقة للتصريحات والتحركات التي تتكشف تباعاً حول إدلب وشرق الفرات.
أما ما يصرح به البعض من أن اتفاق سوتشي سيصمد إلى سنة أخرى وأن إدلب هي منطقة آمنة فهذا كلام للتخدير والتخذيل والتبرير لمن أراد أن يترك الدفاع عن إدلب وما حولها ويذهب إلى شرق الفرات.
إن المتوقع أن يكون هناك هجوم على إدلب من عدة محاور لقضم بعض المناطق قد يصل إلى الأوتسترادات الدولية تزامناً مع بدء معركة شرق الفرات والتي أطلق عليها الرئيس التركي معركة (لا غالب إلا الله) لإغراء بعض الجماعات الجهادية الانخراط فيها انخداعا بهذه التسمية مما يزيد في إضعاف جبهة إدلب، لذلك نحذر من الوقوع بهذا الفخ السياسي لاتفاق سوتشي الخياني والوثوق بالضامن التركي الذي يتهم المجاهدين بأنهم هم من لم ينفذ اتفاق سوتشي وأنهم هم من يخرق هذا الاتفاق ويعتدي على النظام، مما يبرر له سحب نقاط المراقبة بهذه الحجة ويترك المنطقة لقمة سائغة للروس والنظام ومليشيات إيران بعد أن وضع الناس ثقتهم به.
لذلك لا بد من التجييش الإعلامي للدفاع عن المنطقة والتحريض الجهادي لحشد القوة والعمل على تحويل الدفاع عن المنطقة إلى هجوم لا يتوقف عند حد من حدود الاتفاقيات والمؤامرات الدولية بل يستمر إلى أن يحرر المناطق ويعمل على إسقاط النظام خصوصا أن في إدلب من المجاهدين العدد الكبير من أهل دمشق والغوطة وحمص وحماة ودرعا فضلا عن أهل المنطقة وأهل سوريا من كل المحافظات.
أما معركة شرق الفرات فهي متفق على تفاصيلها التي لا بد أن يذهب فيها بعض القتلى لإتمام هذه المسرحية التي تستطيع أمريكا أن تأمر الأكراد أن يتراجعوا إلى مناطقهم وأن يسلموا المناطق العربية إلى أهلها دون افتعال هذه المعركة التي تريدها أمريكا مبرراً قوياً لسحب المقاتلين من إدلب للاستفراد بها وإشغال المقاتلين والإعلام والرأي العام عنها وما سيحصل لأهلها كما حصل لأهل حلب وشرق السكة وأهل الغوطة وغيرها من المناطق في مسرحيات درع الفرات وغصن الزيتون والآن شرق الفرات، كما ستتخذ أمريكا معركة شرق الفرات ضاغطاً على الأكراد لتشكيل قوة جديدة من العشائر تكون مرتبطة بأمريكا بشكل مباشر خصوصا أن القبائل والعشائر العربية رفضت في البداية التعامل مع أمريكا فجعلت أمريكا من تعامل الأكراد معها وتسليطهم على المنطقة العربية درسا لإرغامهم على استساغة التعامل معها والانقياد المباشر لأمريكا. هذه هي لعبة الاقتتالات وتقسيم المنطقة وخلق النزاعات بين مكوناتها على أساس طائفي أو عرقي أو مذهبي، وها هي أمريكا منذ مدة بدأت تدس الفتن بين العرب والأكراد، وقتل الشيخ بشير فيصل الهويدي نموذج على ذلك، فهل يعي أهل الشام هذه المؤامرات والمكائد فيعملوا على إفشالها بدل الوقوع في فخاخها والانقياد لصانعيها ويتخذوا الإسلام مشروعاً لهم ويقيموا الخلافة على منهاج النبوة دولة عز لهم والله وحده ناصرهم؟ هو المستعان وعليه التكلان.
بقلم: الأستاذ محمد سعيد العبود
رأيك في الموضوع