كشف تقرير لموقع سودان تريبيون، الجمعة 24 كانون الثاني/يناير 2014م عن ارتفاع وفيات التلوث البيئي بالسودان. فقد أكدت وزارة الصحة السودانية ارتفاع معدلات الوفيات الناتجة عن تردي أوضاع صحة البيئة وتلوث الهواء، وأقرت بأن السودان أصبح في مقدمة الدول التي تعاني من التردي البيئي وتلوث الهواء، وأن هنالك إشكالات كبيرة في مياه الشرب. وأيضاً أكدت مديرة إدارة صحة البيئة بمحلية الخرطوم حنان محمد سعيد أن الصرف الصحي يعتبر المشكلة الأساسية بالنسبة لصحة البيئة، لوجود تلك المياه في مستودعات بها كباري تتراكم عليها الأوساخ، ويصعب علاجها بواسطة رش البنزين والجازولين، مما يؤدي لتساؤل الناس عن طفوحات الصرف الصحي، مُقرّةً بوجود إشكالية بمناطق السوق المركزي، والمنطقة الصناعية بالخرطوم والسوق العربي، والخرطوم غرب، مضيفة أنه تم ضبط 12 طناً من المواد الغذائية منتهية الصلاحية، فيما بلغت إحصائيات الملاريا في آذار/مارس الماضي 1144 حالة، وبلغت نسبة الشكاوى المقدمة في جانب المياه بمعدل 30 عينة شهرياً. ومع كل ذلك لنا وقفة مع كسلا الحبيبة، التي أصيبت هذه الأيام بمرض خطير يسمى بحمي (الشيكونغونيا)، وهو مرض يسببه فيروس (الشيكونغونيا) الذي يتعرض المصاب به إلى حمى أولية مفاجئة، من يومين إلى 7 أيام، ويتعرض لآلام في المفاصل تدوم لأسابيع، أو شهور، أو حتى سنوات، وبه معدلات وفاة، وخاصة لكبار السن.
في بداية الأمر، تكتمت السلطات كعادتها على هذا المرض، إلى أن توسعت دائرة المصابين، ولكن تداول الناشطين لهذه الحالات عبر وسائل التواصل الإلكتروني، ووسائل الإعلام، أجبر الحكومة على الاعتراف بالمرض، وقد ذُكرت أرقام مأساوية لانتشار المرض، أوردت صحيفة الأخبار يوم السبت 22 أيلول/سبتمبر 2018م، أن مواطنين يدحضون مزاعم حكومية حول حمى الشيكونغونيا أكثر من 4 آلاف حالة، وذكرت مصادر أخرى غير رسمية أن هناك 11 ألف حالة مرض بكسلا، وأعداد المصابين في تزايد مستمر، وأوردت كذلك صحيفة الجريدة يوم الأحد 23 أيلول/سبتمبر 2018م العنوان الرئيسي: (تزايد الإصابات بحمي الشيكونغونيا) وقد جاء في الخبر: (أقرت حكومة ولاية كسلا بارتفاع حالات الوفيات بسبب حمى الشيكونغونيا بالولاية لأكثر من 10 حالات بعد وفاة امرأة حبلى، وأعلنت أن حالة المصابين بالحمى بلغت 9300 مصاب.
إن إهمال الحكومة المتعمد، وتجاهلها لمعاناة الناس وإصرارها على نفي الواقع المؤلم، الذي نقلته الوسائط بما فيها القنوات الفضائية، ليؤكد ما هو مؤكد، أن مثل هذه الحكومات القائمة في بلاد المسلمين، لا ترعى شئون الناس.
وإذا أردنا أن نقارن هذا الفساد الصحي في ظل الأنظمة الرأسمالية، رغم التقدم المدني، وتطور العلوم الصحية، مع الرعاية الصحية الإسلامية في القرون السابقة للثوره الصناعية، نجد أن الإسلام بعقيدته العقلية الموافقة لفطرة الإنسان، وشريعته التي جُعلت لتنظيم إشباع جميع غرائز الإنسان، وحاجاته العضوية، دون إغفال أي ناحية منها أو إطلاق بعضها على حساب البعض الآخر، نجد أن الإسلام بهذه العقيدة والشريعة، قد حقق السعادة والصحة النفسية في نفوس معتنقيه.
وعلى صعيد الرعاية الصحية الجسدية، فقد طبق الخلفاء الأحكام المتعلقة بها على نحو نفتقده اليوم، فقد شهد الغرب البيمارستنات (المشافي) التي بنيت قبل ستة قرون من حملته على مصر، وكان يدخله كل المرضى، الفقراء والأغنياء على حد سواء، بدون تمييز، وكان يُجلب له الأطباء من مختلف جهات الشرق، ويجزل لهم العطاء، وكانت له خزانة شراب، وصيدلية مجهزة بالأدوية والأدوات، ويقال إن كل مريض كانت نفقته ديناراً، وكان له شخصان يقومان بخدمته، وكان كل مريض يُعطى حين خروجه من المستشفى خمس قطع من الذهب، حتى لا يضطر إلى الالتجاء إلى العمل الشاق في الحال.
واليوم بعد انهيار المبدأ الرأسمالي اقتصاديا، ومن قبل فكرياً وأخلاقياً، نستشرف عهد الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة القادمة قريبا بإذن الله، بخير عميم للبشرية جمعاء.
ونبين فيما يلي بعضاً من أهداف الرعاية الصحية الأساسية في الدولة الإسلامية:
أولاً: حفظ الصحة النفسية: إن صحة النفس، وصحة الجسد، أمران متلازمان؛ بل إن أمراض النفوس تضعف البدن، أو تهلكه، وإن كان صحيح البنية، ومفتاح سلامة الصحة النفسية، هو المفاهيم الصحيحة المنبثقة عن العقيدة الإسلامية.
ثانياً: حفظ الصحة الجسدية للرعية: إن صحة الجسد من أعظم النِعم، والحفاظ عليها ورعايتها، من الحاجات الأساسية للجماعة، التي يجب على الإمام توفيرها لرعيته، قال رسول الله e: «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». متفق عليه، والتفريط في رعاية الصحة الجسدية يؤدي إلى إلحاق الضرر بالرعية فيأثم ولي الأمر بذلك.
ثالثاً: شمولية الرعاية الصحية لكل الرعية: جاءت الأدلة الشرعية التي اعتبرت الحفاظ على الصحة حاجة أساسية، أدلة عامة، تشمل كل الرعية، سواء أكانوا مسلمين، أم أهل ذمة. فالإمام مسئول عن كل رعيته؛ قويهم، وضعيفهم، غنيهم وفقيرهم، مؤمنهم وكافرهم، والرعاية الصحية الواجب على الدولة توفيرها مباشرة؛ تشمل كل خدمة صحية يمكن أن يؤدي عدم توفرها إلى ضرر، وتستثنى من ذلك الخدمات الصحية الكمالية، التي لا يؤدي فقدانها إلى ضرر، على أن تسعى الدولة قدر المستطاع، وحسب توفر الموارد إلى تمكين الرعية من الحصول عليها.
رابعاً: مجانية الرعاية الصحية: إن الواجب على الدولة توفير الرعاية الصحية مجانا للأفراد بغض النظر عن كونهم أغنياء يملكون نفقة التطبيب، أو فقراء لا يملكونها، لأن الحفاظ على الصحة حاجة أساسية لكل الناس غنيهم وفقيرهم.
خامساً: التميز والتقدم في علوم الصحة: الرعاية الصحية حاجه ضرورية يعتبر توفرها مصلحة من مصالح الأمة الحيوية، ويهدد فقدانها حياة الأمة، فلذلك لا بد أن تكون الخلافة في طليعة الدول من حيث الرعاية الصحية، ولا بد من إيجاد حشد من الأطباء، والعلماء، والمختصين المؤهلين علمياً، وفعلياً لابتكار الأساليب والوسائل اللازمة للرعاية الصحية، ولا بد من توفير أقصى إمكانيات البحث والابتكار العلمي لهم. والهدف هو أن تمتلك الخلافة زمام الأمور في مجال الرعاية الصحية، وتحقق الاكتفاء الذاتي حتى لا تقع تحت تأثير الدول الكافرة، رجاء مصلحة من المصالح الصحية.
إن الدولة الوحيدة التي ترعى شئون الناس بحق، وتهتم بصحتهم وتعليمهم ومعاشهم هي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي ستقوم بإغلاق الولاية المصابة، وتوفد إليها الخبراء، والأطباء، لتصحيح البيئة، واجتثاث المرض وعلاج المرضى؛ لأن دولة الخلافة تلتزم بأحكام الإسلام، التي توجب على الحكام رعاية شئون رعاياهم، وتحرم على الحكام التقصير والتضليل، وإخفاء الحقائق، كما تحرم عليهم غش الرعية وخداعها، فقد عدَّ الإسلام ذلك جرماً يستوجب العقاب الشديد، «مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ». (رواه البخاري).
نسأل الله أن يقر أعيننا بخلافةٍ راشدةٍ على منهاج النبوة قريباً بإذن الله، حتى تنعم البشرية بالصحة، ونسأله أن يجعلنا من العاملين المخلصين لها.
بقلم: الأستاذ عبد العال الدسيس - الخرطوم
رأيك في الموضوع