بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال: عقد الرئيسان الأمريكي والروسي القمة بينهما في هلسنكي عاصمة فنلندا يوم الاثنين 16/7/2018 فهل يعني ذلك انتهاء التوتر بين الدولتين؟ وهل من دلالات لعقد هذه القمة بعد قمة دول الناتو 12/7/2018 والتوتر الذي طفا على السطح بين أمريكا وحليفاتها الأوروبيات؟ وهل لها تأثير على العلاقة الروسية الصينية؟ ثم هل من أثر لهذه القمة على التسوية في سوريا؟
الجواب: للإجابة على هذه الأسئلة حول القمة الأمريكية الروسية في هلسنكي نقول: بعد فترة طويلة نسبياً من التوتر في العلاقات الأمريكية الروسية بدأت سنة 2014 حين ضمت روسيا جزيرة القرم فردت أمريكا وأوروبا بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، واشتد التوتر بين البلدين مع نهاية إدارة أوباما التي اتهمت روسيا بالتدخل في الانتخابات الأمريكية لصالح المرشح ترامب، ومنذ ذلك الحين توقفت عملياً الاجتماعات عالية المستوى بين الجانبين... وعلى الرغم من اجتماع الرئيسين مرتين قبل هذه القمة، إذ التقيا على هامش قمة العشرين في هامبورغ بألمانيا في تموز 2017، والتقيا على هامش منتدى التعاون الاقتصادي (أبيك) في فيتنام في تشرين الثاني 2017، إلا أن تلك اللقاءات لم ترتق إلى مستوى القمة، فكانت لقاءات عابرة لم تخض بما يكفي في الملفات الساخنة بينهما. وخلال فترة العام والنصف التي هي عمر إدارة ترامب سعت روسيا بشكل حثيث لعقد قمة بين الرئيسين إلا أن أمريكا كانت تؤجل ذلك، وكانت تتخذ من التأجيل وسيلة للضغط على روسيا. وظلت روسيا تنتظر مبادرة من ترامب لتحسين العلاقات بينهما، إلا أنها كانت تدرك صعوبات تحقيق ذلك نظراً لما يجتاح أمريكا من موجة معارضة كبيرة لتوجهات الرئيس ترامب، وقد ظهرت آثار ذلك في التحقيقات المفتوحة ضد روسيا، واستقالات أعضاء في فريق ترامب بسبب العلاقة المزعومة مع روسيا.
وهكذا فقد أصبح عقد لقاء مكتمل على مستوى القمة حلماً روسياً كبيراً فشلت روسيا في تحقيقه. وأصبح ذلك ممكناً فقط بعد أن قررت أمريكا ذلك (وأعلن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، هاريت ماركويس، الخميس الماضي "21/06/2018م"، أن مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي بولتون، سيزور موسكو في نهاية الشهر الجاري وسيبحث التنظيم لعقد قمة روسية أمريكية.) وكالة سبوتنيك الروسية 24/6/2018. وعليه فإن أهم ما يجب النظر إليه في هذه القمة التي عقدت في 16/7/2018 هو لماذا قررت أمريكا (وليس روسيا) عقد القمة بين الرئيسين، وما الذي تريده من خلال ذلك؟ ولتوضيح هذا الأمر نقول:
1- كل المؤشرات تشير إلى استمرار الضغط الأمريكي على روسيا، فقبل يومين من عقد القمة اتهمت أمريكا ضباط استخبارات روسيين بالضلوع في قرصنة الانتخابات الأمريكية (اتهمت وزارة العدل الأمريكية 12 ضابطا في الاستخبارات الروسية باختراق حسابات مسؤولين في الحزب الديمقراطي إبّان انتخابات 2016 الرئاسية. وقال رود روزنشتاين، نائب وزير العدل، إن المتهمين استخدموا رسائل اختراق تعرف باسم "التصيد بالرمح" إلى جانب برمجيات خبيثة... وقال البيت الأبيض إن اللقاء المرتقب بين ترامب وبوتين الاثنين سيمضي قدما.) صحيفة الغد المصرية 14/7/2018. وكذلك وفور الانتهاء من قمة ترامب-بوتين في هلسنكي فقد نقلت قناة الجزيرة 16/7/2018 إعلان أمريكا اعتقال امرأة روسية في واشنطن بتهمة التخابر مع روسيا. وبهذه الأعمال التي نفذتها أجهزة حكومية أمريكية فإن تخفيف الضغط عن روسيا غير متوقع تحقيقه كما تريد روسيا رغم انعقاد القمة بين الرئيسين. وهذا يعني أن هناك عوامل أخرى دفعت بأمريكا للموافقة على طلب روسيا القديم الجديد بعقد القمة بين الرئيسين ترامب وبوتين وهذه العوامل توضحها ظروف انعقاد القمة...
2- انعقدت القمة الأمريكية الروسية في ظرف تخوض فيه أمريكا حرباً تجارية ضد خصمين كبيرين، هما الاتحاد الأوروبي والصين، والظاهر أن أمريكا قررت عقد القمة لتلعب بالورقة الروسية ضد الخصمين معاً!
أما على جانب الاتحاد الأوروبي، فقد اختارت أمريكا توقيت اجتماع القمة مع روسيا مباشرة بعد قمة دول الناتو التي انعقدت في بروكسل وسط خلافات كبيرة بين دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا (انطلقت في بروكسل اليوم قمة الناتو وسط توقعات بأن تكون مشحونة بالتوتر، وخاصة بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين على خلفية الخلافات حول التجارة والنفقات الدفاعية واتفاق إيران النووي. وأقر الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ بوجود "خلافات وآراء مختلفة بين الحلفاء") روسيا اليوم 11/7/2018، ووصف الرئيس الأمريكي ترامب الاتحاد الأوروبي بـ"الخصم" علناً للمرة الأولى في تاريخ العلاقات بين ضفتي الأطلسي. وكانت القمة مع روسيا من أهم أدوات الضغط الأمريكية ضد الأوروبيين، وبيان ذلك كالتالي:
أ- هدد الرئيس الأمريكي ترامب الأوروبيين بمهادنة روسيا بخصوص أوكرانيا، فقد قال رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك (إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أبلغه بأن دوافع سياسة روسيا تجاه أوكرانيا تثير اهتمامه، واعترف ترامب، أن حماسه تجاه أوكرانيا، أقل بكثير. وأضاف توسك، في حديث لقناة TVN24 البولندية: "خلال أحاديث عدة معي، لم يحاول دونالد ترامب إخفاء أنه يشعر بقدر أقل من الحماس تجاه أوكرانيا، ولديه المزيد من التفهم نحو ما فعلته روسيا في أوكرانيا".) روسيا اليوم 15/7/2018... وزاد الطين بلة أن الرئيس الأمريكي كان قد أعلن خلال قمة "مجموعة الدول السبع الكبار" في حزيران/يونيو الماضي، أعلن "أن شبه جزيرة القرم تعود لروسيا لأن غالبية سكانها من الناطقين بالروسية" روسيا اليوم 15/7/2018. وهذا أمر حساس للغاية في أوروبا، إذ ينظر الأوروبيون إلى أعمال روسيا في أوكرانيا باعتبارها عبثاً بالأمن الأوروبي برمته لا يمكن التسامح معه، وأن تصريح ترامب يعتبره الاتحاد أمراً بالغ الخطورة لأوروبا فهو يعني أن تهدم روسيا الحدود والخريطة الأوروبية من جهة الشرق!!
ب- تهديد الرئيس الأمريكي ترامب لأوروبا بإعادة روسيا إلى مجموعة السبع الكبار (دعا الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الجمعة 08/06/2018م، نظراءه في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى إلى التفكير في إعادة روسيا إلى المجموع، وقال ترامب قبل أن يتوجه إلى كندا للمشاركة في قمة المجموعة لامالبيه في مقاطعة كيبيك "طردوا روسيا وعليهم إعادة روسيا لأنه يجب أن تكون روسيا معنا على طاولة المفاوضات" وكانت روسيا استبعدت من مجموعة الثماني بعد ضمها شبه جزيرة القرم وأصبحت المجموعة تضم سبع دول فقط.) العربية نت 8/6/2018.
ج- وقد نقلت قناة الجزيرة 15/7/2018 أي بعد انتهاء قمة الناتو (توجس القادة الأوروبيين من تقارب روسيا وأمريكا)، وما يشير إلى هذا التوجس الأوروبي الكبير تجاه التقارب الأمريكي مع روسيا ما قاله وزير الخارجية الألماني (حذر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الإقدام على أي صفقات منفردة على حساب حلفائه الأوروبيين أثناء لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقال ماس في حديثه لصحيفة "Bild": "ستلحق الصفقات المنفردة على حساب حلفائه ضررا بالولايات المتحدة أيضا. ومن يضرب حلفاءه يخاطر بخسارة اللعبة") روسيا اليوم 15/7/2018. ثم إن التقارب الأمريكي الروسي يمكن أن يلحق ضرراً بالاتحاد حيث يجعل العقوبات الأوروبية المفروضة على روسيا والتي تجدد كل ستة أشهر بسبب القرم وأوكرانيا، يجعلها غير فاعلة، فلا تأبه حينها روسيا بالدول الأوروبية.
د- والرئيس الأمريكي ترامب الذي يفتقد إلى الحكمة السياسية لا ينفك عن مهاجمة الاتحاد الأوروبي علناً، وخاصة ألمانيا في مسألة شراء الغاز الروسي كما ذكرنا في جواب السؤال المؤرخ في 17/07/2018م... فتارة يصفه بالـ"خصم" أي العدو، وتارة يحرض ضده كما في نصيحته لرئيسة الوزراء البريطانية أثناء اجتماع القمة بينهما في لندن (وفي مقابلة مع بي بي سي، قالت ماي ردا على سؤال بشأن نصيحة ترامب "أبلغني بأنه يجب علي أن أقاضي الاتحاد الأوروبي، وليس الدخول في مفاوضات") بي بي سي 15/7/2018. وبريطانيا، وعلى الرغم من نواياها المعلنة بالخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا أنها تشارك الدول الأوروبية النظرة نفسها لروسيا، وليس من المستبعد أن يكون استفزاز روسيا من جانب بريطانيا هو للتشويش على اجتماع القمة بين روسيا وأمريكا (أفاد موقع Mil Radar، المختص بمراقبة حركة الطيران، بأن طائرة استطلاع تابعة لسلاح الجو البريطاني، نفذت تحليقات استطلاعية بالقرب من سواحل شبه جزيرة القرم الروسية.) روسيا اليوم 15/7/2018.
وهكذا، وبضغط أمريكا على أوروبا وتهديدها بإعادة روسيا إلى مجموعة السبع الكبار والتلميح بالاعتراف الأمريكي بجزيرة القرم كجزء من روسيا، وعدم الاكتراث الأمريكي بدعم أوكرانيا أمام هجوم أتباع روسيا في شرقها (مقاطعات دونيتسك ولوغانسك)، وتحسين العلاقات الأمريكية مع روسيا عبر لقاء القمة، كلها تهديدات كبيرة وإن كانت غير مباشرة لأوروبا بضرورة الانصياع للمطالب الأمريكية وزيادة النفقات الدفاعية في الناتو... أي أن أمريكا ضغطت على دول الاتحاد الأوروبي عبر تقاربها مع روسيا، وهذا هو أحد الأهداف الأمريكية الرئيسية لعقد القمة بين ترامب وبوتين.
3- وأما على الجانب الصيني فالأمر يسير على النحو التالي:
أ- انعقدت القمة الأمريكية الروسية كذلك على وقع حرب تجارية تشنها أمريكا ضد بكين. فما إن استنفدت أمريكا الخدمات الصينية بتليين موقف كوريا الشمالية ووضعها على سكة الحلول السلمية وإبعاد شبح الحرب في شبه الجزيرة الكورية، وقد تمثل ذلك بالقمة الأمريكية الكورية الشمالية في سنغافورة 12/6/2018، وتلقت الصين شكراً من الرئيس الأمريكي على جهودها في ذلك، وما إن تمت هذه الأمور حتى أخذت أمريكا بتنفيذ سياساتها التي أعلنها ترامب ضد الصين حتى قبل أن يصبح رئيساً... ففرضت أمريكا رسوماً جمركية على واردات صينية بقيمة 50 مليار دولار في السنة، فردت الصين بفرض رسوم جمركية بالقيمة نفسها على واردات أمريكية، وأعلنت أمريكا عن خطة جديدة بفرض رسوم جمركية على واردات صينية أخرى بقيمة 200 مليار دولار، الأمر الذي لا يمكن للصين أن ترد عليه بالأسلوب نفسه، وذلك لأن إجمالي وارداتها من أمريكا 130 مليار دولار، بينما تبلغ صادراتها لأمريكا 500 مليار دولار، ما يحمل الصين على التفكير في وسائل أخرى للرد على الحرب التجارية مع أمريكا.
ب- لقد كانت إحدى تلك الوسائل الصينية هي التقارب مع روسيا، فكان أن عقدت منظمة شنغهاي اجتماعها الأخير في الصين 10/6/2018 بالتزامن مع اجتماع الدول الصناعية السبع (الذي طردت منه روسيا سنة 2014) المنعقد في كندا 9/6/2018. وهذان الاجتماعان أظهرا انقساما في العالم، فالغرب يجتمع في كندا والشرق يجتمع في الصين، وهذا لا يروق لأمريكا بعد أن رسخت هيمنتها العالمية عقب انهيار الاتحاد السوفييتي سنة 1991. ورأت أمريكا بلا شك أن الدولتين الفاعلتين في منظمة شنغهاي هما الصين التي تخوض واشنطن معها حرباً تجارية، وروسيا التي تفرض أمريكا عليها عقوبات قاسية ومتزايدة. ومن ناحية أخرى رأت أمريكا أن روسيا والصين يمكن أن يزداد ترابطهما في ظل السياسة الأمريكية ضدهما، واعتبارهما خصمين متمردين في التجارة والسياسة الدوليتين، وفي ظل تلك السياسة الأمريكية تجاه الصين وروسيا فقد شاهدت أمريكا أن سياستها تلك تدفع الدولتين لمزيد من التقارب والتعاون بما في ذلك الجانب العسكري. فالدولتان روسيا والصين تشعران أنهما في مواجهة خصم واحد هو الولايات المتحدة، وأن تعاونهما يعزز من قوتهما، وقد كانت رسالة وزير الدفاع الصيني بالغة التعبير عن هذا الشعور، فقد (استقبل وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو نظيره الصيني وي فنغ خه الذي وصل إلى موسكو على رأس وفد عسكري للمشاركة في مؤتمر موسكو للأمن الدولي. وقال وي فنغ خه خلال اللقاء مع شويغو إنه يقوم بهذه الزيارة "لدعم الجانب الروسي في تنظيم مؤتمر موسكو للأمن الدولي. وقد وصل الوفد الصيني لكي يعرف الأمريكيون عن الروابط القوية بين القوات المسلحة الصينية والروسية، وخاصة في الوضع الحالي". وأكد الوزير الصيني: "وصلنا لدعمكم. وإن الجانب الصيني مستعد ليعبر سوية مع الجانب الروسي عن قلقنا المشترك وموقفنا الموحد بشأن القضايا الدولية المهمة") روسيا اليوم 3/4/2018.
ج- ولذلك رأت أمريكا أن فتح الأمل لروسيا بتقارب أمريكي معها سيؤدي إلى تباعد بين روسيا والصين، وفي النهاية تفكيك تحالفهما الهش قبل أن تكتمل أركانه، خاصة العسكرية. إذ إن أمريكا تعلم ما لدى روسيا من طاقات عسكرية، ووضع هذه الطاقات أو جزء منها بجانب الصين سيؤدي إلى تقويتها وحملها على رفض السياسة الأمريكية، أي عدم الخضوع لمطالب واشنطن. لقد رأت واشنطن أن هذا الأمر سهل التحقيق، فروسيا تتوجه للصين كاستراتيجية جديدة لها بسبب سوء علاقاتها مع الغرب، فإذا أظهرت أمريكا شيئاً من التقارب مع روسيا فتخفف الضغط عليها فإنها ستعدل عن مسيرتها تجاه الصين...
لكل ذلك رأت واشنطن أن تفتح لروسيا باباً للأمل بإعادة علاقاتها مع أمريكا إلى سابق عهدها عن طريق القمة بين الرئيسين، أي لإيقاف التوجه الروسي نحو الصين، وإذا كان من المبكر الحكم على تحقيق هذه الأهداف الأمريكية من القمة مع روسيا، وأن ذلك يعتمد على الخطوات اللاحقة للتقارب بين واشنطن وموسكو، إلا أن أمريكا يمكنها وبسهولة تفكيك "التحالف" الهش والغامض حتى الآن بين روسيا والصين. وأمريكا تتخذ في سبيل ذلك خطوات متعددة، تارةً على الجانب الروسي كما في عقد القمة هذه، وتارةً على الجانب الصيني، إذ إن المصالح التجارية للصين مع أمريكا أعظم أولوية في بكين من أي علاقات للصين مع روسيا.
4- وزيادة في التأثير فيما يهدف إليه ترامب من رسائل ساخنة للاتحاد الأوروبي والصين، فقد جعل القمة اجتماعاً مفتوحاً لتحريكه كلما لزم أي هو بداية لخطوات لاحقة! ولذلك أعلن عقب لقائه المغلق مع بوتين في هلسنكي بأن هذه القمة "بداية جيدة" حسب قناة روسيا اليوم 16/7/2018، وأعلن في المؤتمر الصحفي الذي بثته قناة روسيا اليوم مباشرةً عن اتفاق البلدين على فتح المفاوضات بخصوص تمديد العمل باتفاقية نزع السلاح النووي المعقودة بينهما عام 2010 والتي ينتهي العمل بها سنة 2021، وأعلن الرئيس الأمريكي ترامب بأن العلاقات مع روسيا كانت في وضع هو الأسوأ بينهما قبل أربع ساعات، وأما الآن فقد تغيّرت... وهذا كله كلام عام يتوافق تماماً مع ما كان أعلنه جون بولتون (وقال جون بولتون مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض لبرنامج "هذا الأسبوع" على شبكة أيه بي سي (طلبنا والروس وافقوا على أن "الاجتماع" سيكون مفتوحا. نحن لا نتطلع لنتائج ملموسة) وقال السفير الأمريكي لدى روسيا جون هانتسمان لشبكة إن بي سي (ليست قمة... إنه اجتماع... هذه محاولة لنرى ما إذا كان بالإمكان نزع الفتيل وتقليل الانفعالات وبصراحة بعض المخاطر في العلاقات الآن.) رويترز 16/7/2018.
5- وهذا يؤكد أن أمريكا لم تخطط بعد لتحسين علاقاتها مع روسيا، وأنها لا تزال تسير بسياسة الضغط عليها، ولكنها لأسباب متعلقة بالظرف الدولي والحرب التجارية الأمريكية مع الاتحاد الأوروبي والصين رأت أن تخيف أوروبا بتقاربها مع روسيا، ورأت أن تفتح باباً للأمل في روسيا بتفكيك عزلتها الدولية وتحسين علاقاتها مع أمريكا، كل ذلك من أجل إبعادها عن التقارب مع الصين من ناحية، ومن ناحية أخرى عسى أن تستجيب روسيا للمطالب الأمريكية في قضايا دولية أخرى كما صنعت في دعم السياسة الأمريكية في سوريا بإبقاء النظام العميل لأمريكا في سوريا قائماً! وعليه فلم تكن القمة لحسم قضايا دولية محددة بل هي رسالة ساخنة موجهة نحو الصين ونحو الاتحاد الأوروبي، وما عدا ذلك فقد كان الكلام عاماً والحديث في كل شيء دون تحديد، وهو ما أكدته تصريحات الطرفين، (وقال ترامب إن محادثاته مع بوتين ستتناول" كل شيء بدءا من التجارة ومرورا بالشؤون العسكرية والصواريخ "وانتهاء" بالصين. سنتحدث قليلا عن الصين وصديقنا المشترك الرئيس شي") بينما (قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في بداية قمتهما في هلسنكي إن الوقت قد حان للتحدث عن العلاقات بين موسكو وواشنطن. وأضاف أن عليهما أيضا مناقشة قضايا دولية معقدة متعددة الأطراف.) رويترز 16/7/2018. وكذلك ما أكده لافروف (ويشير وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن قمة هلسنكي ستتناول "جميع المواضيع المعقّدة حيث تتباين مواقفنا، كي نستطيع العمل على تقريب وجهات نظرنا حول سبل حل هذه المشكلات"، مستبعدا الوصول إلى اتفاقات.) الجزيرة نت 16/7/2018. وهذا العموم يجعل المقصود من القمة ليس حسم قضايا دولية محددة، وهذا واضح من مخرجات القمة التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام، فمثلاً توافق الطرفان على أمن كيان يهود (وقال ترامب "توفير الأمن لـ(إسرائيل) شيء يود بوتين وأنا أن نراه بشكل كبير جدا".) رويترز 16/7/2018 وأن الطرفين يطالبان الجانب السوري بالعودة إلى وضع القوات المتفق عليه سنة 1974 بعد إنهاء المعارك جنوبي سوريا... وكل هذا ليس جديداً، فأمريكا وروسيا يعلنان ذلك على رؤوس الأشهاد منذ زمن، فهذا ليس شيئاً يجتمع لأجله رؤساء أمريكا وروسيا. وكذلك نزع الأسلحة النووية بينهما (اعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن مشكلة نزع السلاح النووي هي المشكلة الأساسية التي ينبغي حلها بين الجانبين الروسي والأمريكي. وقال ترامب في مقابلة مع "فوكس نيوز" إن 90% من السلاح النووي في العالم يعود لروسيا والولايات المتحدة، مشيرا إلى أن سلفه الرئيس باراك أوباما كان يعتبر أن الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة هي المشكلة الأهم والتي يجب التركيز عليها.) روسيا اليوم 17/7/2018... وكل صاحب بصر وبصيرة يعلم أن أمريكا وروسيا لا يجتمعان لينزعا سلاحهما النووي باختيارهما مهما قالا وقالا ومن ثم لا يكون اجتماعهما لهذا الغرض...
6- أما عن أثر القمة على الساحة السورية، فيمكن القول بأنه لا جديد في هذه القمة بخصوص السياستين الأمريكية والروسية في سوريا. فالدولتان متفقتان تماماً على تصفية الثورة السورية، وهما ترقبان إنجاز ذلك ومتفقتان عليه، بل إنه منذ اجتماع أوباما وبوتين في 29/9/2015 وروسيا تنفذ السياسة الأمريكية في سوريا وبالتنسيق معاً، ففي الوقت الذي تقوم فيه روسيا بالأعمال العسكرية المباشرة كما في قصف درعا وما حولها، فإن أمريكا تقوم بمؤازرتها، كما في الرسالة التي أرسلت بها إلى المعارضة السورية في الجنوب، بأن "أمريكا لن توفر لهم أي دعم أمام الهجوم على درعا". فلا جديد بخصوص الجهود الروسية لتصفية الثورة السورية عسكرياً والتسهيل الأمريكي لذلك.
وأما التسوية السياسية في سوريا، فإن أمريكا قد باتت تؤجلها حتى ينجز النظام في دمشق وروسيا عملية تصفية المعارضة المسلحة، ثم تبادر أمريكا لقيادة العملية السياسية الشاملة في سوريا وفق مصالحها، بدورٍ روسي مرسوم، أو بدونه. وتلك العملية السياسية لم تتطرق إليها القمة ما يشير إلى أن أمريكا تؤجل ذلك أو لا تريد دوراً لروسيا، أو كلاهما معاً... وليس من المستبعد أن روسيا تدرك أن أهداف السياسة الأمريكية في سوريا لا تسمح أن تشاركها روسيا في ذلك، ولكن روسيا تأمل أن لا تُضيِّق أمريكا عليها الخناق في أوكرانيا وبخاصة القرم... ولقد دغدغ ترامب مشاعر روسيا بتصريحاته حول القرم كما ذكرنا أعلاه حيث أعلن خلال قمة "مجموعة الدول السبع الكبار" (وفي حزيران/يونيو الماضي، أفادت وسائل الإعلام بأن ترامب خلال قمة مجموعة الدول السبع الكبار أعلن أن شبه جزيرة القرم تعود لروسيا لأن غالبية سكانها من الناطقين بالروسية) روسيا اليوم 15/7/2018. وهذا أمر بالغ الخطورة لأوروبا التي ترى أن روسيا تهدم الحدود والخريطة الأوروبية من جهة الشرق. ولعل روسيا تقع في شر أعمالها بتصريحات ترامب، بل وقعت، فقد اسودَّ وجهها مع المسلمين بسبب جرائمها تجاههم لمصلحة أمريكا! وستبقى هذه في ذاكرة المسلمين تجاه أمريكا وروسيا والأشياع والأتباع، فالأيام دول، والجرائم لن تُبقي على أصحابها ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ﴾.
الثامن من ذي القعدة 1439هـ
21/7/2018م
رأيك في الموضوع