تكونت المجموعة الأوروبية في أوائل خمسينات القرن الفائت من دول أوروبية كانت نواة لتشكيل الاتحاد الأوروبي وزاد عدد الدول التي انضمت له تباعا من دول أوروبا الغربية والشرقية حتى وصل عدد الدول المنضوية تحت رايته ثماني وعشرين دولة وكان الجامع وما زال لهذه الدول أنها تحمل عقيدة واحدة وديانة دولها ديانة واحدة وقيمهم وأهدافهم تقريبا واحدة، وليس من بين بلدان الاتحاد أي بلد إسلامي. وللاتحاد الأوروبي قوانين وتشريعات تسري على جميع أعضائه، وتشكلت فيه هيئات ومؤسسات وله اليد الطولى على الدول التي تتبع له. فقوانين الاتحاد وتشريعاته ملزمة لأعضائه من الدول الثماني والعشرين، وما يسمى البرلمان الأوروبي هو الذي يمارس التشريعات.. وتشريعات الاتحاد التي يقرها البرلمان الأوروبي والدستور الأوروبي هما أساس العلاقة التي تربط دول الاتحاد. وقد خطا الاتحاد خطوة في أوائل التسعينات من القرن الفائت حيث وضع له قوانين وتشريعات ناظمة لدوله وأعضائه في الاقتصاد والسياسة والأمن والدفاع والعملة في معاهدة "ماسترخت" وما زال الاتحاد الأوروبي تحت قوانين هذه المعاهدة. والراجح أن حرب الخليج الأولى هي التي أملت هذه المعاهدة وبالذات ما يتعلق منها بموضوع الأمن والدفاع والعملة حيث إن أمريكا أوشكت بعد حرب الخليج الأولى على وضع العالم تحت نفوذها، واقتربت من معاملة سكان العالم كعبيد لها، فكانت "ماسترخت" ضرورة حيوية للاتحاد وبذلك عملت الدولتان الأقوى في الاتحاد وهما فرنسا وألمانيا على جعل الاتحاد أكثر تماسكا وقوة بدستور يلزم الدول الأعضاء في الاتحاد الأخذ بقوانين دفاعية واقتصادية مشتركة ويسري القانون والتشريع على الدول جميعها بما فيها الدولتان الأقوى في الاتحاد فرنسا وألمانيا وبخاصة بعد مغادرة بريطانيا للاتحاد. فالاتحاد الأوروبي إذا استثنينا منه فرنسا وألمانيا فإن دوله لا يكاد يحسب لها حساب فهي ليست أكثر من تكتلات بشرية تملى عليها القوانين والتشريعات إملاء ولا قِبَل لها بدفعها، ومن يصدر قوانين الاتحاد في الغالب هما فرنسا وألمانيا وما على باقي الدول إلا الالتزام. وما حصل في الأزمة المالية الأخيرة التي عصفت ببعض دول الاتحاد ووضع معالجة لها على خلاف رغبتها خير دليل على ما نقول، فلا قيمة في الاتحاد لبلجيكا ولا لليونان ولا لإيطاليا وإنما من يقود أوروبا هما هاتان الدولتان فرنسا وألمانيا، وسياسة الاتحاد الداخلية والخارجية بيدهما.
تعد تركيا هي البلد الإسلامي الوحيد في أوروبا، وبالرغم من أن تركيا تتمتع بموقع جغرافي مميز فهي تفصل آسيا عن أوروبا فضلا عن وقوع جزء يسير منها في قارة أوروبا، وتمتاز تركيا بعدد سكانها الكبير الذي يضاهي أكبر دولة أوروبية من حيث عدد السكان وهي ألمانيا. وتعد تركيا كذلك من أغنى دول العالم بالمصادر المائية، وهي كذلك دولة تتميز بتنوع اقتصادها بين الصناعي والزراعي... أقول بالرغم من كل هذه الخيرات التي حباها الله بها إلا أن ساستها ما زالوا يلهثون ويلحّون بطلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وقد صرح أردوغان قبل أيام قلائل بعبارات أظهرته بمظهر الذل والتسول الذي ألفه عندما قال: (إن تركيا لا تزال تنتظر أمام باب الاتحاد منذ حوالي 50 عاما) وكان قد تحدث مخاطبا الاتحاد من رومانيا بأن تركيا قد تجاوزت كل الامتحانات والاختبارات التي وضعها لها الاتحاد ولكنها أي أوروبا ما زالت ترفض انضمام تركيا لها وصدقوني (والكلام له) بأنني لا أعرف ما السبب... وقد عرض ماكرون فرنسا علاقة شراكة مع الاتحاد ولينسى الانضمام لعضويته.
إن تركيا أردوغان لا تزال تصر على تقزيم نفسها أمام العالم والاتحاد، وسياسيوها وعلى رأسهم أردوغان لا يقدرون قيمة البلد التي يحكمونها ولا قيمة الثروات التي حبا الله بها تركيا وأنعم بها عليها، فلا يكاد أردوغان يميز بين كونه يحكم تركيا أو الصومال، وقبل كل هذا فهو لا يدرك أن أزمة تركيا ليست في جغرافيتها أو تاريخها، وإنما في حكامها فتركيا هذه التي يستجدي بها الأوروبيين ويقف بها على أعتابهم هي تركيا سليمان القانوني ومحمد الفاتح اللذين يدعي أردوغان أنهما أجداده!! وتركيا هذه هي عينها التي كانت ترتعد فرائص الأوروبيين عندما يزمجر خليفتها أو يهمس أنه يجهز الجيش، الأوروبيون الذين لا هم لهم إلا الوقوف في وجه تمدد هذه الدولة وتوسعها لم يكن يراود أحلامهم الوقوف في وجهها، ومن كان منهم يحلم بمحاربتها كان يتهم بمرض يستدعي علاجه... تركيا هذه التي يستجدي بها أردوغان أوروبا هي التي منع خليفتها مسرحية طالت من مقام النبوة، وقبل ذلك منع السلطان سليم الثالث مراقصة الرجال للنساء في فرنسا وهي لم تكن تحت سلطانه الفعلي... فتركيا هي تركيا وأرضها وماؤها وموقعها هو هو لم يتغير وإنما اختلف عليها الرجال فلو عاد قانونيُّها وفاتحُها لعادت سيرتها الأولى.
إن تركيا الحالية قد تنازل حكامها ولا يزالون عن كل شيء للانضمام للاتحاد الأوروبي، ولكن يأبى الساسة الأوروبيون (فرنسا وألمانيا) إعطاءها العضوية الكاملة للاتحاد، وإنما أقصى ما توافق عليه دول الاتحاد هو عهد من الشراكة تستخدم فيه دول الاتحاد تركيا كلما لزم وبالذات الاستخدامات العسكرية، فتقاتل إن لزم الأمر حتى آخر جندي تركي كما فعل حلف شمال الأطلسي عندما استعمل جنود تركيا لقتال إخوانهم في أفغانستان. ومع إخفاق المحادثات بين الاتحاد وبين أردوغان فإننا نستبشر خيراً فإن وجود تركيا عضوا في الاتحاد هو سلخ للبلد وأهله عن تاريخه وجغرافيته، وإذا تقادم الزمن فإن الناس قد يألفون أنهم جزء من القارة الأوروبية وثقافتها وهذا فيه من الشر ما فيه. أما وأن أوروبا لا تريد انضمام تركيا للاتحاد فإن ذلك مفهوم عندهم وقد صرحوا به مرارا وتكرارا ولكن أردوغان لا يريد أن يسمع فهم لن يسمحوا لثمانين مليون مسلم بتغيير التركيبة السكانية للاتحاد، ولو لا قدر الله قبل الاتحاد بانضمام تركيا له فإن ذلك بحسب قوانين الاتحاد سيجعل من الجيش المسلم في تركيا يقاتل إخوانه في أي قتال يكون مستقبلا بين الكفار والمسلمين.
فنسأل الله أن يعيد تركيا وجيشها إلى ما كانوا عليه أعزاء بدينهم وعقيدتهم والنظام السياسي الذي كان يحكمهم نظام الخلافة على منهاج النبوة.
بقلم: الأستاذ خالد الأشقر (أبو المعتز)
رأيك في الموضوع