لقد تغيرت الرؤية الأمريكية لمكانتها في العالم منذ أن نشرت إدارة أوباما استراتيجية الأمن القومي الأمريكي السابقة في عام 2015. ويبدو أن أمريكا كانت واثقة قبل عامين من قيادتها للعالم: "إن أمريكا أقوى وأقدر على اغتنام الفرص لقرن لا يزال جديدًا وحماية مصالحنا ضد مخاطر عالم غير آمن. وتوفر استراتيجية الأمن القومي الجديدة للرئيس رؤية واستراتيجية للنهوض بمصالح الأمة والقيم العالمية والنظام الدولي القائم على القواعد من خلال قيادة أمريكية قوية ومستدامة". إن هذا الرأي للقيادة الأمريكية قد أصبح الآن جثة هامدة، بالإضافة إلى الشراكة عبر المحيط الهادئ وقيادة أمريكا لمكافحة تغير المناخ.
وقد نشرت إدارة ترامب استراتيجيتها للأمن القومي في 18 كانون الأول/ديسمبر 2017، والتي تصور أمريكا كدولة تنهار ويجب أن تتخذ إجراءات جذرية لجعل "أمريكا أولًا" حتى لا تتعرض للهزيمة على يد منافسيها. ووفقًا لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة، "تستند الاستراتيجية الأولى للأمن القومي الأمريكي إلى المبادئ الأمريكية، وتقييم واضح للمصالح الأمريكية، والتصميم على التصدي للتحديات التي نواجهها. إنها استراتيجية الواقعية المبدئية التي تسترشد بالنتائج وليس بالأيديولوجية". وتحذر الوثيقة من "تآكل الصناعة الأمريكية خلال العقدين الماضيين"، الأمر الذي "يهدد بتقويض قدرة الشركات الأمريكية على تلبية متطلبات الأمن القومي"، وتؤكد على أنه "لا يوجد مسار تاريخي حتمي" يضمن أن النظام السياسي والاقتصادي الحر في أمريكا سوف ينتصر تلقائيًا. فالنجاح أو الفشل يعتمد على أعمالنا". وتدعو الإدارة الأمريكية إلى وضع المصالح الاقتصادية الأمريكية في المقام الأول، كما فعلت الإدارات السابقة، ولكن الآن هناك نقص في الثقة بأن القيم والأيديولوجية الأمريكية ستنتصر تلقائيًا، والاعتقاد بأن التفوق العسكري الهائل مطلوب "لمنع نجاح العدو وضمان أن أبناء وبنات أمريكا لن يكونوا في معركة عادلة". يا للغرابة! إن أي أمة عظيمة ستسعى إلى التفوق العسكري، ولكن الأمة الميتة وحدها هي التي تعترف بالخوف من "معركة عادلة". ولعل هذا هو السبب في رد وزارة الخارجية الكورية الشمالية على استراتيجية الأمن القومي من خلال وصف أمريكا بأنها "جثة في طريقها إلى القبر".
فقد قال رئيس كوريا الشمالية كيم: "على الرغم من التحديات الخطيرة التي تواجهنا ولا ينبغي التغاضي عنها، فإننا لا نشعر بخيبة أمل ولا نخاف منها ولكننا متفائلون بشأن تقدم ثورتنا في ظل الوضع الراهن". وتحذر استراتيجية الأمن القومي للرئيس ترامب من أن "النظام المارق في كوريا الشمالية يطور بشكل سريع برامجه الإلكترونية والنووية والبالستية"، ويشير إلى أن واشنطن "تقوم بنشر نظام دفاع صاروخي متعدد الطبقات يركز على كوريا الشمالية وإيران للدفاع عن وطننا ضد الهجمات الصاروخية". ومع ذلك، فإن خطر كوريا الشمالية قد استخدم باستمرار في السياسة الأمريكية لتهديد الصين والضغط عليها.
إن التغيير الرئيسي المحدد على الاستراتيجية السابقة هو تسمية الصين وروسيا كدول تسعى إلى "تشكيل عالم يتعارض مع القيم والمصالح الأمريكية"، بحيث "تسعى الصين إلى إبعاد أمريكا من منطقة الهند والمحيط الهادئ، وتوسيع امتداد نموذجها الاقتصادي القائم على الدولة، وإعادة ترتيب المنطقة لصالحها"، بينما "روسيا تسعى إلى استعادة وضع قوتها العظمى وإنشاء مناطق نفوذ بالقرب من حدودها". وتستهدف الاستراتيجية الجديدة التهديد الصيني بشكل خاص؛ "الصين تجمع وتستغل البيانات على نطاق منقطع النظير... إنها تبني جيشًا يمول تمويلًا جيدًا والأكثر قدرة في العالم بعد منطقتنا. إن ترسانتها النووية تنمو وتتنوع. ويرجع التطور العسكري والتوسع الاقتصادي في الصين جزئيًا إلى قدرتها على الوصول إلى اقتصاد الابتكار الأمريكي، بما في ذلك الجامعات الأمريكية ذات المستوى العالمي". وفي الوقت الذي ذكرت فيه استراتيجية الأمن القومي الأخيرة لإدارة أوباما الملكية الفكرية مرة واحدة، في سياق الأمن السيبراني، فقد ركزت إدارة ترامب الجديدة بشكل كبير على الحاجة للدفاع عن الملكية الفكرية المتاحة حاليًا بشكل مفتوح "في مختلف الأعمال التجارية وفي الجامعات والكليات" كضرورة عسكرية: "إن فقدان ابتكاراتنا وتقدمنا التكنولوجي سيكون له انعكاسات سلبية بعيدة المدى على الازدهار والقوة الأمريكية". إلا أنه يبقى غامضًا كيف يمكن أن تنجح أمريكا في ذلك وقد ترك ترامب سنوات من السياسات الأمريكية السابقة التي كانت تهدف إلى احتواء الصين من خلال التحالفات الاقتصادية الإقليمية. وبدون العديد من الأصدقاء كما كان الحال من قبل، فإن أمريكا تعتمد الآن على استفزازات خطيرة وخطر حرب نووية من أجل إيجاد أزمة تعوق الصين قبل أن تكون مستعدة لمواجهة أمريكا بشكل مباشر.
رأيك في الموضوع