صرح الناطق باسم الرئاسة التركية يوم 22/6/2017 بأن قوات روسية وتركية سوف تدخل إدلب فيما ستكون قوات إيرانية وروسية حول دمشق وكذلك قوات أردنية وأمريكية تسيطر على درعا.
إن هذا التصريح يكشف واحدة من حلقات مسلسل التآمر على ثورة الشام للقضاء عليها ونزع سلاحها وفرض الحل السياسي الأمريكي الذي يحفظ نفوذ أمريكا في سوريا بالمحافظة على الدولة العميقة للنظام من جيش وأجهزة أمن ومؤسسات يسيطر النظام على مفاصلها، إن هذا الموقف التركي سبقته مواقف ظهرت تباعا تدل على تفاهم أمريكا والدول التي زعمت صداقة الشعب السوري على تصفية الثورة والقضاء عليها.
ولو استعرضنا بعجالة المحطات التي مرت بها ثورة الشام لنكتشف الأسباب التي أدت إلى تراجع نفوذ الثورة إلى مناطق محاصرة أطلق عليها مناطق خفض التوتر أو المناطق المؤمّنة.
إن ثورة الشام قامت ضد نظام عميل لأمريكا والناس لا يدركون هذا إلا من له باع في السياسة كحزب التحرير الذي نبه إلى كل المحطات التآمرية ضد الثورة في حينها.
هذه المحطات بدأت بتنصيب قيادة سياسية للثورة ممن تركوا الثورة وخرجوا إلى فنادق تركيا وقطر والرياض لتنصبهم السفارات والمخابرات العميلة لأمريكا وغيرها قيادة سياسية تحمل مشروعا سياسيا غامضا تخدع به الثوار، ثم كان بعد ذلك منع الدعم النظيف من الأمة الإسلامية لأهل الشام وحصره بغرف الموك والموم المصنعة أمريكيا للإمساك بزمام القيادة العسكرية للثورة؛ وتسليط الفاسدين على الثوار والمجاهدين المخلصين مما أدى إلى توجيه الثورة إلى حالة من الاستنزاف والمعارك التي لا تؤذي النظام؛ مما أطال مأساة الناس وتهجيرهم وتدمير مناطق الثوار بسلاح الطائرات التي منعت أمريكا عملاءها ممن ادعوا صداقة الشعب السوري من إدخال مضاد للطيران؛ كما رفضت إقامة مناطق حظر الطيران لتمكن عميلها من قمع الثورة وقتل الناس وجلبت له إيران ومليشياتها وروسيا وطائراتها مما أدى إلى محاصرة مناطق الثوار وفرض الهدن والمفاوضات الخادعة وصولا إلى مصالحات وتهجير للثوار، وقفت دول أصدقاء الشعب السوري المزعومة متفرجة بل ومتجاهلة كل ما يجري، بل كان لها الدور الأكبر في خدعة الثوار وفرض الهدن والمفاوضات والمصالحات والتهجير على أمل الحل السياسي الذي روجت له ورعته في مؤتمرات جنيف وفينا والرياض، وكان من أبرز محطات التآمر التي تكشف النظام التركي هي أن تركيا فتحت بلادها لكل مخابرات الدنيا لتعيث بثورة الشام فسادا؛ كما أنها فتحت حدودها مع سوريا وساهمت تحت بصرها وبتدبير منها وتآمر مع أمريكا لإدخال عشرات الآلاف ممن تصفهم مع سيدتها أمريكا بأنهم إرهابيون، ثم أغلقت الحدود بعد ذلك في مؤامرة واضحة لتحويل الثورة إلى حالة (إرهاب) يبرر التدخل الدولي واحتلال البلاد حتى أصبحت حصيلة الدول التي تحتل سوريا حتى الآن أربعاً.
وكان من أبرز محطات التآمر التركي هي صناعة درع الفرات وأخذ شمال حلب والباب مقابل تسليم حلب للنظام التي أخرج أهلها منها بشكل فظيع ومأساوي ومذل.
كل تلك المحطات وصولا إلى التصريح الأخير للتدخل الروسي التركي في إدلب للقضاء على المعقل الأكبر والأبرز الذي جمع فيه الثوار المهجرون من كافة المناطق السورية والذي يضم عشرات آلاف المقاتلين والمجاهدين الذي يشكلون خطرا على الحل السياسي في حال إعلانه.
أمام هذا الواقع للثورة وانتهاء بتصريحات الناطق باسم الرئاسة التركية لا بد من استخلاص الفهم السياسي من الثورة الكاشفة الفاضحة التي قدم أهلها مئات آلاف الشهداء من خيرة الشباب المجاهدين عدا عن الشهداء من النساء والأطفال والشيوخ الذين قضوا تحت القصف في بيوتهم وأسواقهم ومساجدهم ومستشفياتهم...
لقد بلغت قوة الثورة مئات الآلاف من المقاتلين الذين كان يحاصرون النظام في دمشق وحلب فلماذا هذا التراجع والفشل في إسقاط النظام، أين النقص وأين الخلل؟ إن النقص هو في عدم تبني الثورة لمشروع سياسي ينبثق من دينها وعقيدة أهلها.
وأما الخلل فهو في اتخاذ قيادة سياسية مصنوعة بالمال والمخابرات من الدول التي يشكل النظام جزءاً منها وسقوطه يشكل ثغرة في جدار المنظومة الدولية المحاربة للإسلام.
وأمام هذا الواقع لا بد من رؤية سياسية تواجه هذه المرحلة الخطيرة التي تحاول فيها أمريكا عبر عميلها أردوغان القضاء على القاعدة الصلبة للثورة وهي الحالة الجهادية التي تشكلت من خلال الثورة ودفع ثمنها مئات آلاف الشهداء وتدمير البنى التحتية والاقتصادية لمن قاموا بالثورة.
إن الحفاظ على هذه الحالة الثورية للوصول إلى الغاية المنشودة بإسقاط النظام وإقامة حكم الإسلام يكون في تبني مشروع سياسي من صلب عقيدة الأمة يرضي الله ورسوله ويحقق مصلحة الأمة، إنه مشروع الخلافة على منهاج النبوة واتخاذ حملة هذا المشروع قيادة سياسية ترتبط بالله وحده.
وبناء على هذا يجب رفض كل تدخل دولي ووصفه بالاحتلال وبيان خطورته على الثورة وخصوصاً مسألة نزع السلاح التي صرح عنها في مؤتمر الرياض الخياني وطرد المجاهدين الذين وصفهم المؤتمر بالأجانب والذين سيكون هذا التدخل من أخطر المحطات التآمرية على الثورة.
إن التدخل التركي هو خدعة للقضاء على ما تجمع من قوى الثورة في الشمال السوري وذلك بالسيطرة عليه بالترغيب والترهيب وتسخيره ليكون من أدوات الحل السياسي الذي يحافظ على بنية النظام ويتركه جزءاً وازناً من المعادلة السياسية سواء رحل بشار أم لم يرحل، على أن أمريكا إذا استطاعت أن تفرض الحل مع بقاء عميلها بشار جزءاً من المعادلة فلن تألو جهدا في الحفاظ عليه.
هذا الحل السياسي الذي سيبقي سوريا دولة علمانية مع المحافظة على الطاقم الفاسد من سياسيين وعسكريين وإداريين للنظام ارتكبوا أبشع المجازر في حق أهل الشام وتطعيمهم بالفاسدين ممن امتطوا ظهر الثورة من عملاء السفارات والمخابرات سكان الفنادق الذين لم يشعروا بمأساة الثائرين وتضحياتهم ليكتمل الديكور السياسي الذي تريده أمريكا وتسميه حلاً سياسياً، وفي الحقيقة ما هو إلا إدارة للأزمة لأنه لن يستطيع تهدئة الأمور، وما حلول أمريكا في أفغانستان والصومال والعراق عنا ببعيدة؛ حيث الأوضاع منذ تدخلت أمريكا في تلك البلاد متفجرة ولا أمن ولا أمان ولا استقرار...
إن تدخل تركيا بحجة حماية أمنها ومنع أي خطر عليها؛ وبدعاية تأمين مناطق خفض التوتر ما هو إلا ضمن المسلسل الأمريكي الذي اتفق عليه منذ بداية الثورة ووضعت خطته للقضاء عليها وتكشفت محطاته شيئاً فشيئاً، تلك المحطات التي حذرنا منها وكشفنا خطرها في حينها بفهمنا وحسِّنا السياسي الذي ينبغي أن يعطى دوره وأهميته ليقود الثورة إلى تحقيق أهدافها وغاياتها.
بقلم: محمد سعيد المحمود
رأيك في الموضوع