جرت الانتخابات الرئاسية (الثانية عشرة) في إيران يوم الجمعة لاختيار رئيس للبلاد لمدة أربع سنوات، من بين أربعة مرشحين هم الرئيس الحالي حسن روحاني وإبراهيم رئيسي ومصطفى ميرسليم ومصطفى هاشمي طبا.
ولقد فاز حسن روحاني كما هو المتوقع سياسيا بعد حملة خلت نوعا ما من اهتمام الرأي العام الإيراني من السياسة الخارجية وسيطرة الأوضاع الداخلية والأزمات الاقتصادية وبلوغ الوضع حدا لافتا للانتباه.
صحيح أن إيران دولة تدور في فلك أمريكا وليست تابعة (عميلة) لها، إلا أنها تكاد تكون تابعة وأقرب للعمالة وخاصة على عهد روحاني وفريقه في وزارة الخارجية برئاسة جواد ظريف الذي يعتبر عميلا لأمريكا حيث تم اختياره وزيرا للخارجية في الرئاسة الأولى "ومن المتوقع إعادته وزيرا كما كان في الرئاسة الثانية، وهو كان سفيرا سابقا بالأمم المتحدة تلقى تعليمه في أمريكا وكان مشاركا بشكل أساسي في جولات عدة من المفاوضات السرية لمحاولة التغلب على تدني العلاقات بين واشنطن وطهران".
ووجود أمثال هؤلاء في الحكم يربط السياسة الإيرانية بالسياسة الأمريكية ربطا محكما، وهو المعني بالقول إنها أقرب للعمالة من كونها تدور بالفلك، ولعل بعضهم يقول إن صلاحيات الرئيس الإيراني ضعيفة مقارنة بصلاحيات المرشد الأعلى صاحب السلطة الحقيقة في البلاد وله الكلمة الفصل، إلا أنه من الملاحظ أيضا أن منصب المرشد الأعلى في إيران قد انتابه ضعف شديد - لا أقول انتهى - لعوامل كثيرة ولطبيعة الصراعات الداخلية ودخول الثورة في نفق مظلم والإخفاق في خروج إيران من مشاكلها، وما مصطلح الإصلاحيين الذي هو عباءة تضم كافة أطياف العلمانيين إلا دليل على ذلك.
ونحن نلاحظ عدم وجود شخصية متفق عليها تخلف المرشد الحالي خاصة بعد وفاة ثعلب السياسة الإيرانية رفسنجاني، فضلا عن الدعوات الداخلية والخارجية لتحجيم دور المرشد ودور الحرس الثوري والمؤسسات التي لا تُنتخب من الشعب، لذا نلحظ تحجيم الدور القادم للمرشد الأعلى خاصة بعد وفاة المرشد الحالي وتدني الهالة حول شخصيته باتجاه شخصية منتخبة.
أما ما يتوقع من صراع في السياسة الخارجية ودور السلطة الإيرانية في هذا الصراع خاصة في الشام واليمن وظهور ما يسمى بالحلف (السني) لمقاومة السياسة الإيرانية في المنطقة، فمن المعلوم والمتوقع عدم حدوث (صراع بمعنى الصراع بين الدول التابعة أو الدول التي تدور في الفلك إذا كانت الدولة الكبرى المتبوعة هي نفسها، وذلك لأنها هي التي تدير السياسة الخارجية بشكل عام، وهذه السياسة عادة هي التي تتحكم في الصراع...) هذا من حيث الصراع.
أما أن تختلف دون الصراع فيما بينها - وهو بين دول الفلك أوضح - فهذا ممكن أن يكون في ثلاث حالات: الحالة الأولى: إن كان من باب توزيع الأدوار لخدمة مصلحة الدولة الكبرى.
الحالة الثانية: إن كان الخلاف بدوافع داخلية دون تأثيرات خارجية تؤثر في السياسة الخارجية للدولة الكبرى التي تسير تلك الدول في فلكها.
الحالة الثالثة: إن كان من باب دعم أحد العملاء بتسخين حدث "كان هادئاً" بينه وبين عميل آخر ثم يعود إلى الهدوء بعد انتهاء مقتضيات الدعم.
وفيما يبدو والله أعلم أن سياسة توزيع الأدوار بين الأدوات لمصلحة أمريكا هي المرحلة القادمة أمريكياً، وهذا يقتضي إعطاء دور جديد على حساب الدور الإيراني الذي كان في مرحلة ما وحيدا ولكن بعد تغير الأوضاع في السعودية وتمكن أردوغان من الحكم في تركيا ومحاولة إعادة مصر لما كانت عليه من دور إقليمي، اقتضى الأمر أمريكياً إعادة توزيع الأدوار من خلال تلزيم اليمن للسعودية مثلا وتحجيم الدور الإيراني في الشام ودخول تركيا والسعودية، وتعويض إيران بحصة كبيرة في مناطق العراق الوسط والجنوب وليس منطقة الأكراد أو مناطق السنة، وإعطاء إيران دورا في الشرق في أفغانستان كونها بالأصل أداة أمريكا في أفغانستان واستخدامها في الشرق الأقصى لمساعدة أمريكا في تلك المنطقة المهمة.
يدرك النظام في إيران أنه لن تقوم له قائمة إلا بمساعدة دول الكفر في المنطقة، وهي قبلت على نفسها أن تكون خنجرا مسموما في جسد هذه الأمة العظيمة، وهذا بإذن الله لن يطول، خاصة بعدما تكشف أمريكا ضعف القدرة الإيرانية وأنها منبوذة بين المسلمين خاصة بعد دورها القذر في أفغانستان والعراق والشام وعدم قدرتها على الحسم في سوريا مما استدعى أن تستخدم أمريكا روسيا فيما بعد، بعد أن سخرت كل إمكانياتها هناك ومع ذلك لم تستطع أن تحسم الأمر. وأخيرا إن السياسة الخارجية الإيرانية لن تكون بيد إيران كما تدعي بل ستكون مرهونة بيد أمريكا، خاصة بعد توزيع الأدوار في المنطقة، ولن يكون القادم للحكم إلا عميلا أمريكياً ينفذ ما تريده أمريكا ولو على حساب مصالح إيران لأنها باتت أقرب للعمالة حاليا من كونها تدور في الفلك، ولذا كان متوقعا نجاح حسن روحاني في الانتخابات لأنه المطلب الأمريكي للمرحلة القادمة.
رأيك في الموضوع