شددت الحكومة (الشرعية) على رفضها القاطع لما سُمي بتشكيل مجلس انتقالي جنوب البلاد، يقوم بإدارة وتمثيل الجنوب، مؤكدة أن تلك التصرفات والأعمال تتنافى كلياً مع المرجعيات الثلاث المتفق عليها محلياً وإقليمياً ودولياً، والمتمثلة في المبادرة الخليجية، وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقرار مجلس الأمن الدولي 2216، والقرارات ذات الصِّلة.
جاء ذلك في بيان تم إصداره بعد ترؤس عبد ربه هادي رئيس ما يسمى بالشرعية، مساء الجمعة الماضية، اجتماعاً استثنائياً لمستشاريه بحضور نائبه الفريق الركن علي محسن صالح، ورئيس الوزراء الدكتور أحمد عبيد بن دغر.
ورحب البيان الصادر من الاجتماع بجميع الفعاليات السلمية السياسية في مختلف المحافظات وحق أبناء شعبها في ممارسة جميع المناشط، وتشكيل أنفسهم في منظمات وكيانات وأحزاب في إطار ما أسماه بـ(الشرعية)، ووصف البيان ذلك العمل بأنه لا أساس له، وأنه لن يكون محل قبول مطلقاً، وبأن تشكيل مجلس انتقالي جنوبي إنما يستهدف مصلحة البلد ومستقبله ونسيجه (الاجتماعي) ومعركته الفاصلة مع المليشيات الانقلابية للحوثي وصالح، ولا يخدم إلا (الانقلابيين) ومن يقف خلفهم،حسب تعبير البيان.
وبحسب موقع قناة الجزيرة القطرية جدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حالة الطوارئ القومية حيال اليمن، وقال في رسالة إلى الكونجرس إن سياسة وأفعال بعض الأعضاء في الحكومة اليمنية (الشرعية) وغيرهم تواصل تهديد السلام في اليمن والاستقرار والأمن.
وتعد اتهامات ترامب هي الأولى من نوعها لحكومة هادي في اليمن منذ بدء تدخل السعودية عسكرياً لإعادته للسلطة خصوصاً أنها تضمنت الحديث عن عملية السلام التي ترفضها حكومة هادي من خلال رفض خارطة الحل التي قدمتها الأمم المتحدة فيما عرفت بخارطة جون كيري.
إن ما تشهده عدن من فوضى واحتقان في خضم الصراعات والحروب التي تشهدها اليمن والتي تقف وراءها دول الاستعمار وخاصة بريطانيا وأمريكا اللتان تخوضان الصراع في اليمن على النفوذ والثروة بأدوات إقليمية ومحلية لهو جريمة فوق جريمة، حيث تعالت أصوات بعض قوى الحراك الانفصالية في جنوب اليمن لتنادي بانفصال الجنوب عن الشمال، فقد شكل عيدروس الزبيدي مجلسا انتقاليا لإدارة الجنوب وتمثيله داخليا وخارجيا بعد خلافه مع رئيس ما يسمى بالشرعية - عبد ربه منصور هادي وحكومته مما أدى لإقالته من منصب محافظ محافظة عدن وعلى إثرها فوضته بعض قوى الحراك الجنوبي الانفصالية بتمثيل الجنوب فيما سمي بإعلان عدن التاريخي.
إنه لمن المعلوم أن أمريكا تريد تحقيق مخططاتها بتقسيم اليمن والمنطقة وإعادة صياغتها بما يخدم مصلحتها مستغلة ظلم الحكام وثورات الشعوب لتفتيت المجزأ وتقسيم المقسم، ففي اليمن تعمل أمريكا على دعم الحراك الجنوبي الانفصالي والذي ينسجم مع الحوثيين الذين تدعمهم أمريكا في الشمال (وكل من الطرفين كان له علاقة بإيران وضاحيتها الجنوبية في لبنان بضوء أخضر أمريكي)، لقد أتت أحداث عدن في وقت كان فيه هادي وحكومته الموالون للإنجليز يضغطون باتجاه ميناء الحديدة للسيطرة عليه وخنق الحوثيين لكن الأمم المتحدة نددت وحذرت، وتراجعت السعودية عن عزمها تحت الضغوط الأمريكية ثم بدأت ورقة أمريكا في الجنوب تظهر بقوة ولفتت الأنظار عن الحديدة وهكذا كان، فيما تسعى الإمارات - عميلة الإنجليز - في احتواء الحراك الانفصالي متظاهرة بمهاجمتها للرئيس هادي وحكومته وهي تسعى في الحقيقة لإفشال الحراك واختراقه وكذلك إفشال السعودية في مهمتها، كما وتقوم الإمارات بدور يعيد التدوير لحكم جناح علي صالح، أما السعودية فهي تريد إشراك الحوثيين بعد أن تأمن جانبهم وتحصل على ضمانات دولية بذلك، كما وتعمل من خلال الضغط على هادي لمضايقة الإمارات التي تحاول الاستئثار بكل شي في الجنوب خدمة للإنجليز.
رغم ذلك فإن انفصال الجنوب عن الشمال وتقسيم وتجزئة أي بلد إسلامي إلى كيانات أخرى لهو جريمة فوق جريمة حيث إن بلاد المسلمين لا بد أن تكون كيانا واحدا ويحرم تجزئتها إلى كيانات عدة والأصل فيها أنها وحدة واحدة مهما كانت المبررات، إن جريمة تمزيق المسلمين باتفاقية سايكس - بيكو الخيانية لا تزال الأمة تعاني من ويلاتها وكوارثها وآلامها حتى الآن، وإن معالجة الظلم والمظالم لا يكون بتجزئة المجزأ وتقسيم المقسم وتكريس الحدود الاستعمارية واصطناع حدود أخرى أنكى من سابقتها في بلاد المسلمين وخاصة اليمن التي انصهر فيها أهلها وعملوا وضحوا من أجل أن يكسروا هذه الحدود الاستعمارية التي تجعل من بلاد المسلمين واليمن بالذات سجناً كبيراً وحظيرة من حظائر الغرب المستعمر.
يا أهلنا في اليمن شماله وجنوبه! إن الظلم والمظالم لم تكن وحدة البلاد سبباً لها ففكروا يرحمكم الله تفكيرا واعيا عن الداء كي تضعوا له الدواء، إن السبب في الظلم والمظالم الذي ترزح تحته البلاد جنوبها وشمالها إنما هو آتٍ من النظام الرأسمالي المطبق عليكم ومن القائمين عليه والمتسلطين على الحكم والثروة، فقد كان الجنوب يحكم بالنظام الاشتراكي الذي طبق بالحديد والنار بعد فترة الاستعمار والذي لم يكن ليقنع العقل أو يوافق الفطرة ومنع الناس من التملك وأشقاهم في بلاد خيراتها كثيرة وكثيرة، ثم توحد الجنوب والشمال في ظل نظام رأسمالي جمهوري مما زاد الطين بلة، فلئن كان النظام الاشتراكي يقضي على الأغنياء ولا يغني الفقراء، فقد أتى النظام الرأسمالي ليقضي على الفقراء ويغني الأغنياء وهكذا كان الحال كالمستجير من الرمضاء بالنار، فورثت الرأسمالية والجمهورية تركة النظام الاشتراكي التي هي ملك للشعب والأمة وأصبحت ملكا لأفراد متسلطين في ظل النظام الجمهوري الرأسمالي حيث لم يمكّن الناس من الانتفاع بالثروات والملكيات العامة ولم يكن لهم نصيب منها.
لقد عاش أهل اليمن جزءاً من الأمة الإسلامية في ظل دولة الإسلام الأولى التي أسسها رسول الله e فكانت الأمة الإسلامية أمة واحدة ولها قائد واحد وراية واحدة، وعاشوا حياة كريمة وكانوا بحق أهل إيمان وحكمة وألفة ورحمة مع وسائل العصر البدائية والظروف الصعبة، إلا أن مفاهيم الإسلام وأحكامه كانت هي التي غيرت حياتهم وصقلت طبائعهم، ثم وبعد أن أتى المستعمر وفرض حضارته علينا صرنا ما صرنا إليه!!، فهلا عدنا للإسلام وعملنا لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة؟!!
بقلم: عبد المؤمن الزيلعي*
* رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية اليمن
رأيك في الموضوع