القمة التي عقدها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في واشنطن على مدار ثلاثة أيام من (16-18 شباط 2015) لم تأت بجديد، بل جاءت، بنظر كثير من المراقبين، فارغة المضمون، إذ لم تكشف عن أي تحرك عملي جديد، ولم تزد عن تصريحات جوفاء تؤكد ما سبق لأوباما نفسه، وغيره من قادة غربيين، أن عبروا عنه مرارا من ضرورة التصدي لخطر الإسلام المتطرف الذي يهدد الحضارة العالمية (الغربية)...
وقارن وزير الخارجية الأميركي جون كيري مكافحة «الإرهاب» الإسلامي مع مكافحة النازية والشيوعية في القرن العشرين، فقال إن «القرن العشرين يعرف بمكافحة الانهيار الاقتصادي الكبير والعبودية والفاشية والاستبداد. الآن جاء دورنا (...) يطلب منا اليوم خوض حرب جديدة ضد عدو جديد». وتحدث عن «معركة أساسية لجيلنا». ومعركة الجيل هذه بتعبير سوزان رايس «قد نحتاج إلى سنوات وربما إلى عقود لننجح لكننا سننتصر».
أما خطة أوباما لمواجهة «الإرهاب» الإسلامي فهي تقوم على الركائز التالية:
1- تعمّد ضبابية المفهوم، وعدم تحديد تعريف للإرهاب المقصود. إذ بنظر ساسة الغرب ينبغي دوما التمييز بين الإرهابيين الطيبين (الذين يخدمون المصالح الغربية) والإرهابيين الأشرار الذين ينبغي التصدي لهم بحزم وقوة وشراسة. فهؤلاء يبقون «أشرارًا» طالما اقتضت المصالح الغربية ذلك، وحتى هؤلاء «الأشرار» ممكن إعادة النظر في تصنيفهم بحسب مجريات السياسة الدولية، فيصبحون «صانعي سلام». وهكذا لم يجد مساعدو أوباما مفرا من الإقرار لمراسل نيويورك تايمز في 21/2/2015 بأن المصلحة الأمريكية العليا تُملي على أوباما غض النظر عن الممارسات القبيحة والبشعة التي يقوم بها الحكام على شاكلة السيسي في مصر وحاكم كازاخستان وغيرهم من الطغاة.
2- فأوباما، وقادة الغرب معه كل في موقعه، يستند إلى شرعة الغاب في تحديد من هو الإرهابي، فالنظام الأمريكي في دمشق الذي يعتقل في كل 4 دقائق مواطناً، ويجرح مواطناً كل10 دقائق، ويغيّب آخر كل 13 دقيقة، ويقتل آخر كل 15 دقيقة، وكل يوم يقتل 8 أطفال، وكل يوم يقتل 4 مواطنين تحت التعذيب (إحصائية ضحايا جرائم النظام السوري من منتصف آذار 2011 وحتى 31 تشرين أول 2014) وأجبر 12 مليونًا على النزوح بين الداخل والخارج هربًا من جحيم القصف العشوائي الذي لم يرحم صغيرًا ولا كبيرًا، فرغم كل ممارسات نظام بشار الإجرامية هذه، إلا أن أمريكا إلى الآن لا تعدّه نظاما إرهابيا، بل تدعو إلى حشد تحالف دولي لمواجهة إرهاب الإسلام المتطرف، والتغاضي عن ممارسات عميلها في الشام.
3- ومع ذلك فلا بد للثعلب الاستعماري الغربي من اصطناع ادعاء الطهر لشرعنة أطماعه تحت ستار، ولو مفضوح، فيقوم كبيرهم أوباما ليزعم: «نحن لسنا في حالة حرب مع الإسلام بل مع أناس شوهوا الإسلام». فلم يبق عليه إلا أن ينصّب نفسه محل شيخ الأزهر، وغيره من مفتي السوء من مشايخ الحكام، فيزعم حرصه على حماية الإسلام من خطر المتطرفين! وحرص أوباما على التشديد بأن الاعتقاد بأن الغرب يحارب الإسلام هو «كذبة بشعة». طبعا فالغرب الصليبي، بزعم قادة الغرب، هو ناصح أمين لأمة الإسلام. أما سياساتهم التي هدمت دولة الخلافة، وجزأت الأمة إلى عشرات من الكيانات الهزيلة، ومساندة الغرب للحكام الطواغيت الذين يسومون الناس سوء العذاب، فيصبّون عليهم شدة سطوتهم من أجهزة القمع والمخابرات، فضلا عن زرع جرثومة يهود في الأرض المقدسة، وما قاموا به من فتك وقتل وتدمير عبر العقود، فكل هذا أوهام وأساطير لا وجود لها!! ورحم الله القائل: وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
4- والمؤتمر بمن حضره من قادة وزعماء جاء ليؤكد على توحد الجبهة العالمية في الكيد ضد الإسلام وأهله. فقد قال رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أثناء مؤتمر للاشتراكيين الديمقراطيين في مدريد 21/2/2015، إن «التيار الإسلامي المتشدد أعلن الحرب علينا». كما أعلن وزير الخارجية الدنماركي أن «الحكومة الدنماركية ستدعو إلى عقد مؤتمر دولي كبير في العاصمة كوبنهاغن لمكافحة الإرهاب»، بينما عبرت وزيرة الدفاع الإيطالية عن استعداد بلادها لإرسال آلاف الجنود إلى ليبيا وقيادة تحالف دولي ضد الجهاديين في هذا البلد. وفي مقال مشترك نشرته صحيفة تايمز البريطانية في 15/1/2015، تعهد الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني بتشكيل جبهة موحدة ضد التهديد الذي يمثله المتطرفون الإسلاميون و «إيديولوجيتهم المشوهة».
5- وهذا كله مصداق لقول الحق تعالى ﴿وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ﴾، ولما جاء في الحديث عن ثوبان، قال: قال رسول الله ﷺ: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن»، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا، وكراهية الموت».
6- في ظل إفلاس الغرب الفكري، فهو لا يقوى على التنظير لأفكاره أو الترويج لها كمخلّصة للعالم مما هو فيه، فلم يبق أمامه إلا الهجوم على حضارة الإسلام من خلال التشويه والتضليل البعيدين كل البعد عن النقاش الحضاري أو المواجهة الفكرية. والإرهاب الذي يحاربونه لم نر له دماء في الواقع لكننا رأينا دماء المسلمين تسيل وعظامهم تُهشّم. وأجسادهم تدفن تحت أنقاض المباني التي تدكها الصواريخ والبراميل المتفجرة. لقد أصبحت الحرب الصليبية واضحة ضد مشروع الخلافة على منهاج النبوة، ولقد برهن قادة الغرب أنهم يطلبون رأس الإسلام لا سواه وتحديداً يطلبون إجهاض الخلافة قبل ولادتها.. ولذلك نقول لهم إن معركتكم ليست مع الإرهاب المتوهم بل هي معركة مع الخلافة القادمة ودعاتها وهي معركة محسومة، فنحن على موعد مع خلافة على منهاج النبوة وليست على منهاج أمريكا، فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين.
﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾
رأيك في الموضوع