بدأت أسعار النفط العالمية بالانخفاض في صيف عام 2014. وفي الوقت نفسه تقريبا، فرضت الدول الغربية عقوبات على روسيا رداً على ضم شبه جزيرة القرم وزعزعتها لاستقرار الأوضاع في شرق أوكرانيا.وقد تسبب هذان العاملان بانخفاض حاد في قيمة الروبل، وفي الأزمة الاقتصادية في روسيا. وبحسب البنك المركزي فإنه بسبب انخفاض أسعار النفط فقط، خسر الاقتصاد الروسي 160 مليار دولار.
وخلال كلمته في منتدى غايدار الاقتصادي في 14 كانون الثاني/يناير 2015، قال وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف، إن خسائر الميزانية الروسية في عام 2015 ستبلغ 3 تريليونات روبل، أي ما يعادل 47 مليار دولار، في حال بقاء أسعار النفط عند مستوى 50 دولارا للبرميل.
على الرغم من حقيقة أن أي هجوم على الاقتصاد الروسي قد أثبت حساسيته الكبيرة، إلا أنه لم يكن قاتلا بالنسبة لروسيا. فقد استطاع الاقتصاد أن يقاوم بفضل الأموال المتراكمة في وقت سابق في صندوق الطوارئ، وهو ما سمح بدعم الاقتصاد وكذلك ضمان ميزانية البلاد بطريقة أو بأخرى. إن عواقب انخفاض الروبل قد شعر بها المواطنون العاديون بالدرجة الأولى؛ أولئك الذين لم يكن لديهم أية مدخرات بالعملات الأجنبية، وأيضا الذين ليس لديهم دخول عالية حيث انخفضت القوة الشرائية للعملة إلى النصف تقريبا. ووفقا لجهاز الإحصاء الفدرالي للنتائج الأولية لعام 2014، فإنه للمرة الأولى في القرن الواحد والعشرين، انخفضت الدخول السنوية الفعلية للروس بنسبة 1٪. كما تم تعليق الزيادة والمقايسة في أجور موظفي الدولة، وحيثما كان ذلك ممكنا فقد تم اقتطاع جزء من الرواتب، كما حصل بشكل خاص، في شبه جزيرة القرم. وتعرضت استثمارات المواطنين أيضا لخسائر مالية كبيرة. حيث كان سعر الشقة السكنية قبل الأزمة 2 مليون روبل بسعر 37 روبل للدولار الواحد أي ما يعادل 54 ألف دولار، والآن أصبحت تساوي 32 ألف دولار، حيث سعر صرف الدولار يساوي 62 روبل، على الرغم من أن أسعار العقارات الحقيقية لم ترتفع، بل انخفضت أيضا. وما ضاعف الأزمة هو حقيقة أن خطة الكرملين لمكافحة الأزمة تتضمن خفضا واسعا في الوظائف. كما أن العمال المهاجرين من آسيا الوسطى بدأوا بمغادرة روسيا بشكل واسع؛ لأن دخلهم مرتبط بالدولار، ما جعلهم غير قادرين على تلبية الحد الأدنى من تكاليف معيشتهم. إن السلطات في البلاد تدرك جيدا ما يحدث، ولكن لا يمكنها أن تمنع حدوث ركود خطير. فقد صرح النائب الأول لرئيس الورزاء إيغور شوفالوف في منتدى دافوس بالقول: «الكثيرون لا ينظرون إلى الوضع الحالي بأنه صدمة، ولكن هذا فهم خاطئ للوضع... علينا أن نستعد لحقيقة أن الناس سوف يذهبون إلى السوق مثل العاطلين عن العمل، وأنهم بحاجة للتكيف مع الظروف الجديدة».
إن الحاجات المتزايدة للروس تؤدي إلى عدم الرضا عن سلطات البلد، ولكن الكرملين يتلاعب بمهارة في وعي الناس، موحياً لهم بأن كل الصعوبات الاقتصادية مرتبطة بهجوم القوى الخارجية ورغبتها في تدمير روسيا، وهو ما يعزز بدوره الحس الوطني لدى الناس، وبالتالي، دعم الحكومة الحالية. إن بوتين يقوم باستغلال ثقة الشعب للاستمرار في منافسة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النفوذ في أوكرانيا.
فقد صرح وزير المالية الروسي السابق أليكسي كودرين بينما كان يتحدث في جلسة للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس أنه «لا أحد يعرف الآن ما هو الثمن الذي سوف تضطر لدفعه لتنفيذ السياسة الخارجية الحالية»، وأضاف: «في هذه الحالة، أرى أن الأهداف التي ترتبط بموقف روسيا على الساحة الدولية كدولة قوية، يبدو أن بوتين هو الذي يضع السعر الذي يجب دفعه».
إن بوتين مستعد لمواصلة دفع ثمن السياسة الخارجية الحالية لروسيا، وهو ما تؤكده حقيقة أن وزارة المالية قدمت للحكومة اقتراحا لتعديل الميزانية المعتمدة لعام 2015. حيث تقترح خفض المصروفات إلى 771 مليار روبل. وعلى الرغم من هذا، ولتغطية العجز ستضطر الحكومة إلى إنفاق ما يقرب من نصف صندوق الاحتياطي، وبالتحديد 2.7 تريليون روبل.
ويزداد هذا الوضع الصعب تفاقما مع حقيقة أن الولايات المتحدة تفكر حاليا في فرض عقوبات إضافية ضد روسيا. كما صرح بهذا وزير الخارجية الأمريكية جون كيري. حيث قال بأن تصرفات موسكو تقوض تنفيذ وقف إطلاق النار في شرق أوكرانيا، والذي تم الاتفاق عليه في صيغة «نورمان الرباعية». وشدد كيري على أن الولايات المتحدة وحلفاءها «لن تقوم باللعب» مع روسيا.
وبمثل هذا تحدث رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون حين قال: «يجب على روسيا تحمل العواقب الاقتصادية والمالية لسنوات عديدة، إذا لم تتخلَّ عن تصرفاتها».
وبعد هذه التصريحات، خفضت وكالة موديز ليلة الـ 21 من شهر شباط/فبراير التصنيف الائتماني السيادي لروسيا من مستوى Baa3 إلى مستوىBa1 (أي جعلها في صنف المضاربة) مع توقعات سلبية. وفي وقت سابق، تم اتخاذ قرار مماثل من قبل وكالة أخرى، ستاندرد آند بورز في 26 كانون الثاني/يناير، حيث أعلنت عن تخفيض التصنيف الائتماني لروسيا إلى مستوى المضاربة BB+. ويشير الخبراء إلى أن وكالة فيتش ستقوم أيضا بذلك، وأن ذلك ليس سوى مسألة وقت.
وهكذا، فإن الولايات المتحدة ستعمل على زيادة الضغط على نظام بوتين والذي من شأنه أن يزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية في روسيا.
رأيك في الموضوع