منذ العام 2002 وحتى هذا الوقت فإن تداعيات وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في تركيا حاضرة على السياسة الأمريكية، وبسبب الدعم الأمريكي لأردوغان زادت قوته وتوسع نفوذه، وكما قلنا من قبل فإن أردوغان سوف يحظى بنفوذ وقوة أكبر بسبب علاقته بأمريكا التي دعمته في الماضي وما زالت تدعمه، وبالطبع فإن تأثير أمريكا على تركيا كبير جدا، وخروج الحكومة التركية عن دائرة السياسة الخارجية الأمريكية أمر غير وارد، بالإضافة إلى أن التنسيق والاتفاق المشترك بين تركيا وأمريكا بشأن الوضع في سوريا مستمر.
نعم؛ فإن زعيم حزب العدالة والتنمية أردوغان منذ اندلاع الأحداث في سوريا وجميع تحركاته فيما يتعلق بالشأن السوري تسير ضمن نطاق محدد من أمريكا، والدليل على ذلك:
- دعم تركيا لفصائل المعارضة السورية التي تتبناها أمريكا وتدعمها مثل المجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.
- في العام 2012 قامت تركيا بالتنسيق مع أمريكا بالتخطيط لتجنيد وخداع القادة المخلصين في فصائل المعارضة المسلحة وذلك من خلال المخابرات التركية.
- سعي تركيا وراء أمريكا في إقامة مؤتمرات جنيف بشكل متواصل لكي يكسب الأسد وقتاً أطول وفرصاً أكبر.
- وضع حزب الاتحاد الديمقراطي في المناطق التي تخلت عن الأسد في شمال سوريا من قبل أمريكا، وسماح تركيا بمرور البيشمركة لدعم أمريكا بشكل واضح.
- سماح أمريكا للقاذفات الروسية بإطالة عمر نظام الأسد ودعم تركيا لروسيا.
- دعم تركيا لأمريكا في محاربة قوى المعارضة الإسلامية بحجة محاربة أمريكا لتنظيم الدولة.
- دعم تركيا القوي لأمريكا في رغبتها باجتثاث فصائل المجاهدين من حلب.
- بالإضافة إلى أنه في الأول من نيسان عام 2016 وفي البيت الأبيض تم توقيع اتفاق بين أوباما وأردوغان، يتضمن رغبة أمريكا في تحويل سياسة تركيا في سوريا، وذلك ما تم فعلا من خلال تطبيع وتحسين العلاقات التركية الروسية، وبناء على هذا الاتفاق في الرابع والعشرين من آب عام 2016 بدأت عملية درع الفرات.
- قيام عملية درع الفرات التي تهدف إلى إبعاد قوى المعارضة السورية المسلحة في حلب وغيرها من مناطق الصراع في سوريا عن هدفها في قتال النظام السوري وسحب هذه القوى وجعلها تحت سيطرة تركيا من خلال عملية درع الفرات؛ وبأوامر من تركيا في الرابع عشر من كانون الأول عام 2016 انسحبت المعارضة المسلحة من حلب وتم تسليمها لقوات النظام.
كل هذه الأدلة الصريحة والواضحة تشكل إثباتا لما قلناه، وكل هذه السياسات الخفية بشأن الوضع في سوريا التي قامت بها تركيا لصالح أمريكا بالإضافة إلى عملية درع الفرات التي ألبستها غلاف محاربة (الإرهاب) والقوات الكردية وتنظيم الدولة من أجل تنفيذ تعليمات أمريكا، لكن بالمقابل لم تحصل تركيا على ما تريده من سيدتها أمريكا.
تركيا وعملية درع الفرات في سوريا التي عملت عليها بشكل قوي وفعال وإشغال مدينة الباب كان هدفها مداومة التقدم باتجاه منبج وربط منبج بعفرين من أجل عرقلة عمل القوات الكردية، أما مع الأسف بعد عملية درع الفرات فقد تراجع أوباما كعادته عن وعوده؛ ودعم وجود ونفوذ وقوة حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الدفاع الشعبية في منبج ذات الغالبية العربية. وبعد أن قطعت تركيا أملها من أوباما انتظرت أن يتم قطع الدعم العسكري الذي يقدمه البنتاغون لحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الدفاع الشعبية في عهد ترامب، حتى إنه جرى عقد لقاءات عدة من الجانب التركي مع مسؤولين رفيعي المستوى في القيادة الأمريكية هدفها إبعاد وحدات الدفاع الشعبية عن عملية الرقة، ومع الأسف مثل كل مرة لم تحصل أنقرة على ما انتظرته، واستمرت القرارات التي اتخذت في عهد أوباما بعد 20 كانون الثاني، وفي الأيام الأولى لجلوس ترامب على كرسي الرئاسة تم إعطاء ذراعها في سوريا حزب الاتحاد الديمقراطي والجناح العسكري له سلاحاً ثقيلاً ومدرعات.
بالإضافة إلى تعزيز وجود حزب الاتحاد الديمقراطي في منبج خلال عهد ترامب وزيادة عدد القوات الأمريكية في أماكن وجودها وإقامة معسكرات تدريبية هناك تحضيراً لعملية الرقة من خلال القوات الأمريكية، وأيضا عملية الرقة التي تقوم بها إدارة ترامب في سوريا أكثر منفذ لها إخلاصاً هو حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات سوريا الديمقراطية، وهذه كلها أدلة على صحة ما سبق ذكره.
وبحسب وجهة نظر أمريكا فإن عملية الرقة ستكون نتائجها سلبية إذا قامت تركيا بتنفيذتها؛ وذلك لأن وجود تركيا ضمن عملية الرقة يتطلب محاربة تركيا لعدوها التقليدي حزب الاتحاد الديمقراطي حتى تتمكن من الوصول إلى الرقة، وذلك يعني فتح جبهة جديدة ويتطلب قوة أكثر وسلاحا ووقتا أطول، بالإضافة إلى أن وزير الخارجية الأمريكي الجديد تيلرسون قبل زيارته إلى تركيا في الثلاثين من شهر آذار عام 2017 قدم إلى الصحافة الأمريكية عبر مؤتمر صحفي وعبر الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية أجوبة باسمه باعتباره مسؤولاً رفيع المستوى وباسم حكومته مفادها (عملية الرقة بقيادة قوات سوريا الديمقراطية تمت بشكل ناجح جدا وأن العمل مع قوات سوريا الديمقراطية مستمر)، ومن خلال مطالعة الصحافة اليومية نجد تصريحات المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون الجنرال جيف ديفيس بشأن المدرعات الأمريكية المقدمة لحزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني التي تتنزه على الحدود السورية التركية كان هذا جوابه (الجنود الأمريكيون يتحركون في سوريا مع تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي في المنطقة الواقعة تحت سيطرة هذا التنظيم بما في ذلك خط الحدود التركية السورية).
الدعم الأمريكي للقوات الموجودة في منبج من خلال تقديم المدرعات لها، ومن جديد دخلت أمريكا في محادثات بشأن مدينة منبج وبشأن إيقاف عملية درع الفرات - قيام دوريات عسكرية على الحدود السورية التركية في القامشلي وعامودا وديريك مؤلفة هذه الدوريات من القوات العسكرية الأمريكية وجناح حزب العمال الكردستاني في سوريا المعروف بوحدات الدفاع الشعبية، بالتالي فإن أمريكا تقوم بكل هذه الأفعال بالاتفاق مع الأكراد رغما عن تركيا بشكل واضح وصريح.
كما قال الرئيس التركي أردوغان في تصريح له (نأسف لوجود علم أمريكي إلى جانب منظمة إرهابية في قافلة، أمر يحزننا بشدة، وتابع أنه سيتحدث في الأمر حين يلتقي في 16 أيار/مايو مع نظيره الأمريكي معربا عن أسفه لاستمرار التعاون بين أمريكا والأكراد)، كل هذه الأدلة كافية على أن الحكومة التركية لن تتحرك خارج النطاق الذي حددته لها أمريكا.
هيهات هيهات! فإنه بدون الخلافة على منهاج النبوة التي تقوم بحماية كرامة وشرف الإسلام والأمة الإسلامية، بدون الخلافة لن تتوقف أبدا السياسة الدنيئة والمشينة من الحكام الخونة الذين يحكمون الأمة الإسلامية.
رمضان طوسون – تركيا
رأيك في الموضوع