إن الروس لشدة غبائهم السياسي دعموا انتخاب ترامب مخدوعين بتصريحاته التي أشاد فيها برئيسهم بوتين، وصفق نوابهم في مجلس الدوما يوم فوزه متوهمين أنه سيكون أفضل من أوباما الذي تلاعب بهم واستخدمهم في سوريا. ولكنهم تفاجأوا بظهوره أشد عليهم من سلفه.ولذلك قال بوتين يوم 12/4/2017 عقب اجتماعه مع وزير خارجية أمريكا تيلرسون "إن مستوى الثقة بين الولايات المتحدة وروسيا تراجع منذ تولي الرئيس ترامب منصبه... وإن درجة الثقة على مستوى العمل خصوصا على المستوى العسكري لم تتحسن، بل إنها تدهورت".
إن الروس يتلهفون على أن تعاملهم أمريكا معاملة ترفع من شأنهم دوليا فتشركهم في الأعمال السياسية بجانبها كما كان يحصل على عهد الاتحاد السوفياتي، ولذلك يتجاوبون سريعا مع أية إشارة منها للقيام بأي عمل دولي يتوهمون أنه سيرفع من مكانتهم الدولية، بالإضافة إلى عقدة النقص عندهم بأن يصبحوا دولة غربية بجانب عداوتهم للإسلام. فالأمريكان يدركون ذلك فينطلقون من هذه الزاوية للتلاعب بالروس، وبدأوا يستعملون معهم أسلوب الغطرسة والتعالي. فقال نائب وزير خارجية روسيا ريابكوف يوم 12/4/2017 "بشكل عام يظل موقف الإدارة الأمريكية من سوريا يمثل لغزا. فعدم الاتساق هو ما يرد على الذهن قبل أي شيء. وبشكل عام فإن الغلظة والفظاظة من السمات الأساسية لأسلوب الخطاب الصادر حاليا من واشنطن. ونأمل ألا يصبح ذلك المكون الجوهري للسياسة الأمريكية".
والأمريكان يدفعون عملاءهم نحو روسيا ليستقووا بها وليغطوا على عمالتهم وتنفيذهم للمشاريع الأمريكية، فتتقبل روسيا توجههم نحوها متوهمة أنه بذلك يصبح لها تأثير دولي. فدفعت إيران نحوها لتشتري منها السلاح وتتحالف معها في سوريا، بل دفعت عميلها طاغية الشام ليطلب تدخلها ليخفي عمالته لأمريكا، فورطتها في الحرب هناك التي لم تنل منها إلا الشوك. وبدأت أمريكا تتقدم لتكون في الواجهة وتقزم دور روسيا، فاستنفدت منها تقريبا هدفها. وظهر ذلك في ضربها قاعدة للنظام السوري يوم 6/4/2017 ولم تبلغ روسيا إلا قبل ساعات من الضربة ولم تستشرها، فانزعجت روسيا. وكذلك في موضوع إعلان أمريكا عن نيتها إقامة مناطق آمنة، فأعلن الروس أن أمريكا لم تستشرهم ولكنهم يقبلون ذلك، خوفا من أن يعزلوا، وهكذا تلعب بهم أمريكا.
وقد دفعت عميلتها السعودية نحو روسيا لتنال تأييدها في اليمن ليصب ذلك في خانة المشروع الأمريكي هناك، كما تدعم إيران التي تقف وراء الحوثيين الذين ينفذون المشروع الأمريكي. وعندما يُستغنى عن دعمها تدير السعودية ظهرها لروسيا، أو لا تعود تهتم بالعلاقات معها.
وكذلك دفعت عملاءها في العراق على عهد المالكي ليعقدوا اتفاقية استراتيجية وصفقات سلاح وهمية مع روسيا حتى يعززوا مراكزهم المهترئة ويستروا جزءا من عوراتهم المكشوفة، وهم عبارة عن عبيد لسيدتهم أمريكا التي تتحكم فيهم وفي بلادهم منذ احتلالها الغاشم للعراق. وقد توهمت روسيا أنه ستكون لها مكانة في العراق كما كانت سابقا، ولكن سرعان ما تبخر ذلك، ولم يعد حكام العراق يهتمون بالعلاقات مع روسيا، وقد طلبوا التدخل الأمريكي المباشر.
ودفعت أمريكا مؤخرا عميلها في ليبيا حفتر ليتقرب من روسيا معلنا يوم 13/4/2017 أنه يبحث مع الروس شراء أسلحة، ولم يستبعد إقامة قاعدة لهم كما فعل النظام السوري حتى تلعب روسيا الدور القذر في ليبيا لحساب أمريكا إذا لزم ذلك، فقال حفتر: "إنشاء القواعد العسكرية أمر تمليه ظروف محلية وإقليمية ودولية استثنائية..."
وهكذا تستعمل أمريكا روسيا ومن ثم تستغني عنها عندما تستنفد مآربها منها، كما فعلت في السابق عندما دفعت عميلها عبد الناصر ليشتري السلاح من روسيا زمن الاتحاد السوفياتي وليخفي عمالته لأمريكا، وعندما لم يعد حاجة لذلك وجاء صديقه السادات فقام وطرد الروس من مصر.
وأمريكا تستخدم روسيا ضد أوروبا، فتجذبها نحوها لتبتعد عن أوروبا، فتجعل الطرفين الروسي والأوروبي يخسران لحسابها. فتعزز هيمنتها على أوروبا ولا تجعلها تخرج من تحت مظلتها، وتجعل روسيا في علاقة متوترة معها. وفي الوقت نفسه تبقي روسيا متوترة في المنطقة وتضطرها إلى حشد قواتها مقابل حشد الناتو الذي تنفذه أمريكا. فقد بدأت تحشد قوات الناتو في بولندا وجمهوريات البلطيق،فأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية يوم 15/4/2017 أنها "سترسل أحدث الطائرات من طراز إف 35 إلى أوروبا في إطار برنامج الضمانات للحلفاء، وستشارك في مناورات مقررة" منذ عهد أوباما. وكان هذا البرنامج قد بدأت به على عهد أوباما تحت ذريعة مكافحة العدوان الروسي. وأعلنت الوزارة الأمريكية يوم 13/4/2017 حشد قوات إضافية مشكلة من دول الناتو في بولندا "لإظهار وحدة الحلف وعزيمته وإرسال رسالة واضحة لأي معتد محتمل".
وأوروبا تدرك ذلك، ولكن لسوء وضعها بسبب ضعف وحدتها السياسية وقوتها العسكرية، فلا تستطيع أن تعالج الوضع، وهي تعمل على التقارب مع روسيا، ولكن لشدة الغباء الروسي تبتعد روسيا عنها بفعل الألاعيب الأمريكية. فلو كانت لأوروبا قيادة سياسية شجاعة وقوة عسكرية مستقلة عن أمريكا لكان تأثيرها على روسيا أقوى وقدرتها على جلبها وإبعاد تهديداتها أكبر. فأوروبا تعيش هاجس تفكك اتحادها الذي بدأت أمريكا ترامب تستهدفه بصورة علنية وتشجع أعضاءه على تركه مثلما أيدت بريطانيا في ذلك.
لقد أعلن ترامب مواصلة الحملات الصليبية على المسلمين والتي بدأتها بلاده على عهد بوش، بإعلانه أن هدفه محاربة التشدد الإسلامي، ومعناه تمسك المسلمين بإسلامهم ورفضهم للهيمنة الأمريكية والغربية وإسقاط الأنظمة العميلة ورغبتهم بعودة الإسلام إلى الحكم، وقد تفجرت ثوراتهم التي أظهرت حيوية الأمة ورغبتها في التغيير، وأنها تتحسس طريق النهوض والتحرير، وتبحث عن القيادة السياسية الواعية المخلصة، فتقوم أمريكا مستخدمة روسيا ضد حركة الأمة متوهمة أنها ستخمدها! وتستخدم الأنظمة العميلة في المنطقة التي هي أشد مضاضة على أبناء الأمة وأشد غدرا بهم، كما فعل أردوغان بخداعه للثوار حتى يسلّموا حلب للنظام فوجّه طعنة غدر أليمة في ظهر الثورة، وكذلك السعودية وإيران وحزبها اللبناني. فكل الأنظمة في المنطقة وملحقاتها لا تقل الواحدة عن الأخرى تتعاون مع أمريكا وأوروبا وروسيا لسحق حركة الأمة التحريرية.
وتآمر الجميع على حركة الأمة وهجومهم عليها من كل جانب وعلى كافة الأصعدة يثبت عظم أمر الأمة وعظمتها وأنها تخيف العالم كله. ولكن كل ذلك وإن كان يؤخر ويعرقل تحرر الأمة ونهضتها نوعا ما، ولكنه لن يمنع بإذن الله تحررها وعودتها خير أمة أخرجت للناس وأعظم دولة متجسدة في خلافة راشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع