تتواصل المعارك الشرسة بين القوات الأمنية العراقية ومقاتلي تنظيم الدولة في الجانب الأيمن من الموصل، بإحراز الطرف الأول مزيدا من المكاسب والانتصارات الميدانية ما يضعف سيطرة الثاني على المدينة. لكن الفارق بين الطرفين: أن القوات العراقية باتت على ثقة من إنجاز المهمات المكلفة بها بامتياز لطرد التنظيم من آخر معاقله في العراق، وحسم المعركة لصالحها، الأمر الذي رشحها لمزيد من ثناء وتقدير العالم أجمع - بحسب خبراء في الشؤون الحربية - لبسالتهم وتضحياتهم وحرصهم على حياة المدنيين القابعين تحت حكم التنظيم. (جريدة الحدباء).
فقد تمكنت القوات المقاتلة من تحقيق انتصارات استراتيجية كتحرير مطار الموصل، ومعسكر الغزلاني وحيي (المأمون) و(وادي حجر) ذوي الأهمية الخاصة... لسيطرة (الأول) على طريق بغداد والأحياء الأخرى، "بعد دفاع عنيف بذله التنظيم باعتباره الخط الرئيس لهم" بحسب قائد مكافحة (الإرهاب). أما الثاني فيضم المطار والمعسكر المشار إليهما آنفا، وكذا السيطرة على الطريق المؤدي إلى تلعفر وهو الشريان الرئيس للتنظيم في إمداداته وتحركات مسلحيه، لتصبح الفرقة التاسعة على بعد كيلومتر واحد من بوابة الشام وهي المدخل الشمالي الغربي للمدينة. وقال عضو مجلس المحافظة حسام العبار: إن «مكاتب المجمع الحكومي أصبحت تحت نيران قوات الرد السريع والشرطة» ورجح «تسارع عملية التحرير بسبب التنسيق العالي بين القوات المشتركة»، التي نفى ناطقها الرسمي مشاركة الجنود الأمريكيين بالمعارك، وقال: إن «كل المشاركين في القتال من العراقيين... لكن لدينا مستشارون من دول التحالف، يقتصر عملهم على تقديم الإسناد بالضربات الجوية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، إضافة إلى التدريب والتسليح والتجهيز». (الحياة).
يضاف لما سبق، تحرير سجن بادوش - شمال غربي الموصل - وهو السجن الأشهر في العراق، وكان التنظيم عرض فور دخوله الموصل صورا للإفراج عن مئات المعتقلين منه، لكنه عاد وأعدم أكثر من 560 من نزلائه على خلفيات طائفية فيما عرف لاحقا بـ«مجزرة بادوش». ويقول شهود: إن التنظيم نفذ ما لا يقل عن خمس مجازر جماعية بسجناء من الأهالي. (الحياة). هذا بشأن القوات الحكومية المقاتلة.
أما التنظيم ومعنويات عناصره، فيصفها لنا هشام الهاشمي الباحث المختص بالشؤون الأمنية والجماعات المسلحة، قائلا:
1- إن "وحدات التنظيم تفقد توازنها في حرب المحاور المتعددة، وتتحول من وحدات معرقلة دفاعية إلى فلول مناورة بعمليات قنص وتفجيرات انتحارية خبيثة - دون أدنى شك - باتخاذها الأهالي دروعا بشرية"،
2- "ليست هزيمة التنظيم في أحياء الطيران والمأمون والجوسق مجرد هزيمة أخرى تتلقاها وحداته، فهذه الأحياء هي خطوط الصد التي يليها عمق التنظيم الاستراتيجي حيث مراكز القيادة والسيطرة ودار الوالي ومجلس الشورى، ومقرات كل الدواوين وبيت المال والسجون والوثائق والمخازن ومصانع التطوير، ومراكز الأمن والسيطرة والمراقبة. وهذه الأحياء هي الأهم في فرع العراق...! ولن تسنح للتنظيم فرصة جديدة للتمكين في العراق بعد هزيمتهم في الساحل الأيمن من الموصل".
3- "وفي حدث غريب: أن 3 وحدات من كتيبة الفرقان تسلم نفسها إلى قوات الرد السريع العراقية في منطقة حاوي الجوسق، وهذا مؤشر على انهيار إرادة القتال لديهم".
ولنعرج الآن على ما أصاب أهل تلك البقاع التي كانت - كغيرها - مسرحا لمؤامرات خبيثة دبرتها أمريكا الكافرة، ونفذها - بدقة وحرفية تفوق التصور - أناس باعوا أنفسهم لعدو أمتهم لقاء عرض من الدنيا قليل. تلك المؤامرات التي أحالت سكان خمس محافظات يقطنها أهل (السنة والجماعة) إلى ضعفاء متسولين، نزحوا قسرا من ديارهم، تفتك بهم الأمراض الخبيثة والعوز والإعاقات حتى باتوا غرباء في بلدهم، يلجؤون إلى المساجد والأسواق في بغداد أو غيرها من المحافظات - بعد عز وستر - يتكففون الناس أعطوهم أم منعوهم. يا لها من مؤامرات قضت على الناس أو كادت...! ولقد صدق - في من أجرم بحقهم - قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾... فلم يكن أمام العائلات العراقية خيار سوى الهرب من خطر العمليات الدائرة، في رحلة خطيرة وهم يحملون رايات بيضاء لتحميهم من القصف المتواصل والطلقات الطائشة. وأفاد المرصد العراقي لحقوق الإنسان بأن نحو 200 ألف مدني نزحوا من المدينة منذ انطلاق معركة تحريرها في 17 تشرين الأول الماضي. (روسيا اليوم). وبحسب مصادر في الأمم المتحدة، قد يضطر نحو 400 ألف مدني إلى النزوح بسبب الهجوم، بينما يعاني سكان الساحل الأيمن من ظروف معيشية صعبة كنقص الغذاء والدواء والوقود، بسبب الحصار الذي يفرضه تنظيم الدولة على حوالي 750 ألف شخص، وهم يقبعون في بيوتهم داخل حفر عملوها في انتظار موت شبه مؤكد جراء القصف الجوي والمدفعي من كل الأطراف. (ميدل إيست أون لاين).
أما عن القتلى والضحايا من المدنيين وغيرهم، فقد أفادت منظمة الهجرة الدولية في بيان لها - بحسب روايات لنازحين نجوا من الموت - أن الجثث مكدسة في الشوارع، يعود معظمها لمسلحي التنظيم، وبعض المدنيين الذين قتلوا بعبوات ناسفة زرعها التنظيم، فضلا عن مقتل وإصابة العشرات في قصف أمريكي لا يعرف سببه. وكانت القوات العراقية قصفت أحياء وادي حجر والتنك والشهداء وتل الرمان بالمدفعية الثقيلة، ما أوقع قتلى وجرحى في صفوف المدنيين. (وكالات).
وأما الجانب الأيسر للمدينة - الذي سبق تحريره - فقد أفادت وزارة الدفاع في بيان لها: أن "الحياة الطبيعية عادت إليه"، بعد فتح الشوارع المغلقة وتطهير الأحياء والدور السكنية من مخلفات التنظيم، وفرض الأمن والاستقرار، ففتحت الأسواق والمحلات أبوابها، واستقبلت المدارس طلابها، وعملت الدوائر البلدية بالتنسيق مع الجهد العسكري على تقديم الخدمات للناس. وذكر مسؤول إغاثي عراقي: أن أكثر من 6 آلاف نازح عادوا إلى الأحياء المحررة في هذا الجانب ضمن خطة العودة الطوعية التي تنفذها وزارة الهجرة. (الحياة).
وفي الختام، فإن أنظار المظلومين ترنو لمن يرفع عنهم الحيف والقهر، ويحقق لهم الكرامة الإنسانية في ديار ينعم الناس فيها بالعدل والأمن، ويذيق حكامهم الخونة ما يستحقون من قصاص عادل جزاء وفاقا لما اقترفوه بحق شعوبهم، فمن يقدر على ذلك غير دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة تحق الحق بإذن الله تعالى وتبطل الباطل ولو كره المجرمون...؟
بقلم: عبد الرحمن الواثق – العراق
رأيك في الموضوع