(مترجم)
خلال الأسبوع الأول كرئيس للولايات المتحدة، قام دونالد ترامب بإصدار قرارات عدّة كان قد تعهّد بالقيام بها أثناء حملته الانتخابية مما أحدث موجات من الصدمة حول العالم. وبالضبط كما وعد، حظر ترامب المسلمين القادمين من سبع بلاد إسلامية من دخول أمريكا لمدّة 90 يوماً، وأوقف دخول اللاجئين لمدّة 120 يوماً، وبدأ باستبدال (أوباما كير)، وألغى اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، وأمر ببناء جدار ضخم على الحدود مع المكسيك وأدلى بوعود متعجرفة مثل أن المكسيك "سوف تدفع ثمن بناء السور" مع أن الرئيس المكسيكي رفض ذلك وألغى زيارته المخطّط لها إلى الولايات المتحدة. بالإضافة لهذا، فإن معظم خطاباته من البيت الأبيض خلال أسبوعه الأول كانت عاصفة، فالسياسة الأمريكية نحو الصين وروسيا وأوروبا والمنظمات الدولية مثل الناتو والأمم المتحدة مريبة.
إن الأجندة الأكثر رؤية للإدارة الجديدة، تبدو أنها يسيطر عليها النصارى البيض وأمريكا أولاً والقوميون من "اليمين البديل"، بينما أجندة المحافظين التقليديين من الجمهوريين والذين يسيطرون على الكونجرس تحتل المركز الثاني. لقد أوجد ترامب داعمين قريبين لليمين البديل في قلب البيت الأبيض. وقد شمل هؤلاء صهره جاريد كوشنر، الذي أدار حملة ترامب الانتخابية على الإنترنت والتي ساعدت تربيته اليهودية المحافظة في حماية ترامب من تهمة معاداة السّامية خلال حملته الانتخابية.
أمّا كليان كونوي، كبير مستشاري البيت الأبيض وكبير الاستراتيجيين ستيفان بانون فيمثّلان اليمين البديل بشكل أكثر وضوحاً وانفتاحاً. فقد تم تعيينهم في اليوم نفسه من أجل قيادة حملة ترامب ولهم علاقات طويلة وقوية مع روبرت وريبيكا ميرسر، اللذين كانا أكبر المتبرعين خلف حملة ترامب الانتخابية. كما ويموّل روبرت وريبيكا ميرسر "بريت بارت نيوز" الذي كان محرّره ستيفان بانون قبل تعيينه في حملة ترامب، وقد أصدروا تصريحاً لواشنطن بوست في تشرين الأول/أكتوبر حذّر من "خيار مدمّر تواجهه أمريكا يوم الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر. يجب أن ننقذ البلاد وهناك رجل واحد يستطيع فعل ذلك. نحن صفّ واحد خلف دونالد ترامب".
البيت الأبيض تسيطر عليه فئة تهدّد المحافظين التقليديين في قضايا أساسية مثل العولمة، والتجارة الحرّة، وروسيا. ومثال للتوتّر في الحزب الجمهوري جاء بعد المؤتمر الصحفي المشترك لدونالد ترامب ورئيسة وزراء بريطانيا، والذي ترك الاحتمالات مفتوحة في أن العقوبات على روسيا يمكن أن تُرفع. بعد ذلك طالب جون مكين السيناتور الجمهوري ورئيس لجنة الخدمات المسلحة "من أجل الأمن القومي الأمريكي ومن أجل حلفائنا، آمل أن يضع الرئيس ترامب نهاية لهذه التكهنات ويرفض مثل هذا النهج المقهور". من هنا نسأل ما الذي يجمع بين المحافظين والبديل اليمين مع وجود الكثير من الأمور التي تهدّد التفريق بينهما؟؟.
يمكن أن نجد الأدلة في كتاب نُشر قبل نحو أسبوعين كتبه ريتشارد هاس، وهو رئيس مجلس العلاقات الخارجية - وهو مجلس مكوّن من كلا الحزبين وذو تأثير كبير -. ويعتبر ريتشارد هاس ناقداً لرفض ترامب العولمة وحرية التجارة، ومع ذلك فإن كتابه "العالم في فوضى: السياسة الأمريكية الخارجية وأزمات النظام العالمي القديم" يوضّح أن العالم أصبح أكثر خطورة ومتعدد الأقطاب وأن الولايات المتحدة سوف تحتاج إلى رؤية جديدة للمفهوم الحالي للسيادة. في السابق كان التدخل في سيادة الدول يُبرر على أساس حقوق الإنسان فقط، ولكن الآن يقول هاس إنّ العولمة تتطلب حقاً أكبر للتدخل في شؤون الدول الأخرى.
إن خطابات ترامب خطيرة بالنسبة لريتشارد هاس، ولكن يمكن أن تكون تخدم رؤية هاس. حيث إن الفوضى التي يحدثها ترامب من خلال التحدّي الصارخ "للنظام العالمي القديم" يمكن أن تضع المسمار الأخير في ذات النظريات الغربية في إدارة الدول منذ مؤتمر ويستفاليا قبل 400 عام، ومن الممكن بناء نظام جديد على أنقاض "البديل اليمين" لترامب، إذا ما تمّ الانقضاض عليه في اللحظة الحرجة. وعلى الأغلب فإن من لديهم وعي سياسي في مراكز القرار الأمريكي والرأسماليين سوف يعملون تدريجيا على إعادة ترتيب إدارة ترامب والتقليديين نحو رؤيتهم الخاصة وسوف يحدّدون حلاً وسطاً حول حرية التجارة.
العدد الأخير من مجلة فورين أفيرز، وهي مجلة سياسية لمجلس العلاقات الخارجية يشير إلى المشاركة الجريئة مع ترامب. ففي مقالة لدوغ باندو ذات دلالة خاصة بعنوان (ترامب والتحالفات الأمريكية) يقول فيها: "يجب على ترامب تبنّي أجندة أكثر طُموحاً. عليه دعوة البلدان الأخرى ليس فقط للعمل أكثر لصالحهم ولكن أيضاً لتحمّل مسؤولية الدفاع عن أنفسهم".
رأيك في الموضوع