إن الوعود الكثيرة التي وعد بها ترامب والتي أدت لانتخابه قد تؤدي إلى سقوطه إذا لم ينجح في أمرين وهما: تحقيق التوازن بين أجندات أولئك الذين ساندوه، وتجنب العزلة عن الذين عارضوه.
ترامب كان مدعوما بشكل أكبر من داخل الحزب الجمهوري من قبل فصيل "حزب الشاي"، الذي يتغذى بشكل جيد من قبل المؤسسات الخيرية الممولة بشكل جيد وسياسة مراكز البحوث التي تعمل على الترويج لفكرة أن تخفيض الضرائب على الأغنياء سيكون من الجيد جدا لأمريكا. الإخوة كوخ، الذين يتصدرون القوائم كثاني أغنى عائلة في أمريكا، تبرعوا بمئات الملايين من الدولارات لدعم حركة "حزب الشاي". مع ذلك تشارلز كوتش، الذي يعد تاسع أغنى رجل في العالم، تذمر من كل من ترامب وكلينتون في مؤتمر فورتشن للعصف الذهني التكنولوجي في 11 تموز/يوليو: "هل ستصوبون مسدسا إلى رأسي حتى أصوت؟ إن كنت سأختار بين السرطان أو الأزمة القلبية فلماذا علي الاختيار؟" معضلة كوخ مع ترامب هي أنه على الرغم من أن ترامب يدعم خفض الضرائب، إلا أنه قد وعد بفعل شيء آخر والذي دعاه كوخ بـ"المسخ". وهو بأن ترامب يدعي بأنه سينهي اتفاقيات التجارة الحرة مثل النافتا وفرض رسوم جمركية على الواردات، والذي بدوره سيكون ضارا جدا بالنسبة لصناعات كوخ. لقد أزعج ترامب بعض الرأسماليين الأقوياء في الولايات المتحدة بأجندته للتجارة، والذي يهدد بإشعال حروب التجارة، وذلك من أجل الحصول على دعم فرع آخر من الجناح اليميني في أمريكا والذي يعد أكثر راديكالية بكثير من فصيل "حزب الشاي" في الحزب الجمهوري. هذه الحركة المتطرفة تسمى باليمين البديل أو "بديل اليمين".
وتعتقد حركة اليمين البديل (بديل اليمين) بأن الولايات المتحدة وسياستها القديمة فاسدة، وأنه عليها بناء جدران لحماية هويتها الحقيقية. فهم يرتابون من التجارة الحرة، لأنهم يخشون من أن تحل المنتجات الأجنبية الرخيصة محل تلك المصنوعة في أمريكا. مثال على هذا الموقف يتبين في خطاب ترامب في اجتماع حاشد في ولاية لويزيانا، في 9 كانون أول/ديسمبر، حيث قال: "سنقوم بإعادة التفاوض على صفقاتنا التجارية، والتوقف عن إلقاء المنتجات والتلاعب بالعملة الذي يعد بمثابة كارثة بالنسبة لبلدنا... في كل مرة نسرع بالعمل، الصين وغيرها يقومون بضرب قيمة عملتهم، ومن ثم نعود إلى الوراء، وهذا لا يعمل يا قوم". مسألة الهوية العرقية تعتبر مسألة شائعة لدى اليمين البديل، ولا تروق لهم الهجرة إلى الولايات المتحدة من قبل الشعوب غير البيضاء فهم يعتقدون بأن وظائفهم وامتيازاتهم قد أخذت من حق الناس البيض. وترامب تمت ترقيته باستمرار بناء على هذه الآراء. وفي 8 كانون أول/ديسمبر ألقى خطاب النصر، حيث قال بأن هجوما من قبل مهاجر صومالي أدى إلى إصابة 11 شخصا في جامعة ولاية أوهايو والذي كان: "تذكير مأساوي آخر وهو أن أمن الهجرة الآن هو أمن قومي... سوف نولي من شعبنا - ليس أناسا من أراض أخرى، علينا إعادة شعبنا إلى العمل".
يركز (اليمين البديل) أيضا على الهوية الأيديولوجية، ويخشون الإسلام ويكرهونه. حيث تم استغلال كل هذه المخاوف والمعتقدات من قبل ترامب للحصول على دعم قوي خلال الانتخابات، كما أنه يستمر في تعزيز سياسات اليمين البديل وإحاطة نفسه بمثل هذه الآراء. لقد شغل مدير حملة ترامب ستيفن بانون سابقا رئيس تحرير موقع اليمين البديل المسمى بأخبار بريتبارت وقد تم اختياره فورا ليكون كبير الاستراتيجيين لإدارة ترامب الجديدة. الجنرال مايكل فلين سيتولى منصب مستشار الأمن القومي وقد نشر كتابا جديدا بعنوان "ميدان المعركة"، والذي يشرح وجهة نظره بأن إدارة أوباما فشلت في تحديد العدو الحقيقي للولايات المتحدة، والذي بحسب قوله هو الإسلام الراديكالي. ويشاطره هذا الرأي بانون، وكذلك كاثلين مكفارلاند من فوكس نيوز التي ستكون نائبا لمستشار الأمن القومي. كما تم اختيار الجنرال ماتيس الملقب "بالكلب المسعور" لإشغال منصب وزير الدفاع. وقد اشتهر بقوله على شاشات التلفزيون في عام 2011: "تذهب إلى أفغانستان، فتجد رجالا يصفعون النساء لمدة خمس سنوات لأنها لا ترتدي الحجاب. والرجال من هذا القبيل لم يبق عندهم إنسانية على أي حال ولذلك فإن إطلاق النار عليهم متعة كبيرة". هؤلاء المرشحون يشاركون ترامب خطاب اليمين البديل ضد الإسلام، ولكن الخلاف بينهم وبين إدارة أوباما هو على التسميات لا على الفكرة. فإن أوباما قد أنشأ التحالفات العسكرية والسياسية لمحاربة عودة الإسلام إلى الشرق الأوسط، كما أن ترامب يعد بالشيء نفسه. وكل ما في الأمر هو أن أوباما يتظاهر في خطاباته على أنه يحترم الإسلام، وحارب (الإرهاب)، في حين إن ترامب وأنصاره يقومون بإهانة المسلمين وانتقاد الإسلام مباشرة.
وعلى الرغم من خطاب ترامب العنيف وتلك التعيينات المرتبطة باليمين البديل، فإن العديد من اختيارات ترامب لأعضاء الحكومة الجدد هي من حركة حزب الشاي، وكذلك الكثير من الأعضاء المحافظين من الحزب الجمهوري، ممّا يدل على محاولته تحقيق التوازن في حكومته الجديدة واسترضاء الأعداء المحتملين. حتى إنه قد عين أشخاصًا انتقدوه في السابق في بعض المناصب، مثل تعيينه نيكي هالي ممثلةً للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، والتي قالت خلال حملة الانتخابات الرئاسية: "إن مساهمة السيد ترامب بالتأكيد كما أعتقد ليست إلا كلامًا غير مسؤول". كما عين ترامب بيتسي ديفوس لمنصب وزيرة التعليم، والتي قالت عنه في شهر آذار/مارس: "لا أعتقد أن دونالد ترامب يمثل الحزب الجمهوري." ومن المثير للاهتمام، أن ثروة عائلتها قد بلغت 5.1 مليار دولار، وشقيقها، إريك برنس، قد أسس شركة المرتزقة الإجرامية، بلاك ووتر، التي قامت بالأعمال القذرة في العراق وأفغانستان لحساب المحافظين الجدد في إدارة بوش ونيابة عنهم. وأيضًا، بينما يرى بعض الرأسماليين أن ترامب يمثل خطرًا، فإن البعض الآخر سيستفيد كثيرًا من سياساته، لا سيما في قطاع الطاقة. إن أحد اختيارات ترامب العشرة المحتملة لوزير الخارجية هو ريكس تيلرسون، الرئيس والرئيس التنفيذي لشركة النفط العملاقة إكسون موبيل. وبالإضافة إلى الشخصيات التي يقوم ترامب باختيارها لتكون جزءا من فريق إدارته الجديدة، فإن طريقة قيامه بذلك أيضًا تنبئ بالكثير. وقد استخدم ترامب وفريق حملته الانتخابية موقع تويتر لاقتراح أسماء العديد من المرشحين المحتملين للمناصب في حكومته الجديدة ولمراقبة ردود الفعل. فعلى سبيل المثال، قام ترامب "بالتغريد" في 20 تشرين الثاني/نوفمبر بأن "الجنرال جيمس "الكلب المسعور" ماتيس... كان رائعًا جدًا يوم أمس. إنه جنرال عام بحق!". إن ترامب يزرع الفرقة والشك بين الناس، فهو يشيد بالجميع، واحدًا تلو الآخر، ويشير إلى امتلاكهم الصفات القيادية، ومن ثم يراقب وسائل الإعلام والمؤسسة السياسية لمعرفة من منهم سيتعرض للهجوم ومن سيحظى بالتأييد. ففي الوقت الذي صمت فيه ترامب لأسابيع بعد الإشارة إلى احتمال اختياره ميت رومني ورودولف جولياني لمنصب وزير الخارجية، احتدم خلاف عنيف داخل حزبه وأنصاره المقربين حول أخطاء كل منهما، ولذلك ما زال هذا المنصب المؤثر شاغرًا. وتستند رسالة ترامب الشعبوية على المكاسب المادية والخوف وانعدام الأمن، وستكون وعودها الفضفاضة صعبة التحقيق. وإن بلاده منقسمة على نفسها بعمق، وعلى الرغم من كونها الدولة الأقوى في العالم، إلا أنها قد انتخبت رئيسًا يعزز الخوف من العالم، ويخاف شعبها متعدد الأصول والأعراق من بعضهم بعضاً، وهذا الخوف سيتصاعد مع اقتراب موعد تسلم ترامب رئاسة الولايات المتحدة.
رأيك في الموضوع