يشبه الوضع السياسي في لبنان قصة تلك المرأة مع عمر رضي الله عنه عندما كانت تغلي في القدر ماء فسألها عمر رضي الله عنه عما في القدر فقالت: "قد جعلت فيها ماء هو ذا أعللهم به حتى يناموا، وأوهمهم أن فيها شيئا"، فالحراك السياسي في لبنان أشبه بتلك القدر تغلي وليس فيها إلا الماء، وذلك لأن الوضع السياسي في لبنان موقوف على ما سيسفر عنه الوضع في سوريا، وهذا أمر يدركه الفرقاء في لبنان.
وعلى ضوء التجميد الأمريكي للوضع في لبنان، وجد الخصوم والحلفاء في الوسط السياسي اللبناني هامشا (للولدنة) السياسية، كطلاب الصف الصغار يغتنمون فرصة انشغال المعلم ليقوموا بالمشاغبة والنطنطة حتى إذا سمعوا وقع أقدامه مقبلا إليهم، أسرع كل منهم إلى مقعده الذي أقعده فيه المعلم لا يتجاوزه، وهكذا هم غلمان السياسة في لبنان!
وعلى وقع هذه الحالة، يفهم الخلاف الذي دبّ بين أعضاء التحالف الواحد بل وشركاء العمالة الواحدة في 8 آذار، إذ إنهم في 8 آذار أصلا إنما جمعتهم العمالة لأمريكا وتحقيق مصالحها في لبنان وحماية نفوذها فيه، ولولا ذلك لما اجتمعوا؛ إذ إن بينهم من التناقض والاختلاف والتنافس الفاسد والثارات القديمة والأحقاد الدفينة الشيء الكثير، وهم أقرب لكونهم رؤساء عصابات من كونهم سياسيين!
والعلاقة بين أقطاب 8 آذار لم تكن قبل هذا على سواء أصلا، فالتشاغب بينهم كان ظاهرا منذ البداية، إلا أن مواقفهم النهائية التي تتعلق بتنفيذ ما تريد أمريكا لم تكن تتأثر بهذا التشاغب، فمثلا العلاقة بين نبيه بري (حركة أمل) وميشال عون (التيار الوطني الحر) لم تكن يوما صافية، فقد ظهرت خلافاتهما منذ الانتخابات النيابية 2009 عندما رفض عون ترشيح نائب جزين السابق سمير عازار على اللائحة المشتركة ودعمت (أمل) ترشيحه، وخلافهما على مسألة أولوية استدراج عروض لتلزيم بلوكات النفط، وتصديق عقود تأهيل معامل إنتاج الكهرباء في الجية والزوق ودير عمار، وعلى الرغم من اتفاق عون وبري لاحقا على ملف النفط إلا أن الخلاف بين الرجلين أو العصابتين على ملفات المكاسب ليس مرشحا للانتهاء، وكذلك العلاقة بين سليمان فرنجية وتيار ميشال عون لم تكن على سواء حتى قبل ترشيح الحريري لفرنجية، ففي 3/5/2013 نشر موقع (ليبانون نيوز) خبرا مفاده (برز في الصالونات السياسية خلال الأيام الثلاثة الماضية حديث عن خلاف بين النائبين ميشال عون وسليمان فرنجية، استدعى تدخل حلفاء الطرفين لترطيب الأجواء. وفيما أكّدت مصادر فريق الأكثرية الوزارية السابقة وجود خلاف بين الطرفين، لفتت إلى أن أحوال فريق 8 آذار برمته ليست بخير. ففضلاً عن الشكوى الدائمة لدى قوى «الصف الثاني» (قياساً بالثقل الشعبي) من التهميش داخل الفريق، ثمة أزمة ثقة تكاد تكون بلا حل، بين الرئيس نبيه بري وعون. لكن المستجد هو الخلاف الذي وصل إلى حد القطيعة خلال الأسابيع الماضية بين عون وفرنجية. فالأخير يرى أن حليفه «الأكبر» عون، يتجاهله، ولا يستشيره في معظم القرارات. كذلك يُغَيَّب ممثلو فرنجية عن عدد كبير من اللقاءات «التقريرية» التي يعقدها أبناء الصف الواحد. أضِف إلى ذلك أن الزعيم الزغرتاوي اعترض على أداء «الخط» قبل تسمية الرئيس تمام سلام لترؤس الحكومة. فهو يرى أن فريق 8 آذار لم يكن مضطراً ليمنح كل أصواته لسلام: «حزب الله وحركة أمل وعون يجب أن يسموه. لا بأس بذلك. لكن لماذا أنا والبعثيون والقوميون وطلال أرسلان وباقي نواب فريقنا غير الحزبيين مضطرون لفعل ذلك؟». ويؤكد فرنجية أن نظرته السلبية تجاه سلام ستصحّ في النهاية، لأن الرئيس المكلف لن «يردّ الجميل» لـ 8 آذار. ما تقدّم تراكَمَ في ظل حساسية لدى فرنجية من الوزير جبران باسيل، لا تُفصِح مصادر 8 آذار عن أسبابها...)، وقد تفجر الخلاف بينهما بعد قيام الحريري بترشيح سليمان فرنجية بدعم وموافقة من نبيه بري ووليد جنبلاط.
وهذه العلاقة المتوترة بين فرنجية وعون وبري وعون انسحبت على جلسات الحوار إذ ما إن طرح جبران باسيل اعتراضه باسم "الميثاقية" (متحدثا عما جرى في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة ووفق معلومات "النهار" فقد انتقد باسيل انعقاد الجلسة، في حضور 6 في المئة فقط ممن يمثل المسيحيين، معتبرا أن هذا الأمر أكبر مخالفة للميثاقية، وأن "التيار" يرفض هذا الأمر، وأن الطعن في هذا الخصوص قد تحضر) (النهار 5/9/2016)وقد رد سليمان فرنجية على ذلك باعتبار الكلام عن التمثيل النصراني يمسه (فقال لباسيل: "أنا أمثل الناس أباً عن جد أما أنت فمن تمثل؟ سقطت 6 مرات في الانتخابات (البلدية والنيابية) وعمّك عينك مديراً عاماً لتياره لأنك "ما استرجيت" تخوض الانتخابات في التيار" وأضاف "نحن مشينا مع الجنرال ميشال عون حتى النهاية لكنكم أوصلتمونا إلى مكان أصبحتم تخيرون الناس فيه بين أن يعطوكم ما تريدون أو "عمرها ما تكون جمهورية" وهذه مسألة لا نقبل بها") (موقع جنوبية 6/9/2016).
وقد يظن البعض أن حزب إيران يشكل نقطة الالتقاء بين أطراف 8 آذار جميعها، مع العلم أنه ليس بعيدا عن الوقوع في مأزق الخصومة مع الأحلاف، فأقرب الحلفاء لحزب إيران في لبنان هي حركة أمل الشيعية فقد نشر موقع عربي 21 في 30/6/2015 خبرا مفاده (اندلع الأحد اشتباك مسلح بين حركة أمل وحزب الله في بلدة عدشيت في جنوب لبنان بدأ بتضارب بالأيدي والعصي، وتحول إلى إطلاق نار، مسفرا عن سقوط ثلاثة جرحى أحدهم إصابته حرجة..).
وكذلك الخلاف الذي نشب بينهما على رئاسة بلدية عدلون (يوضح عضو البلدية المنتخب المنتمي إلى حركة "أمل" محمد سعد أنه "كان هناك اتفاق مع حزب الله قبيل الانتخابات لانتخاب سميح وهبي رئيساً للبلدية أول 3 سنوات ولكن بعد التشطيب الذي حصل من قبل الفريق الآخر خسرنا عدداً من الأعضاء وغيّر الحزب الشروط وبات يطالب بأن يحصل هو على أول ثلاث سنوات من رئاسة البلدية إلاّ أن وهبي رفض ذلك"، مؤكداً أن "الخلاف حالياً هو على من يحصل على أول ثلاث سنوات من ولاية رئيس البلدية".) (النشرة اللبنانية 21/7/2016)، وليس خافيا أيضا خلافهما حول الملف الرئاسي فحزب إيران يعلن دعمه لعون و"أمل" لا تدعم ذلك.
وهكذا فإن الخلافات بين جميع الفرقاء في لبنان متشعبة ومتشابكة، وينطبق الأمر نفسه على فريق 14 آذار، وقد أشرنا إلى ذلك سابقا، والرابط الوحيد الذي يربط فرقاء 8 آذار هو العمالة لأمريكا، لذلك فإن الخلاف بينهم لا يعدو كونه خلاف "ولدنة" ما يلبث أن يتلاشى مع قرع أمريكا الجرس ليعود كل منهم إلى مقعده!، ويعتمد هذا كله على ما ستسفر عنه ثورة الشام من نتائج حيث الأمل معقود به سبحانه أن يحيق مكر أمريكا السيئ بها وبأذنابها، وتعود الشام عقر دار الإسلام بإذن الله لتلحق بها لبنان وما وراء لبنان في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع