(مترجم)
في الخامس عشر من تموز/يوليو، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها بعض الضباط في الجيش، بدأت الحكومة إجراء عمليات مهمة بشكل سريع. وكما تعلمون، منذ اليوم الذي تولى فيه حزب العدالة والتنمية السلطة بقيادة أردوغان، حاول اغتنام كل الفرص التي تنشأ لإجراء تغييرات في النظام. في البداية حاول إجراء تغييرات على الجمهورية العلمانية، التي أنشئت من قبل الإنجليز، من خلال قانون الاتحاد الأوروبي، والديمقراطية والحريات. فمن خلال هذه الأمور قام بإجراء تغييرات خاصة في السلطة القضائية. حتى عام 2013، عمل حزب العدالة والتنمية، بالتعاون مع ما تسمى جماعة فتح الله غولان أو "الكيان الموازي"، وفقا للسياسة الأمريكية وأبعد مجموعة من القوميين من الجيش من خلال عمليات متتالية، تحت مسميات مختلفة، على الجنود، التي بدأت مع قضية إيرجينيكون.
ولكن بعد 17-25 كانون الأول/ديسمبر قامت الحكومة، التي بدأت تواجه مشاكل مع القضاة وغيرهم من موظفي الخدمة المدنية، بالإفراج، وتبرئة وتعويض كل الجنود والمدنيين الذين كانوا يعملون مع الإنجليز بقرار المحكمة الدستورية. ووفقا لاتفاق ما بين الحكومة والقوميين، فقد تم تعيين القوميين في المناصب التي تم تطهيرها في القضاء، من التنظيم الذي يسمى "الجماعة".
بعد ساعات من محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز/يوليو أدلى الرئيس أردوغان بالتصريحات التالية من مطار اسطنبول: "في النهاية هذه الحركة (الانقلابية) هي هدية عظيمة من الله، هذه الحركة سوف تساهم في تطهير القوات المسلحة التركية التي كان ينبغي أن تكون نظيفة...". لقد أصبحت محاولة الانقلاب هذه فرصة ذهبية للحكومة، التي تقاتل ضد جماعة الإنجليز، وأمريكا هي التي من ورائها. لأنه حتى هذا اليوم، فإن الحكومة تواجه دائما مشاكل من القضاة كلما أرادوا أن يفعلوا شيئا، وكلما أرادوا إضفاء الشرعية على ما قاموا به. وقد أعلن الرئيس أردوغان في 21 تموز/يوليو فرض حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر في تركيا، وأنه سوف يقوم بتمديدها إذا لزم الأمر. في الواقع فإن حالة قانون الطوارئ هذه تضفي الشرعية على كل ما تريد الحكومة القيام به، وهي قانون (!) وفقا للدستور. من خلال هذا القانون يمكن للحكومة إصدار مراسيم واتخاذ القرارات التي لا يمكن لأحد أن يعارضها فيها. وفي واقع الأمر، فإن مرسومها الأول يسمح بزيادة فترة الاعتقال دون توجيه اتهام من 4 أيام إلى 30 يوماً.
ومن خلال كل ما حدث منذ 15 تموز /يوليو نستطيع أن نقول التالي:
1-ستحاول الحكومة تحت سيطرة أردوغان إجراء تغييرات هيكلية في الجمهورية من خلال المراسيم. وقال رئيس الوزراء يلدريم في تصريح أدلى به على قناة NTVمساء يوم 23 تموز/يوليو، أن قوات الدرك "الجندرما" ستكون بشكل قطعي تابعة لوزارة الشؤون الداخلية. كما قدم وزير الشؤون الداخلية إيفكان علاء هذه التصريحات إلى NTV في 22 تموز/يوليو: "... وسوف يتم التعليم والتعيين من قبلنا، وهناك حاجة إلى إعادة هيكلة وقد نقوم أيضا بوضع مؤسسات جديدة. سوف نقوم بشكل قطعي، وبشكل تام بإلحاق جهاز «الدرك» إلى وزارة الشؤون الداخلية. ثانيا، سيتم النظر في إجراء التعديلات في الجنود وهذا يشمل رئيس الأركان، ورئيس وزارة الأمن الوطني،... ونحن لن نعطي انطباعا لأي جهة، بأنه عند السيطرة على تلك المراكز، بسبب مركزية السلطة، فإن هناك إمكانية للسيطرة على كامل تركيا."....
2- يظهر الضباط القوميون الذين كانوا تحت الاعتقال في الماضي، وبسبب ذلك أبعدوا من الجيش، يظهرون على شاشات التلفزيون، ويعرضون ما فعلته جماعة فتح الله غولن، ويحاولون من خلال ذلك تبرئة أنفسهم، في حين إن الحكومة تحاول منع الهجوم عليهم عن طريق وضع الجماعة أمامهم كطُعم. بل إن الحكومة تدعو بعض الضباط الموالين للإنجليز إلى الخدمة، في المرحلة الجديدة بموجب قانون الطوارئ. إلا أن إعادة تعيين الحكومة لبعض الضباط القوميين لن يمنح نفوذا للإنجليز في الجيش. لأنك إذا نظرت إلى الفقرة السابقة، تجد أن وزير الشؤون الداخلية ذكر أن الجنود لن يكون لهم التدابير القديمة بسبب التغييرات الهيكلية التي سوف تتم في رئاسة الأركان والجيش.
3- أقالت الحكومة أكثر من 60,000 من موظفي القطاع العام حتى الآن، وسوف تقوم بإقالة المزيد. وسوف تكون هناك تغييرات جوهرية في محكمة الاستئناف العليا، ومجلس الدولة ومحاكم أخرى في هذه العملية. وقد ذكرت الحكومة أن هذه التغييرات كان يراد القيام بها في هذه المؤسسات حتى قبل الانقلاب. ولكن هذه الحادثة قد أعطت فرصة للحكومة لإجراء التغييرات التي تريدها دون أن تواجه أية عقبات.
4-لقد حصلت الحكومة على فرصة كبيرة لتنظيف الجيش من خلال جماعة فتح الله غولن. فقد اعتقل حتى الآن 119 من بين 125 جنرالا وأدميرالا. وتطال عمليات التطهير في الجيش، واحدا تلو الآخر، في كل قسم. ويبدو أن هذه الاعتقالات، للضباط من مختلف الرتب، سوف تزداد أكثر.
5- في أعقاب محاولة الانقلاب ذكر بعض الوزراء أن أمريكا كانت وراء الانقلاب. وكرر نائب رئيس الوزراء نور الدين كانيكلي ذلك في البيان الذي ألقاه في 24 تموز/ يوليو لقناة تلفزيونية. لكن أوباما أعرب عن انزعاجه من مثل هذه التصريحات التي أدلت بها السلطات التركية، مما جعله يصرح بالآتي: "أي تقارير، تتحدث عن وجود معرفة مسبقة للولايات المتحدة بمحاولة الانقلاب غير صحيحة على الإطلاق. تداول شائعات مثل هذه يضع مواطني الولايات المتحدة في الأراضي التركية في خطر". ولكن كل هذا لا يسبب أية مشكلة للعلاقات بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية. كما أن أوباما استخدم هذه التصريحات في موضوع عودة فتح الله غولن: "إن عملية عودة فتح الله غولن سوف تتحرك قانونيا، القرار ليس لي". ويبدو من البيانات التي أصدرتها القيادة الأمريكية، أن أمريكا لن تسلم فتح الله غولن بسهولة.
6- لن تؤثر هذه المحاولة على العلاقات التركية الروسية وبسبب ذلك، لن يكون هناك أية مشاكل بينهما حول الأزمة في سوريا إذا حصلت أي تطورات إقليمية جديدة. لأنه، كما قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، "إن تطور الأحداث السلبي ضمن سيناريو إطاحة الحكومة الشرعية كان سيؤدي إلى مأساة داخل تركيا بل زيادة زعزعة الاستقرار في المنطقة". إن ذلك سوف يؤدي فقط إلى تأخير اتخاذ الإجراء الجديد حول الأزمة السورية لبعض الوقت.
بقلم: محمد حنفي يغمور
رأيك في الموضوع