تشهد جوبا منذ الخميس الماضي معارك بين القوات الحكومية وقوات المتمردين التابعين لرياك مشار نائب الرئيس سلفاكير. ويتبادل المعسكران الاتهام بالمسؤولية عن تجدد أعمال العنف، وحسب موقع رويترز فقد بدأت أعمال العنف لفترة وجيزة يوم الخميس 7/7/2016م، حين حاول جنود موالون لكير تفتيش مركبات تابعة لأنصار مشار فتحولت المواجهة إلى اشتباكات، واندلع القتال مرة أخرى يوم الجمعة الماضي بين الحرس الشخصي لنائب الرئيس، وحرس الرئاسة في حين كان الرجلان يجريان محادثات لنزع فتيل التوتر.
وبرغم العفو العام الذي أعلنه سلفاكير اليوم الأربعاء - في بيان رئاسي حمل توقيعه - عن المتمردين، إلا أنَّ الوضع لا يزال هشا، وفق ما صرح به المسؤول عن عمليات حفظ السلام الدولية إيرف لادسو.
وأثار القتال الأخير مخاوف من العودة إلى الحرب الأهلية التي اندلعت نهاية عام 2013 إثر عزل الرئيس نائبه، وتسبب القتال منذ ذلك الوقت في مقتل آلاف المدنيين والعسكريين، ونزوح مئات الآلاف، بل هناك شك في قدرة استمرار وصمود اتفاق السلام الموقع بين الطرفين في آب/أغسطس الماضي 2015م، الذي من بنوده تشكيل قيادة مشتركة وجيش مشترك وشرطة مشتركة لتأمين جوبا، إلى جانب كل المسائل الأخرى التي جرى التوصل إليها في الاتفاق دون تنفيذها حتى الآن.
مشكلة جنوب السودان، هي المشكلة التي تعاني منها كل بلاد المسلمين وهي غياب الفكرة السياسية الصحيحة التي تحدد الحقوق والواجبات لكل أفراد المجتمع وتبسط العدل، وتساوي بين الناس دون تمييزهم على أسس قبلية أو عنصرية أو نحوه، غياب هذه الفكرة يجعل السياسيين يراهنون في فوزهم وانتصارهم على التدخل الغربي الطامع في ثروات البلاد، وإذلال العباد، وهذا ما يمر به الجنوب، الذي انفتحت له شهية الدول الاستعمارية منذ القديم لما فيه من ثروات عظيمة، ولضعف النسيج المجتمعي الذي يمكن أن تشتعل فيه الحروب لأتفه الأسباب، كما كان العرب في الجاهلية، ويرى بعض المراقبين أن هذه المعارك تهدد اتفاق السلام الهش الموقع في 2015 بين الرئيس سلفاكير ونائبه زعيم التمرد السابق رياك مشار، ولكن في الحقيقة أنها تهدد وبشكل قاطع حتى اتفاق السلام المشؤوم المسمى (بنيفاشا) الذي به فُصل جنوب السودان عن شماله، وسُلم أهله إلى مجرمي الحركة الشعبية يعيثون فيهم فسادًا وإفسادًا، برعاية وإشراف أمريكي كامل بقصد نهب ثروات هذا البلد، وليمثل دولة ذات صبغة نصرانية تمنع المد الإسلامي القوي من الدخول والتغلغل إلى أفريقيا عبر هذه البوابة المهمة، إلا أن حكومة الجنوب فشلت في إدارة شؤون هذا البلد، يقول مادينجنغور، أحد الصحافيين والمعلقين البارزين في العاصمة جوبا، إن جنوب السودان يدخل مرحلة حرجة، ويعلق على ذلك بقوله إن (الصراع على السلطة في الحزب الحاكم يقتل هذا البلد).
الحقيقة الدقيقة هي أنَّ الصراع في الجنوب هو صراع مصالح بين أمريكا وبريطانيا، عبر عملائهم الفاعلين في الجنوب الذين لا يفكرون إلا في إرضاء أسيادهم الذين صنعوهم ومدوهم بالمال والسلاح والحماية والدعاية وفتحوا لهم الإعلام وسوقوا لقضيتهم عالمياً منذ عام 1983م، وجيشوا العالم حتى يتم انفصال جنوب السودان عن شماله، ومن ثم نهب خيراته وثرواته، خاصة أن الجنوب لا تقوده أحزاب ذات حضارة ولا نهضة فكرية، أو ثلة واعية، يمكن أن تنتفض لما يدور من فساد فتخرج من عباءة المستعمرين، الذين لن يسمحوا لما يسمى بدول العالم الثالث أن تنعم بالسلام والاستقرار، وذلك حتى يجدوا المبرر للتدخل في الشؤون الداخلية لهذه البلاد، ولقد رأينا هذا الاستقطاب الحاد للوسط السياسي في أفريقيا عموماً لتحقيق أهداف ومصالح هذه الدول الرأسمالية، أهمها سرقة الموارد ولو أدى لقتل كل أهل الجنوب، وعندما يحترق البلد تقوم هذه الدول بإجلاء رعاياها، فقد دفع القتال الأمم المتحدة وبعض الدول إلى سحب موظفيها. وأرسلت الولايات المتحدة 47 جنديا إضافيا لحماية الرعايا الأمريكيين والسفارة الأمريكية (رويترز)، وهي ليست المرة الأولى التي ترسل فيها أمريكا مثل هذه القوة، ففي 23/12/2013م جُرح أربعة جنود أمريكيين بإطلاق نار على مروحيتهم بالقرب من مطار بور، وأوضح الرئيس الأمريكي حينها، أن الجنود كانوا مجموعة من حوالي 46 عسكريا وصلوا في عملية إجلاء أمريكيين من جنوب السودان مضيفاً أن الولايات المتحدة ستظل شريكا راسخاً لجوبا. بي بي سي 20/12/2013م.
ختاما ستظل الأجواء في الجنوب على هذه الحال حتى تستقر الأمور لأحد الطرفين المتصارعين في الجنوب (أمريكا وبريطانيا) عبر عملائهما سلفاكير ومشار، أو يبرم الله لهذه الأمة أمر رشد فتستأنف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي ستطرد المستعمرين وتنصر المستضعفين، وترفع الذل عن المسلمين، ويسود حكم الله على العالم، وما ذلك على الله بعزيز، والخيار الأخير هو الصبح الذي لاحت بشائره في الأفق بإذن الله، أليس الصبح بقريب؟!.
بقلم: محمد جامع (أبو أيمن)
رأيك في الموضوع