وأكدوزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف أن "التهديد الإرهابي ما زال قائما في فرنسا، ونحن في حرب عليه". وقال الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند "إنه لا يمكن إنكار "الطابع الإرهابي" لعملية الدعس التي تمت في مدينة نيس جنوب البلاد، معتبرا أن فرنسا كلها تقع تحت ما وصفه بـ "تهديد الإرهاب الإسلامي". وأعلن تمديد حالة الطوارئ في فرنسا لمدة ثلاثة أشهر أخرى، وتجنيد عشرة آلاف عنصر ودعوة كل قوات الاحتياط في الجيش الفرنسي، ضمن خطة مواجهة هجوم مدينة نيس، معلنا أن فرنسا "ستعزز تدخلها في سوريا والعراق". وقد عبرت الحكومة البريطانية عن "صدمتها" إزاء الاعتداء "المروع" الذي شهدته مدينة نيس.
وقد ندد الرئيس الأمريكي أوباما بالهجوم، وعرض تقديم أي مساعدة تحتاجها فرنسا خلال التحقيقات، وقال: "بالنيابة عن الشعب الأمريكي، أندد بأقوى العبارات ما يبدو أنه هجوم إرهابي مروع في نيس بفرنسا، والذي قتل وأصاب عشرات المدنيين الأبرياء". وكان لافتا ما أعلنته المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية هيلاري كلينتون، إذ أعربت عن قلقها من نقص التعاون بين وكالات الاستخبارات الأمريكية والأوروبية. وقالت كلينتون إن "إحدى المشاكل في أوروبا" هي أن دول القارة العجوز "لا تتشاطر المعلومات بالقدر الكافي..". أما الرئيس الروسي بوتين فقد أعرب عن تعازيه لنظيره الفرنسي بشأن سقوط العديد من الضحايا نتيجة الهجوم الإرهابي في نيس، داعيا إلى توحيد الجهود الدولية من أجل مكافحة الإرهاب. فأمريكا وروسيا تؤكدان على أهمية التنسيق فيما بينهما في سوريا وتطلبان تعاون فرنسا معهما وضم جهودها إلى جهودهما. وقد رأينا قادة أمريكا يصرحون بمثل ذلك عقب تفجيرات بروكسل، إذ قال وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر يوم 24/3/2016: "أعتقد أن اعتداءات بروكسل جاءت لتذكر أكثر الأوروبيين بأنهم بحاجة لتسريع جهودهم ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا وكما فعلت الولايات المتحدة بهذا الخصوص.. إنها تذكير لكل الذين يعربون في أوروبا عن شكهم في الحاجة إلى تكثيف الجهود".
ولكن فرنسا وعلى لسان رئيسها تغرد في سرب آخر وتتحدث عن تعزيز لوجودها في سوريا والعراق. أي أنها في صدد عمل خاص بها وليس مع أمريكا وروسيا. وكانت وزارة الدفاع الفرنسية قد أكدت يوم 9/6/2016 أنها أرسلت قوات خاصة إلى شمال سوريا بذريعة تقديم المشورة لقوات سوريا الديمقراطية العميلة، وتقوم وتدعم ثوارا تعتبرهم معتدلين وتقدم مساعدات لإداراتهم المحلية، وتعقد المؤتمرات للمعارضة المعتدلة عندها بفرنسا في محاولة للتأثير عليهم، سيما وأن من في هذه المعارضة يشتكون من تصرفات أمريكا معهم، حيث تعاملهم بإذلال وتعمل على إخضاعهم للتفاوض مع النظام بوجود الطاغية بشار أسد وتمنعهم من الحديث عن مصيره، فيجدون متنفسا لهم لدى فرنسا يوهمون أنفسهم أنهم شيء!
إن مثل هذه الهجمات التي توصف بالإرهابية ليست بعيدة عن أيدي مخابرات لدولة ما لتحقيق غايات سياسية، فأمريكا تعمل على القضاء على الثورة السورية ومن تلك الأعمال إظهارها بأنها خطرة وتفرخ الإرهابيين الذين يقومون بأعمال ضد الأبرياء، في الوقت الذي تريد فيه من الأوروبيين أن يسيروا معها وتحت مظلتها في سوريا والعراق، وخاصة أنها قد وقعت في مأزق، والروس الأغبياء البلهاء الذين يخدمونها بلا مقابل، بل بضرر واقع بهم، قد وقعوا في مأزق في سوريا فلم ينقذوا أنفسهم ولم ينقذوا أمريكا.
وأما الأوروبيون فهم أوعى على خطط أمريكا ويريدون أن يتخذوا خطا لهم منفصلاً عنها أو أن يكونوا على الأقل معها على مستوى واحد، وأمريكا تعمل على إجبارهم ليكونوا تحت مظلتها وقيادتها، وهم يرفضون ويصرون على نهجهم، حيث يزعجون أمريكا في ليبيا واليمن وفي جنوب السودان، وكذلك في سوريا والعراق حيث لا ينسقون معها، ويحاولون أن يفرضوا أنفسهم وأن يكونوا جهة أخرى لها اعتبارها دوليا.
وأما الشخص الذي أعلن أنه نفذ عملية الدهس في نيس، فقد ذكر أن له سوابق جنائية ومنها سياقته لشاحنة قبل شهر وهو مخمور ليصدم عدة سيارات، فليست له أية علاقة بالالتزام بأحكام الإسلام. وأما تنظيم الدولة فأصبح يتبنى كل عملية تحصل ضد الغربيين، ليظهر أن لديه قوى في كل مكان وقدرة على القيام بالأعمال ضد أعدائه وخاصة بعدما تعرض لخسائر كبيرة في العراق، وقد تبنى هجوما في بنغلادش وقع يوم 2/7/2016 ولكن السلطات هناك ذكرت أنه ليس له علاقة بتنظيم الدولة.
إنه وإن كانت الدول الغربية تحارب الإسلام والمسلمين وتحتل بلادا إسلامية وتقتل المسلمين فيها إما مباشرة أو من خلال عملائها، ولكن كثيرا من شعوب الغرب لا يدعمون تدخل بلادهم عسكريا في البلاد الأخرى، ولم تكن لديهم حساسية ضد المسلمين القاطنين بين ظهرانيهم، وإن كانت حكوماتهم الغربية بدأت تثيرهم ضد المسلمين لتنفيذ سياسات معينة، وتأتي هذه الحوادث من تفجيرات وهجمات وعمليات دهم ودهس لتزيد من إثارة الناس على المسلمين. فتقوم الدول الأوروبية لتستغل ذلك حتى جعل الرئيس الفرنسي يتحدث صراحة عن (الإرهاب الإسلامي) مما يضع كل المسلمين تحت التهمة. وهذا يبرر تدخلها في البلاد الإسلامية ليجعله عملا مشروعا لأنه يظهر كأن هذه الدول الغربية تقوم بالدفاع عن النفس.
إن الطريق الصحيح التي يفرض الإسلام على المسلمين أن ينتهجوها، أنهم عندما يعيشون في بلاد الكفار كمستأمنين أو رعايا أو مقيمين حسب تعهدات معينة أن يحترموها ولا ينقضوها، وأن يحملوا الدعوة الإسلامية لهم، ويكونوا مثالا للمسلم الحق في تصرفاته وتعاملاته كما أوجب عليه الإسلام أن يكون، ويعملوا على كسب تعاطف أهل البلد معهم لنصرة قضاياهم، ويطبقوا قول رسولهم الكريم e: «المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم». وأما في البلاد الإسلامية فيفرض عليهم إسلامهم أن يحولوها إلى دار إسلام يحكمونها به وأمانهم بأيديهم، فلا يجعلون للكافرين عليهم سبيلا، وذلك عن طريق إسقاط الأنظمة العميلة التي تحكمهم بغير ما أنزل الله وتوالي الدول الكافرة المستعمرة؛ ويقيموا على أنقاضها دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة. فعندئذ لا تتمكن هذه الدول من التآمر علينا ودخول بلادنا، بل يتم القضاء على كل نفوذ لتلك الدول.
رأيك في الموضوع