انعقد مؤتمر أكبر معارضة إيرانية (مجاهدي خلق) ضدّ النظام الحاكم في إيران في العاصمة الفرنسية باريس في التاسع من شهر تموز/يوليو الجاري، واختلف مؤتمر المعارضة هذا اختلافاً نوعياً عن سائر مؤتمراتها السابقة، والتي تُعقد بشكلٍ دوري في كل عام، فبالإضافة إلى مشاركة أكثر من 100 ألف إيراني حضروا المؤتمر من مختلف البلدان، فقد سبق انعقاد المؤتمر فعاليات تحضيرية شارك فيها شخصيات دولية ودبلوماسيون غربيون بارزون، ومنهم فيليب كراولي مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق الذي حرّض ضد إيران، وقال في ندوة بعنوان (أزمة الشرق الأوسط، ما الحل؟): "يجب التعاون مع الأنظمة المجاورة لإيران للوقوف في وجه الخطر الذي تُشكّله طهران"، وأضاف: "لا يمكن إنكار دور إيران في الشرق الأوسط، فهو دور مُدمّر في المنطقة خصوصاً في سوريا"، وفي ندوة ثانية بعنوان (عام بعد الاتفاق النووي) تحدّث فيها ميتشل ريس، وهو مدير سابق للتخطيط السياسي في الولايات المتحدة، ومدير حالي لمؤسسة أبحاث سياسية أمريكية مرموقة، حاثّاً الرئيس الأمريكي القادم على تغيير سياسته تجاه إيران، فقال: "على الرئيس القادم للولايات المتحدة أنْ يؤكد لحلفائنا العمل على إيجاد استراتيجية لتغيير النظام في إيران".
لقد كانت نبرة المتحدّثين في المؤتمر ضد النظام الإيراني مرتفعة جدّاً، فلم تكتف زعيمة المعارضة الإيرانية مريم رجوي بالدعوة إلى إسقاط نظام ولاية الفقيه في إيران وحسب، بل وانتقدت إدارة أوباما بمرارة وقالت بأنّ "سياسات أمريكا تجاه إيران يشوبها التضارب، وأفرزت مصائب للمنطقة"، واعتبرت أنّ الاتفاق النووي الذي وُقّع مع إيران قد "زاد من جرائم طهران"، وعلى غير عادتها في الخطابات التي يغلب عليها الصبغة الوطنية والعلمانية البحتة، فقد استخدمت هذه المرّة في خطابها البعد الطائفي الدارج إعلامياً فقالت: "إنّ السُنّة يتعرضون للاعتداء والقمع بسبب النظام أكثر من ذي قبل".
أمّا مفاجأة المؤتمر ذات العيار الثقيل فكانت مشاركة الأمير السعودي تركي الفيصل الرئيس السابق للاستخبارات السعودية، والسفير الأسبق في كل من واشنطن ولندن لسنوات طويلة، فقد كان هو نجم المؤتمر الحقيقي، وكان حضوره، وهتافه مع مريم رجوي لإسقاط النظام قد عكس تحوّلاً جذرياً في موقف الحكومة السعودية، الذي لم تجْرِ العادة على إظهار عدائها لإيران على هذا النحو السافر من قبل، وذلك من خلال دعم المعارضة بشكلٍ علني وصريح، فقد أكسب وجود تركي الفيصل في المؤتمر كل ذلك الزخم الذي صاحبه، وكانت كلماته قد أشعلت وسائل الإعلام الإيرانية والسعودية على حدٍ سواء، فقال: "إنّ نظام الخميني لم يجلب سوى الدمار والطائفية وسفك الدماء ليس لإيران وإنّما في جميع دول الشرق الأوسط"، وأضاف موجّهاً كلامه للمعارضة: "الانتفاضة اشتعلت ونحن في العالم الإسلامي نقف معكم قلباً وقالباً، نُناصركم، وندعو الباري أنْ يُسدّد خطاكم"، ثمّ وجّه كلامه مستفزّاً القيادة الإيرانية، ومهدّداً لها قائلاً: "من الأجدر لخامنئي وروحاني الانتباه لمشاكلهما في الداخل، وإنّ المعارضة الإيرانية ستُحقّق مبتغاها في رحيل نظام ولاية الفقيه".
وقد قامت وسائل الإعلام السعودية بِصُحُفِها وفضائياتها بحملة دعاية واسعة للمؤتمر - ومنها قناة الإخبارية السعودية الرسمية، وفضائية العربية المُموّلة من السعودية - أظهرت فيها مشاركة تركي بن عبد العزيز، وكأنّه ممثّل رسمي للسعودية في المؤتمر.
لكنّ الرد الإيراني لم يتأخّر على هذه التصريحات السعودية اللاذعة، فجاء غاضباً وسريعاً، لدرجة أنّ هذه الاستفزازات قد أخرجت وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن طوره فقال: "إنّ رئيس الاستخبارات السعودي السابق تركي الفيصل ينتظره مصير الرئيس العراقي الراحل صدام حسين"، وأمّا محسن رضائي أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام فتوعّد آل سعود بالاستئصال وقال: "رسالتنا إلى آل سعود هي أنّنا لا نغضب سريعاً، لكنّنا لو غضبنا فسوف لن نبقي لآل سعود أثراً على وجه الأرض".
وبهذا التصعيد الجديد في العلاقات السعودية الإيرانية يكون الصراع بين الدولتين قد دخل فصلاً جديداً تختلف ملامحه عمّا سبقه، تمّ فيه تجاوز خطوط حمراء سابقة كان لا يتم الاقتراب منها عادة، وأهمّها التدخل العلني والمباشر في الشؤون الداخلية بين الدولتين، فالسعودية بشكلٍ خاص كانت تنأى بنفسها في السابق عن انتهاج مثل هذه السياسة، وكانت تحرص على رفع شعار (عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى مثلما ترفض تدخل الدول الأخرى في شؤونها الداخلية)، ولكنّ قاعدتها الجديدة بعد هذا المؤتمر يبدو أنّها قد تغيّرت، وأصبحت تقوم على أساس سياسة التدخّل بالمثل.
يبدو أنّ أمريكا في نهاية عهد الرئيس أوباما تُريد إشغال المنطقة بالمزيد من التوتر والغليان تمهيداً لقدوم رئيس جديد، فمشاركة دبلوماسيين أمريكيين كبار في مداولات المؤتمر دليل على ذلك، ومشاركة شخص مثل تركي بن عبد العزيز، والذي يُعتبر رجل المهمّات السرّية والخطيرة يدلّ على أنّ لغة التصعيد بين السعودية وإيران هي اللغة المطلوبة في هذه الفترة، والهدف منها مزدوج، فمن جهة إيران المطلوب إضعاف قبضة التيّار المحافظ المتحكّم بالسلطة، وتمكين التيار الإصلاحي و(المعتدل) من الوصول إلى الحكم، بعد أنْ فشل في الوصول إليه من خلال الانتخابات التي فاز بها مؤخّراً، والسماح له بالتنافس على خلافة خامنئي على منصب المرشد العام، وأمّا من جهة السعودية فالمطلوب إضعاف قوّة التيّار (الديني) فيها، وتقوية ما يُسمّى بالتيّار (الشبابي) الذي يقوده محمد بن سلمان، والذي يسير بالدولة بقطاعيها العام والخاص باتّجاه نماذج الخصخصة والعولمة الرأسمالية وفقاً للرؤية الأمريكية.
انعقد مؤتمر أكبر معارضة إيرانية (مجاهدي خلق) ضدّ النظام الحاكم في إيران في العاصمة الفرنسية باريس في التاسع من شهر تموز/يوليو الجاري، واختلف مؤتمر المعارضة هذا اختلافاً نوعياً عن سائر مؤتمراتها السابقة، والتي تُعقد بشكلٍ دوري في كل عام، فبالإضافة إلى مشاركة أكثر من 100 ألف إيراني حضروا المؤتمر من مختلف البلدان، فقد سبق انعقاد المؤتمر فعاليات تحضيرية شارك فيها شخصيات دولية ودبلوماسيون غربيون بارزون، ومنهم فيليب كراولي مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق الذي حرّض ضد إيران، وقال في ندوة بعنوان (أزمة الشرق الأوسط، ما الحل؟): "يجب التعاون مع الأنظمة المجاورة لإيران للوقوف في وجه الخطر الذي تُشكّله طهران"، وأضاف: "لا يمكن إنكار دور إيران في الشرق الأوسط، فهو دور مُدمّر في المنطقة خصوصاً في سوريا"، وفي ندوة ثانية بعنوان (عام بعد الاتفاق النووي) تحدّث فيها ميتشل ريس، وهو مدير سابق للتخطيط السياسي في الولايات المتحدة، ومدير حالي لمؤسسة أبحاث سياسية أمريكية مرموقة، حاثّاً الرئيس الأمريكي القادم على تغيير سياسته تجاه إيران، فقال: "على الرئيس القادم للولايات المتحدة أنْ يؤكد لحلفائنا العمل على إيجاد استراتيجية لتغيير النظام في إيران".
لقد كانت نبرة المتحدّثين في المؤتمر ضد النظام الإيراني مرتفعة جدّاً، فلم تكتف زعيمة المعارضة الإيرانية مريم رجوي بالدعوة إلى إسقاط نظام ولاية الفقيه في إيران وحسب، بل وانتقدت إدارة أوباما بمرارة وقالت بأنّ "سياسات أمريكا تجاه إيران يشوبها التضارب، وأفرزت مصائب للمنطقة"، واعتبرت أنّ الاتفاق النووي الذي وُقّع مع إيران قد "زاد من جرائم طهران"، وعلى غير عادتها في الخطابات التي يغلب عليها الصبغة الوطنية والعلمانية البحتة، فقد استخدمت هذه المرّة في خطابها البعد الطائفي الدارج إعلامياً فقالت: "إنّ السُنّة يتعرضون للاعتداء والقمع بسبب النظام أكثر من ذي قبل".
أمّا مفاجأة المؤتمر ذات العيار الثقيل فكانت مشاركة الأمير السعودي تركي الفيصل الرئيس السابق للاستخبارات السعودية، والسفير الأسبق في كل من واشنطن ولندن لسنوات طويلة، فقد كان هو نجم المؤتمر الحقيقي، وكان حضوره، وهتافه مع مريم رجوي لإسقاط النظام قد عكس تحوّلاً جذرياً في موقف الحكومة السعودية، الذي لم تجْرِ العادة على إظهار عدائها لإيران على هذا النحو السافر من قبل، وذلك من خلال دعم المعارضة بشكلٍ علني وصريح، فقد أكسب وجود تركي الفيصل في المؤتمر كل ذلك الزخم الذي صاحبه، وكانت كلماته قد أشعلت وسائل الإعلام الإيرانية والسعودية على حدٍ سواء، فقال: "إنّ نظام الخميني لم يجلب سوى الدمار والطائفية وسفك الدماء ليس لإيران وإنّما في جميع دول الشرق الأوسط"، وأضاف موجّهاً كلامه للمعارضة: "الانتفاضة اشتعلت ونحن في العالم الإسلامي نقف معكم قلباً وقالباً، نُناصركم، وندعو الباري أنْ يُسدّد خطاكم"، ثمّ وجّه كلامه مستفزّاً القيادة الإيرانية، ومهدّداً لها قائلاً: "من الأجدر لخامنئي وروحاني الانتباه لمشاكلهما في الداخل، وإنّ المعارضة الإيرانية ستُحقّق مبتغاها في رحيل نظام ولاية الفقيه".
وقد قامت وسائل الإعلام السعودية بِصُحُفِها وفضائياتها بحملة دعاية واسعة للمؤتمر - ومنها قناة الإخبارية السعودية الرسمية، وفضائية العربية المُموّلة من السعودية - أظهرت فيها مشاركة تركي بن عبد العزيز، وكأنّه ممثّل رسمي للسعودية في المؤتمر.
لكنّ الرد الإيراني لم يتأخّر على هذه التصريحات السعودية اللاذعة، فجاء غاضباً وسريعاً، لدرجة أنّ هذه الاستفزازات قد أخرجت وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن طوره فقال: "إنّ رئيس الاستخبارات السعودي السابق تركي الفيصل ينتظره مصير الرئيس العراقي الراحل صدام حسين"، وأمّا محسن رضائي أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام فتوعّد آل سعود بالاستئصال وقال: "رسالتنا إلى آل سعود هي أنّنا لا نغضب سريعاً، لكنّنا لو غضبنا فسوف لن نبقي لآل سعود أثراً على وجه الأرض".
وبهذا التصعيد الجديد في العلاقات السعودية الإيرانية يكون الصراع بين الدولتين قد دخل فصلاً جديداً تختلف ملامحه عمّا سبقه، تمّ فيه تجاوز خطوط حمراء سابقة كان لا يتم الاقتراب منها عادة، وأهمّها التدخل العلني والمباشر في الشؤون الداخلية بين الدولتين، فالسعودية بشكلٍ خاص كانت تنأى بنفسها في السابق عن انتهاج مثل هذه السياسة، وكانت تحرص على رفع شعار (عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى مثلما ترفض تدخل الدول الأخرى في شؤونها الداخلية)، ولكنّ قاعدتها الجديدة بعد هذا المؤتمر يبدو أنّها قد تغيّرت، وأصبحت تقوم على أساس سياسة التدخّل بالمثل.
يبدو أنّ أمريكا في نهاية عهد الرئيس أوباما تُريد إشغال المنطقة بالمزيد من التوتر والغليان تمهيداً لقدوم رئيس جديد، فمشاركة دبلوماسيين أمريكيين كبار في مداولات المؤتمر دليل على ذلك، ومشاركة شخص مثل تركي بن عبد العزيز، والذي يُعتبر رجل المهمّات السرّية والخطيرة يدلّ على أنّ لغة التصعيد بين السعودية وإيران هي اللغة المطلوبة في هذه الفترة، والهدف منها مزدوج، فمن جهة إيران المطلوب إضعاف قبضة التيّار المحافظ المتحكّم بالسلطة، وتمكين التيار الإصلاحي و(المعتدل) من الوصول إلى الحكم، بعد أنْ فشل في الوصول إليه من خلال الانتخابات التي فاز بها مؤخّراً، والسماح له بالتنافس على خلافة خامنئي على منصب المرشد العام، وأمّا من جهة السعودية فالمطلوب إضعاف قوّة التيّار (الديني) فيها، وتقوية ما يُسمّى بالتيّار (الشبابي) الذي يقوده محمد بن سلمان، والذي يسير بالدولة بقطاعيها العام والخاص باتّجاه نماذج الخصخصة والعولمة الرأسمالية وفقاً للرؤية الأمريكية.
رأيك في الموضوع