اختتمت في السعودية يوم الخميس 21/4/2016 أعمال القمة الأمريكية الخليجية التي أعقبها صدور بيان ختامي للقمة، كما عقد الرئيس الأمريكي باراك أوباما مؤتمرا صحفيا في ختام أعمال القمة، وقد عقد أوباما المؤتمر الصحفي وحده دون مشاركة من طرف سعودي، وبدا لافتا أن أوباما عند حضوره للسعودية لم يكن في استقباله الملك السعودي أو ولي العهد أو ولي ولي العهد، وإنما استقبله السفير الأمريكي في السعودية، وأمير الرياض، ووزير الخارجية السعودي، وقد أبدت معظم وسائل الإعلام ملاحظاتها على هذا الاستقبال على أنه يدل على توتر العلاقة بين السعودية وأمريكا، وأن ذلك يحمل في طياته رسالة غضب سعودي، والحقيقة أنه لا يمكن تصور أن تكون السعودية بقيادة عملاء أمريكا سلمان ومحمد بن نايف ومحمد بن سلمان، قد تنحو باتجاه مشاكسة أمريكا ولو بروتوكوليا، فالسعودية بقيادة عملاء أمريكا انتهجت سياسة الانبطاح الكامل، والمسارعة في تلبية الرغبات الأمريكية، وحماية مصالح أمريكا ونفوذها في اليمن وسوريا والعراق ومصر، فهل يتصور أن يشاكس العبد المطيع سيده؟!
وإنما يحمل هذا النمط من الاستقبال في طياته إشارتين؛ الإشارة الأولى تكمن في أن أمريكا تعتبر السعودية ملكا لها، ومنطقة نفوذها الخالصة بعد وصول سلمان وزمرته، لذلك عند نزول أوباما من الطائرة استقبله السفير الأمريكي أولاوبدأ أوباما بمصافحة سفير بلاده جوزيف ويستفول وسيدة برفقته، وتحدث معه لفترة وجيزة، ثم بعد ذلك سلم على مستقبليه أمير منطقة الرياض ووزير الخارجية السعودي، وهذه إشارة لمن يعقل بأن أمريكا تعتبر السعودية منطقة نفوذ خالص لها. والإشارة الثانية، تتعلق بمن سيخلف الملك السعودي هل هو محمد بن نايف أم محمد بن سلمان؟، ومحاولات محمد بن سلمان الظهور على حساب محمد بن نايف أصبحت ظاهرة للعيان، وقد يكون هناك رغبة عند سلمان في أخذ موافقة أوباما على تتويج ابنه، وعدم وجود أحدهما في استقبال أوباما يبقي الملف معلقا، وقد أوردت صحيفة الإندبندنت البريطانية في تعليقها على زيارة أوباما قولها (...أن الأمر صعب وسري جدًّا، بشأن التنازل عن الحكم لكل من ولي العهد الأمير محمد بن نايف أو محمد بن سلمان، نجل ولي العهد، لكن الفراغ في السلطة لا يزال قائمًا وبعيدًا عن التفسير، ولا يساعد في تفسير التدمير الذاتي للسياسة الخارجية السعودية في الوقت الحاضر، والتحول المفاجئ في الاستخدام الحذر للثروة النفطية في تحقيق الأهداف، مع الحفاظ دائمًا على خياراتها المفتوحة، وصولًا إلى التسليح والمواجهة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية.) (صحيفة البديل 23/4/2016).
وبعيدا عن دلائل الاستقبال البروتوكولي، فإن اجتماع أوباما لدول الخليج في السعودية وما تمخض عن هذا الاجتماع، ليس بعيدا عن السياسة التي تنتهجها أمريكا في المنطقة، وقد أورد الصحفي الأمريكي جيفري غولدبيرغ في صحيفة أتلانتيك في شهر آذار نقلا عن أوباما قوله: "إن التنافس بين السعوديين والإيرانيين - والذي ساعد على تغذية الحروب بالوكالة وإثارة الفوضى في سوريا وفي العراق وفي اليمن - يتطلب منا أن نقول لأصدقائنا، وفي الوقت نفسه للإيرانيين، إنهم بحاجة لإيجاد طريقة مجدية لاقتسام الجوار وإقامة نوع من السلام البارد. إن المقاربة التي مفادها القول لأصدقائنا "أنتم على حق، إيران هي مصدر كل المشاكل، ونحن بدورنا سندعمكم في التصدي لإيران" سوف تعني بشكل أساسي أنه بينما تستمر هذه الصراعات الطائفية في الاشتعال، وأصدقاؤنا في الخليج، أي أصدقاؤنا التقليديون، لا يملكون القدرة على إطفاء ألسنة اللهب وحدهم أو لا يتمكنون من تحقيق انتصار حاسم وحدهم، وسوف تعني أننا سنبدأ في المجيء إلى المنطقة وفي استخدام قوتنا العسكرية لحسم الخلاف، فإن ذلك لن يكون لا في صالح الولايات المتحدة ولا في صالح الشرق الأوسط". (عربي21، 15/3/2016)
ومعادلة أوباما هذه "اقتسام الجوار وإقامة سلام بارد" تعني أن أمريكا تريد أن تبقي إيران سيفا مصلتا في وجه دول الخليج، فالمعادلة هي الخضوع التام مقابل الحماية، وهذا ما جاءت القمة لتكرسه، فقد قال أوباما في ختام القمة (...إن بلاده ستواصل محاربة تنظيم الدولة الإسلامية داعش، وأوضح أن الإدارة الأمريكية ستزيد من تعاونها الأمني مع دول المجلس لتعزيز قدرات الأخيرة الدفاعية. وسعى الرئيس الأمريكي إلى طمأنة دول الخليج بشأن أنشطة إيران في المنطقة، وجدد التزام واشنطن بمساعدة الدول الخليجية في وجه تحركات طهران. وقال إن الاتفاق النووي لا يعني تجاهل أنشطة الجمهورية الإسلامية، ومنها التجارب الصاروخية وإرسال شحنات الأسلحة إلى حلفائها. وأشار إلى أن الولايات المتحدة تحرص على أن تبقى إيران ملتزمة ببنود الاتفاق النووي...) (الحرة 21/4/2016)، وحرص الولايات المتحدة على بقاء إيران ملتزمة هو حجر الرحى في المعادلة!
كما أن من حيثيات القمة الخطيرة ما جاء في البيان الختامي (إن القادة استمعوا إلى تقرير عن الاجتماع المشترك لوزراء الدفاع في دول المجلس والولايات المتحدة، الذي أكد أهمية التمارين العسكرية بين مجلس التعاون والولايات المتحدة، معلنين أنهم سيبدأون على الفور في التخطيط لإجراء تمرين عسكري مشترك في آذار/مارس 2017، لعرض القدرات العسكرية المشتركة للجانبين. ووافق مجلس التعاون على التنفيذ العاجل لمبادرة جديدة لتدريب وحدات مختارة من قوات العمليات الخاصة من دول المجلس لتعزيز القدرات العملياتية المشتركة لمكافحة الإرهاب) (هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية 22/4/2016)، وتدريب وحدات مختارة من قوات العمليات الخاصة من دول الخليج تعني أن أمريكا تريد أن تصنع جنودا من أهل المنطقة يدينون بالولاء لها وتستعملهم في معارك قادمة، وهذه أحد أعمدة الاستراتيجية الأمريكية المتمثلة بالقيادة من الخلف، فلماذا تقاتل أمريكا بجنودها إذا وجدت من يقاتل بالنيابة عنها في المنطقة؟
وعلى هذا فإن لقاء أوباما لقادة دول الخليج جاء كإعلان أن منطقة الخليج منطقة نفوذ خالص لأمريكا، وأن مظلة الحماية الأمريكية ليست خدمة مجانية، وأمام دول الخليج خطران "إيران" و"تنظيم الدولة"، والمفتاح للخطرين بيد أمريكا. وهذه هي نتائج تسيُّد الأقزام على أمة الإسلام، فبدل أن تكون ثروات الأمة العظيمة ومقدراتها سببا في قوتها، وهيبتها، تصبح بيد الحكام الأقزام أداة للخضوع والذل والمهانة، وتقدم لأعداء الأمة قرابين ولاء وطاعة، فعسى الله سبحانه أن يبرم لهذه الأمة إبرام رشد يعز فيه أهل طاعته ويذل فيه أهل معصيته ويحكم فيه بالإسلام، وتسير به الجيوش وتخسأ به أمريكا والعملاء والأذناب!
رأيك في الموضوع