وعد مسؤولون في البرلمان السوداني مسؤولة بالسفارة الأمريكية في الخرطوم، بمراجعة المادة ١٥٢ من القانون الجنائي المتعلقة بالزي الفاضح، بالتعديل أو الإلغاء. واستفسرت مسؤولة الإدارة السياسية وحقوق الإنسان بالسفارة، لجنتي التشريع والعدل والشؤون الخارجية في البرلمان، عن قانون النظام العام والمادة ١٥٢ من القانون الجنائي والتي اعتبرت أنها تشكل انتهاكاً لحقوق المرأة. وقالت عضوة لجنة التشريع والعدل مثابة حاج عثمان في تصريحات لها، إن المسؤولة الأمريكية استفسرت عن المادة ١٥٢ باعتبارها جزءاً من قانون النظام العام، غير أن النواب أوضحوا لها أن المادة جزء من القانون الجنائي وليس قانون النظام العام الذي لا تتعدى مواده ٢٧ مادة. ولفتت "مثابة" إلى أن النواب وعدوا المسؤولة الأمريكية بمراجعة المادة بالتعديل أو الحذف، وأوضحت أن البرلمان سيراجع كافة المواد التي لا تتوافق مع الدستور. ورد البرلمان على استفسارات المسؤولة الأمريكية بشأن قضية "أبرار" المتهمة بالردة (بُرّئت لاحقاً)، بعدم مسؤولية الدولة عن الحكم الأوليّ الذي صدر، ونفوا وجود أي تمييز ديني في السودان الذي يضم كل الأديان واللادينيين. (صحيفة الجريدة 11/11/2015م).
لا تعد هذه هي المرة الأولى التي يخضع فيها البرلمان للاستجواب من مسؤولين أمريكان في وضح النهار بعيدا عن الغرف المغلقة، ودول الجوار التي كانت تستضيف لقاءات مسؤوليالحكومة والمسؤولين الأمريكان في علاقة ربع قرن من الزمان اتسمت بالتضليل عن حقيقة العلاقة، والتي كانت السرية التامة تلفها، فتظهر علاقة العداء في شعارات الخرطوم التي هي أشبه بشعارات مثل (الموت لأمريكا) التي كانت تهتف بها جماهير الثورة الإيرانية ردحا من الزمان، لتواجه اليوم اتفاقاً مع أمريكا، ويباركه الملالي، ويتكرر السيناريو نفسه في السودان، ولا تتوارى حكومة الخرطوم خجلا من تحسين علاقتها مع أمريكا، بل واستدرار عطفها وكأن شيئاً لم يكن وألسنة المسؤولين السودانيين تلهج بعبارات الاسترحام لخلق علاقة التطبيع أكثر من إعلان المسؤولين الأمريكان الذين ينظرون للعلاقة باعتبارها علاقة غير مشرفة لمن وصموهم بدعم الإرهاب والتطرف والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
فقد استفسر القائم بأعمال السفارة الأمريكية في الخرطوم، جيري لانير البرلمان عن التعديلات الدستورية المقترحة، وشدد على ضرورة رفع سقف الحريات الصحفية في البلاد. وأبلغت عفاف تاور رئيسة لجنة الإعلام والثقافة في البرلمان الصحفيين أنها أحالت القائم الأمريكي إلى لجنة التشريع والعدل في البرلمان بشأن استفساراته عن التعديلات الدستورية، والنظام الفيدرالي، وتعيين الولاة، ومركزية الأراضي، واتفاقية الدوحة (الجريدة 12/7/2015م)، هكذا تحاول أمريكا التدخل في أدق التفاصيل، والحكومة السودانية لا تمانع! بل تفتح الأبواب دون مواربة لهذا التدخل وتعتبره محموداً وانفراجاً في العلاقات، ومبشراً يحقق المراد، فقد أكدت الأستاذة/ عفاف أحمد عبد الرحمن، عضو البرلمان أن زيارة وفد الكونغرس الأمريكي للبلاد خطوة تسير في الاتجاه الصحيح لرفع العقوبات الأحادية.
إن التدخل الأمريكي الفج في تفاصيل حياة الناس؛ من قوانين وتشريعات، وقبول الحكومة الخانعة، العاجزة، لهذه الحالة، بل وسيرها في تعديل قوانين متعلقة بحياة المرأة وغيرها، وإفراغها من أية مسحة لها علاقة بالشريعة الإسلامية، أو حتى بالحذف، ليؤكد عمالة هذا النظام، وتنفيذه لمصالح العدو!
إن العلاقات بين الخرطوم وواشنطن أشبه بعلاقات حب من طرف واحد، حيث تلهث الحكومة بقياداتها نحو واشنطن في رحلات لا تنقطع، دون أن تلقي لهم بالاً، بل تزيد واشنطن في صدها وصدودها لما تراه من مطلوبات واجبة السداد، تتعلق بحسن سير وسلوك لنظام الخرطوم، حسب وجهة النظر الأمريكية، ومع أن الحكومة نوهت أكثر من مرة للمسؤولين الأمريكيين سواء عبر سفارتهم في الخرطوم، أو عبر وسطاء، بأنها تفتح صفحة جديدة أول سطرها الحوار الوطني (الذي هو صناعة أمريكية)؛ والذي يراد من خلاله المزيد من علمنة البلاد وتمزيقها بيد أبنائها ولا تمانع في استقدام المسؤولين الأمريكان، علها تنتزع اعترافاً علنياً أو ضمنياً من حكومة واشنطن بجدية جهودها، بيد أن صدود واشنطن وانعكاساته النفسية على النظام بدا واضحاً من خلال تصريحات مسؤوليها، حيث أقر وكيل وزارة العدل بالسودان، في اجتماع اللجنة العربية لحقوق الإنسان بالقاهرة، أن كل التحركات التي قادتها الحكومة لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وقوائم الحظر لم تُجدِ نفعاً. وذلك لأن هذا هو الوضع الذي يجعل هذه الحكومة تستمر في تقديم التنازلات المهينة والمذلة لعدو الإسلام والمسلمين؛ أمريكا!
إن الولايات المتحدة الأمريكية تجدد العقوبات على السودان ذراً للرماد في العيون، وتذهب الحكومة إلى أبعد مدى في استدرار عطف الولايات المتحدة، بالتفاوض، وتعديل القوانين لتوافق هوى أمريكا. ورغم التنازلات المهينة فإن رضا أمريكا غاية لا تدرك، طالما كان هناك ما يُتنازل عنه، ولكن المتهالكين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، وعلى أبصارهم غشاوة، والأحرى بهم إرضاء رب العالمين، وتطبيق شرعه ومنهاجه؛ الذي كثيراً ما دغدغوا به مشاعر الأمة الإسلامية المتطلعة للحياة الإسلامية. وإن دولة الإسلام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، القائمة قريبا بإذن الله، ستحاسبهم جميعاً، وستلقن أمريكا درساً ينسيها الصلف والجبروت ويجعلها تنكفئ على نفسها كما كانت بالأمس القريب، بل ويلاحقها في عقر دارها، لإخراجها من الظلمات إلى النور.
رأيك في الموضوع