لنفهم واقع الإمارات السياسي أولا؛ فهي بلاد تشرفت بالإسلام منذ الأيام الأولى على عهد رسول الله e وبقيت ضمن دولة الخلافة الإسلامية، ولكنها كانت مطمع الغزاة المستعمرين ابتداء من البرتغاليين الذين طردهم المسلمون عام 1625 إلى الإنجليز الذين بسطوا نفوذهم عليها عام 1892 باسم معاهدة الحماية حيث منحت لبريطانيا تولي شؤون الدفاع والعلاقات الخارجية واستمر العمل بها حتى عام 1971 حيث أعلن عن تشكيل دولة من سبع إمارات. وكانت بريطانيا تتهيأ للخروج من المنطقة، وقد اتخذت قرارا عام 1968 يتعلق بذلك، فمهدت لتأسيسها بإقامة مجلس حكام الإمارات عام 1967. ولذلك كان تأسيس دولة الإمارات بقرار بريطاني، وقد نصّبت حكامها وتحكّمت في نواصيها لتبقى صاحبة القرار فيها. ولذلك تعتبر الإمارات تابعة لنفوذ الإنجليز وتنفذ سياستهم.
لقد أسس الإنجليز مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981 لإدارتها من مركز واحد ولتوحيد آرائها في قضايا وتوزيع الأدوار في قضايا أخرى، وشكلت قوات درع الجزيرة المشتركة عام 1982 لحماية أنظمتها، والإمارات أحد أعضائها.
ولهذا اشتركت الإمارات مع السعودية الموالية للإنجليز على عهد الملك عبد الله عام 2011 باسم قوات درع الجزيرة للتدخل في البحرين لإخماد الاحتجاجات التي اندلعت فيها والتي أصبحت تهدد النظام وبالتالي ستهدد الأنظمة الخليجية كلها، وقد قامت أمريكا بالاتصال بأتباع إيران الذين ركبوا على ظهر الانتفاضة وبدأوا يسيّرونها، فهناك تنسيق بين أمريكا وإيران مع أتباعها لإسقاط النظام لقلع النفوذ الإنجليزي فيها، ولبسط هيمنتها على القرار السياسي حيث إن لها قاعدة بحرية لأسطولها الخامس.
وفيما يتعلق باليمن فقد أطلق مجلس التعاون الخليجي المبادرة الخليجية التي كان الإنجليز من ورائها للحفاظ على نفوذهم في اليمن، وعندما أوعزت أمريكا لسلمان ملك السعودية للتدخل هناك قامت الإمارات وقطر بالمشاركة العسكرية الفعالة، وذلك لتلعبا دورا لصالح بريطانيا، فكان للإمارات تأثير في دعم هادي عميل الإنجليز وفي دحر الحوثيين أتباع إيران التي تعمل لحساب أمريكا هناك.
قامت الإمارات بمشاركة بريطانيا وفرنسا عام 2011 عندما اندلعت الثورة في ليبيا ضد القذافي عميل بريطانيا لتبديله بعميل آخر تابع لها ولمنع أمريكا من أن تبسط نفوذها على ليبيا، ولعرقلة وصول الإسلام إلى الحكم عن طريق المخلصين. وعندما حركت أمريكا عميلها حفتر عام 2014 أظهرت الإمارات تأييدها له ولحكومة طبرق التي هيمن عليها حتى يبقى للإنجليز وجود إذا رجحت الكفة لعملاء أمريكا. فعادة الإنجليز في مثل هذه الظروف تقسيم عملائهم ليلعبوا أدوارا مختلفة، فمنهم من يظهر وقوفه بجانب عملاء أمريكا ليتجسس عليهم أو ليستميل بعضهم لصالح بريطانيا أو للحفاظ على عملاء الإنجليز الموجودين، ومنهم من يقف في وجه عملاء أمريكا علنا كإمارة قطر الموالية للإنجليز. فالإمارات تدعم برلمان وحكومة طبرق التي أغلبها متشكل من الوسط الإنجليزي. فهذا البرلمان نصف أعضائه تقريبا، أي 48% من مجموعة عميل الإنجليز محمود جبريل الذي تحتضنه الإمارات وكان من أركان الحكم في زمن القذافي، وهو أول من دعا إلى التدخل الأوروبي حيث ذهب إلى الرئيس الفرنسي ساركوزي ليقنعه بذلك كما ذكر. وهناك 17% من حزب العدالة والتنمية الذي تدعمه قطر. وتعمل قطر على دعم عملاء الإنجليز في المؤتمر الليبي العام وحكومة طرابلس التي يسيطر عليها عملاء الإنجليز، كما تعمل على احتواء الإسلاميين ليسيروا مع عملاء الإنجليز.
وعندما تريد بريطانيا توحيد عملائها في عمل سرعان ما يتحقق ذلك، ولهذا ذكر موقع هافينغتون بوست الأمريكي يوم 21/6/2015 أن "اتفاقا سريا تم التوصل إليه يوم 14/5/2015 بين قطر والإمارات من أجل إنهاء خلافاتهما فيما يتعلق بالأزمة الليبية". وهي في الحقيقة ليست خلافات ولكنها تقسيم أدوار كما ذكرنا.
وقد قامت الإمارات مع السعودية (عبد الله) بدعم السيسي وانقلابه لتعملا لصالح بريطانيا في مصر، وذلك لإيجاد موطئ قدم للإنجليز الذين فقدوا نفوذهم في مصر ولهم فيها قوى ضعيفة، فعملوا بواسطة الإمارات والسعودية (عبد الله) على تقوية وجودهم وكسب عملاء جدد، وإيجاد تأثير على السيسي وعلى قراراته، وكذلك لمشاركة مصر عند قيامها بالأعمال في المنطقة لمنع تفرد الأمريكان. ولهذا السبب قامت الإمارات مع مصر بقصف جوي في آب 2014 لمواقع لإسلاميين في طرابلس. فكانت أمريكا تعمل على التدخل الدولي لحسم الوضع في ليبيا لصالح عميلها حفتر وقد هيأت مصر للقيام معها بهذا الدور، وكانت بريطانيا في مجلس الأمن تعمل على عرقلة إصدار مثل هذا القرار، فلو صار وحصل التدخل لقامت الإمارات واندست بجانب الأمريكان وعملائهم لتقوم لصالح الإنجليز بدور في داخل ليبيا كما قامت به في اليمن. وقد ظهر تهجم للسيسي على حكام الخليج في الوقت الذي أظهر حاجته لأموالهم عبر الأشرطة المسجلة التي نشرت ومع ذلك بقيت الإمارات والسعودية على دعمها له!
وقبل أيام قامت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بنشر تقارير تفيد بأن الإمارات خرقت قرار الأمم المتحدة بإرسال أسلحة لليبيا، في الوقت الذي أعلن فيه عن أن برناردينوليون الذي انتهت مدة عمله كمبعوث دولي لليبيا وأعلن أنه سيعمل في الإمارات كمدير لأكاديمية دبلوماسية براتب مغرٍ، وبذلك أحرج ليون فاضطر إلى أن يطلب يوم 12/11/2015 توضيحا حول ذلك. فالأمريكان أرادوا أن يفضحوه لينتقموا منه، وهو الذي لعب دورا في الشأن الليبي لصالح أوروبا، وأرادوا أن يفضحوا الإمارات التي تلعب دورا مخفيا لصالح الإنجليز، كما حاولت فضحها عندما قامت طائراتها من قاعدة جوية في مصر بقصف جوي للإسلاميين في طرابلس. وأرادت أن تنتقم منها لدورها في ضرب الحوثيين ودحرهم من مناطق في جنوب اليمن وهي داخلة في حلف تقوده أمريكا بواسطة السعودية (سلمان) لإنقاذ الحوثيين ومن ثم فرضهم في معادلة الحكم في اليمن كما فرضت حزب إيران في لبنان.
إن أمريكا تدرك الدور الذي أناطه الإنجليز بالإمارات ولباقي دول الخليج، ولكنها تعمل على استخدام هذه الدول لتعزيز موقفها أحيانا مثلما فعلت عندما شكلت تحالفا دوليا لضرب الثورة السورية بذريعة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وحاولت هذه الدول إخفاء اشتراكها معها ففضحتها أمريكا وأعلنت أن قطر والإمارات والبحرين والسعودية (عبد الله) والأردن والمغرب ضمن هذا التحالف وكلهم عملاء للإنجليز، ولكن أمريكا كانت بحاجة لتكثير السواد وخاصة أنها ستضرب المسلمين وثورتهم، فهي بحاجة لبلاد إسلامية لإضفاء الشرعية على جرائمها ضد الإسلام والمسلمين.
وهذا ما يؤسفنا أن بلادا إسلامية كدول الخليج ومنها الإمارات تقوم بلعب أدوار لصالح الدول الاستعمارية لتحقيق مصالحها وتركيز نفوذها مقابل أن تحافظ على بقاء مصالح عائلاتها الحاكمة فيها وإدامة حكم هذه العائلات التي وصلت إلى الحكم بواسطة الإنجليز، فتبقى حريصة على تنفيذ مخططاتهم، وقد أصبحت أمريكا تهددها إذا لم تفتح لها الأبواب على مصراعيها لتقيم فيها قواعد عسكرية لتنطلق منها في محاربة المسلمين الساعين للتحرير، ولتضفي الشرعية على أعمال أمريكا القذرة ضد المسلمين وبلادهم، وقد سخرت هذه الدول ثروات المسلمين النفطية لخدمة مصالح الدول الاستعمارية. ومع ذلك نقول إن هذه البلاد ستأتي طائعة وتنضم لدولة الخلافة التي ستقوم قريبا بإذن الله وتطرد المستعمِرين الأمريكان والإنجليز كما طردت المستعمِرين البرتغاليين.
رأيك في الموضوع