كثيرا ما يزعم أن الديمقراطية تجلب الحرية وحقوق الإنسان للبشرية، على الرغم من أن الكثير من الأدلة تثبت عكس ذلك. لقد جلبت الديمقراطية التفكك والكراهية الطائفية في العراق، والشيء نفسه كان وسيكون صحيحا في بورما لأن الديمقراطيات تضحي باستمرار بالأقليات من أجل كسب الشعبية لدى الأغلبية. بعد الانتخابات التي أجريت في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر 2015، ينتظر المسلمون في بورما الحكومة الجديدة التي سيشكلها حزب داو أونغ سان سو تشي الفائز؛ حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية. وقد اعتبرت النتيجة من قبل الكثيرين في الولايات المتحدة وأوروبا على أنها خطوة كبيرة إلى الأمام من أجل الديمقراطية في بورما. الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون "قدم تهنئة حارة لشعب ميانمار للمشاركة السلمية والكريمة والحماسية في الانتخابات التاريخية". ومع ذلك، كانت هذه الانتخابات بعيدة كل البعد عن النزاهة حيث لم يسمح لـ760 ألف شخص من الأقليات العرقية من أصحاب ما يسمى بـ"البطاقات البيضاء" بالتصويت. وكان معظم المستبعدين هم من المسلمين الروهينجا. لقد استبعدهم الحزب المنتهية ولايته، بسبب ضغوط من الرهبان البوذيين ذوي النفوذ الذين يشنون حملة من أعمال العنف ضد المسلمين منذ الانتخابات الأولى التي أجريت في عام 2010 بعد عقود من الحكم العسكري.
على الرغم من الواجهة الديمقراطية فإن الجيش سيستمر في السيطرة على بورما وثرواتها، ولكن في شكل مختلف، لأن دستور 2008 الذي أملى بنود حكومة الرئيس ثين سين في عام 2011، سوف يملي أيضا بنود حكومة الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية الذي تتزعمه أونغ سان سو تشي. لقد تمت كتابة الدستور من قبل الجيش، الذي يحتفظ بربع المقاعد في البرلمان، والذي لا يمكن تغييره إلا بموافقة عسكرية. وعلاوة على ذلك، فإن الجيش يقوم بتعيين المناصب الوزارية الرئيسية (وزارات الداخلية والدفاع وأمن الحدود)، وسيكون له الأغلبية في مجلس الدفاع والأمن القومي، وهو أعلى هيئة دستورية في بورما. وبالإضافة إلى ذلك، فقد احتفظ الجيش بحق استعادة السلطة المباشرة لأسباب تتعلق بالأمن القومي والسيطرة بلا منازع على المناطق التي تحتدم فيها الصراعات العرقية.
يقوم الجيش بشن حملات إبادة شرسة ضد العديد من مجموعات الأقليات العرقية في بورما، وهذه تشمل المسلمين الروهينجا الذين يوجد معظمهم في إقليم أراكان حيث يشكلون 90٪ من السكان، مقارنة بالمعدل الوطني البالغ 5٪. ومع ذلك، وعلى الرغم من الحكم الاستبدادي العسكري وتورطه في المجازر ضد المسلمين، فهو ليس المصدر الرئيسي للشر، والواقع أنه ليس السبب المباشر لمعاناة المسلمين. لقد أدت المجازر القاتلة بقيادة المتعصبين البوذيين التي بلغت ذروتها في عام 2012 إلى فرار 100 ألف مسلم من البلاد على متن قوارب صغيرة، واحتماء 140 ألفاً في مخيمات النازحين المزرية داخل بورما، وكانت الديمقراطية نفسها هي السبب الرئيسي لهذه المعاناة والاضطهاد! إن إدراك كيف جلبت الديمقراطية هذه الإبادة الجماعية للمسلمين مدعاة لقلق كبير إزاء الحكومة الديمقراطية الجديدة التي تفتقر إلى الدعم العسكري وتعتمد على الدعم الشعبي أكثر من الحكومة السابقة.
وعندما خضع الجيش في بورما لمطالب الرهبان البوذيين المدعومين من الولايات المتحدة للديمقراطية، تم فتح بوابات فيضان الشر الواسعة. فللمرة الأولى، أصبح حجم السكان المسلمين تهديدا. ذلك لأن الحكومة الديمقراطية تعني حكم الأغلبية على الأقلية، مما فتح الباب أمام انقسامات طائفية كبيرة في بورما. وقد قام قادة الرهبان البوذيين بتعبئة الأغلبية البوذية الجبانة على تكثيف الهجمات ضد المسلمين، بينما الجيش وقف جانبا يشاهد. كل هذا حدث في عهد الحكومة الديمقراطية السابقة وسوف تترك المبادئ نفسها المسلمين تحت (رحمة!) البوذيين المتعصبين في الحكومة الجديدة. لا اسم "الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية" ولا حقيقة أن زعيمتها نالت جائزة نوبل للسلام سوف تقف في طريق الأغلبية البوذية التي انتخبتها. والواقع أن الحكومة الجديدة قد أظهرت بالفعل ضعفا أكبر أمام المتعصبين البوذيين من الحكومة المنتهية ولايتها. وقال أحد أعضاء الرابطة الوطنية للديمقراطية في البرلمان، وين هتاين، قبل الانتخابات أن حزبه سوف يستبعد المرشحين المسلمين لأسباب سياسية، والرابطة لديها تاريخ من الصمت على اضطهاد المسلمين في بورما، الذين تم حرمانهم من الجنسية ويتعرضون لتشريعات قاسية ومشددة تقيد جميع نواحي حياتهم الاجتماعية والاقتصادية.
في ظل الوجه الجديد للديمقراطية، سوف يستمر الجيش في التمتع بالامتيازات التي تأتي من بيع أصول في بورما إلى الأسواق الرأسمالية الجشعة، ولن يجد الرهبان المتعطشون للدماء أحدا يقف في طريقهم. ستكون حكومة الرابطة الجديدة بمثابة الغطاء للجيش، وسوف تكون أضعف من الجيش والحكومة المنتهية ولايتها التي كانت مدعومة من الجيش. والنتيجة هي أن التوترات الطائفية سوف تستمر، وأن ضعف أونغ سان سو تشي الثابت وصمتها أمام الغالبية البوذية سوف يواصل ترك المسلمين يتعرضون للأذى.
رأيك في الموضوع