أفاقت مدينة عدن صباح الثلاثاء 6 تشرين الأول/أكتوبر 2015م على أصوات تفجيرات ثلاثة، هزت أرجاء المدينة، أعلن (تنظيم الدولة) مسئوليته عنها وقام بنشر أسماء وصور منفذي تلك العمليات.
ورغم أن عدن سيطرت قوات ما يسمى التحالف العربي عليها وتم طرد (الحوثيين) منها، إلا أنه بدا واضحا أن هناك أطرافا معينة تقف ضد عودة الحكومة اليمنية إلى عدن، أو تحاول عرقلتها.
وكانت التفجيرات الثلاثة، قد استهدفت مقر الحكومة اليمنية، ومقر القوات الإماراتية، ومبنى إدارة عمليات المقاومة المشتركة، وهي أهداف لها دلالتها السياسية، ولا بد لمنفذيها من معلومات استخباراتية وتسهيلات أمنية عالية المستوى للقيام بهكذا عمليات، ما يعني أن هناك جهات سياسية تقف خلفها.
وبالنظر إلى واقع الصراع في اليمن فإنه يدور بين طرفين (تحالف الحوثي/ صالح) من جهة، و(تحالف بعض مشيخات الخليج/ عبد ربه) من جهة أخرى. ولا يخفى على كل متابع أن إيران تدعم طرف الحوثي، بينما بعض مشيخات الخليج تدعم طرف عبد ربه.
إلا أن هكذا نزاع مسلح واسع النطاق في منطقة ذات أهمية بالغة في العالم لا يمكن أن يكون بعيدا عن التنافس الاستعماري الدولي لبلدان المنطقة وثرواتها، فكان واضحا في أروقة الأمم المتحدة الخلاف في إيجاد حل للأزمة اليمنية، إذ حصلت بريطانيا هناك على قرار أممي تقدمت به الأردن وقطر، يجرّم الحوثييين ويصفهم بمليشيات مسلحة ويطالبهم بتسليم أسلحتهم والانسحاب من المدن، ويفرض على قادتهم عقوبات أممية، سمي ذلك القرار بقرار 2216.
بينما عملت أمريكا عن طريق منظمة الأمم المتحدة على فرض الحوثيين ندّاً (شرعيا) للحكومة اليمنية، وأرسلت المبعوثين واحدا تلو الآخر لإجبار الحكومة اليمنية على الجلوس إلى مائدة المفاوضات مع الحوثيين.
وهكذا يسير الصراع الدائر في البلاد اليوم:
- الإنجليز عن طريق بعض مشيخات الخليج وما يسمى المقاومة الشعبية يتجهون نحو طرد (المليشيات) وتحرير المدن عسكريا، وبالتالي فرض حل سياسي بعد ذلك يقلص النفوذ الأمريكي هناك.
- وأمريكا تتجه نحو فرض الحوثيين طرفا سياسيا في المعادلة اليمنية، بالإضافة إلى قيادات في الحراك الجنوبي كانت قد استقطبتهم لصالحها أبرزهم علي سالم البيض وعلي ناصر محمد.
وفي الأسابيع الأخيرة حقق الإنجليز جملة من الانتصارات الميدانية مكنتهم من استعادة عدن ومأرب، ومدن أخرى، ما شجعهم على الإعلان عن قرب (تحرير) صنعاء.
ولم تأبه الحكومة اليمنية لإعلان الحوثيين موافقتهم على تنفيذ قرار 2216، وقالت أنهم غير جادين في ذلك، واستمرت العمليات العسكرية باتجاهين؛ تجاه مأرب، وتجاه تعز.
وفي المقابل حركت أمريكا المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ في جولة خليجية جديدة نحو إلزام حكومة عبد ربه بالجلوس إلى الحوار مع الحوثيين، ولكن هذه المرة رفعت أمريكا عصا التهديد وقامت بتفجيرات عدن عن طريق الحراك الجنوبي المتواجد في المدينة التابع لعلي سالم البيض. فقد أعلن مسئول في الحكومة اليمنية أن المصفحات التي استخدمت في تفجيرات عدن هي مصفحات إماراتية تم تسليمها للمقاومة الشعبية. ومعلوم أن معظم المقاومة الشعبية في عدن هم من أفراد الحراك الجنوبي. ومن هذا يتضح أن أمريكا تستخدم لبسط نفوذها في اليمن أمرين:
الأول فرض الحوثيين طرفا سياسيا (شرعيا) في الحكومة القادمة.
والثاني هو الحراك الجنوبي الذي يبدأ هذه الأيام الإعلان عن إعادة فعالياته الجماهيرية في عدن ورفع أعلام دولة جنوب اليمن في عهد الانقسام، لإرباك الحكومة اليمنية التي تتبنى مشروع الإنجليز وهو يمن فدرالي موحد.
وعلى ما يبدو أن الإنجليز قد حسموا أمرهم صوب الحل العسكري، لهذا نرى وصول مزيد من التعزيزات العسكرية إلى مأرب قادمة من بعض مشيخات الخليج تحضيرا لدخول صنعاء، وتقوم حكومة عبد ربه بمحاولة دمج أفراد الحراك الجنوبي ضمن ما تسميه الجيش الوطني استباقا منها لتفويت الفرصة على أمريكا قبل تجنيدهم لصالحها تحت عناوين الانفصال أو غيرها.
ولهذا من المتوقع مزيد من التنازلات السياسية والعسكرية للحوثيين في المنظور القريب، إلا أن أمريكا ستفرض حلها في كل الأحوال عن طريق السعودية التي تقود التحالف العربي طمعا في بطولة تصنعها للعرش الملكي الآيل للسقوط، وطمعا في أن تمسك هي بالملف اليمني بديلا عن إيران غير المرغوبة في اليمن.
ورغم المستوى الكارثي الذي وصلت إليه الأزمة اليمنية في ارتفاع أعداد الضحايا والمعاناة الإنسانية، إلا أننا نسأل الله أن يكون ذلك مخاضا مؤلما تعرف فيه الأمة أعداءها، وتتجه صوب ما يرضي ربها ألا وهو إقامة الدين عن طريق إعادة الخلافة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع