منذ انطلاق ثورة الربيع العربي في اليمن في شباط/فبراير 2011م ظلت اليمن ساحة للصراع المحتدم بين الأطراف الداخلية والأطراف الدولية، ولم تشهد اليمن أي استقرار بل على العكس من ذلك فقد ازداد الوضع الأمني تدهورا وانعكس ذلك على المستوى الاقتصادي والمجتمعي في حياة الناس؛ وظهر ذلك في ارتفاع أرقام الفقر والجريمة والمواجهات العسكرية بين الفرقاء، ولم يبارح الوضع مكانه حتى اليوم، وأصبحنا اليوم في مواجهة هذا السؤال الحتمي: احتدام الصراع في اليمن: حل سياسي أم مواجهة عسكرية مفتوحة؟
وللإجابة على هذا السؤال لا بد لنا أن نعرّج على الواقع السياسي القريب والقوى النافذة في اليمن؛
عندما انطلقت ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا وخرج الشباب المسلم في تحد صارخ للأنظمة هناك وطالبوا بإسقاطها، لم يكن أهل اليمن بعيدين عن رياح التغيير المباركة التي هبت على المنطقة، وامتلأت ساحات المدن الكبيرة كصنعاء وعدن وتعز بشباب التغيير يطالبون بصوت عالٍ بإسقاط النظام واستعادة الحقوق ورفع الظلم الجاثم عليهم لعقود طويلة تحت نظام علي صالح.
ولما كان صوت الإسلام مرتفعا في تلك الثورات خشي الغرب على مصالحه في المنطقة خشية حقيقية، فإذا بموظفي السفارات الغربية ينزلون إلى ساحة التغيير في صنعاء وعدن ولم يكن حتى السفراء أنفسهم استثناءً في ذلك الأمر وقاموا بتلويث تلك الثورات بشعارات الثورة الفرنسية وهي: حرية وكرامة وعدالة... وحتى تمر تلك الشعارات بين الشباب، ألبسوها ثوب الإسلام وحولوا منابر الجمعة للمطالبة بها، وكان ذلك بسبب فقدان الشباب الثائر لمشروع سياسي واضح يطرح بديلا لتلك الأنظمة.
وهكذا كان، فقامت بريطانيا (بهندسة) التغيير وقامت بالتضحية بعميلها المخلص علي صالح، ولجأت إلى تغيير شكلي لخداع الناس وأتت بنائبه آنذاك عبد ربه منصور هادي في مبادرة أسمتها خليجية كي تكون مقبولة عند أهل اليمن.
ورغم أن أمريكا كانت موجودة في ساحات التغيير إلا أن معظم المكونات الشبابية كانت بيد الإنجليز، باستثناء الحوثيين الذين خرجوا من قوقعتهم (صعدة) وتسربوا داخل ساحة التغيير في صنعاء استغلالا لأجواء الثورة، في الوقت الذي كان يتم تهريب الأسلحة إليهم من إيران وتم الإعلان عن كشف العديد منها.
كانت أمريكا قد استغلت أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001م لصالحها، فأرغمت علي صالح على توقيع اتفاق محاربة الإرهاب وكان يتضمن فيما يتضمن أمرين، الأول أن تقوم أمريكا بتمويل والإشراف على إنشاء جهاز الأمن القومي في اليمن على أن يكون هو الجهة الأمنية العليا في البلاد، والأمر الثاني توقيع اتفاق طائرات بدون طيار لملاحقة (الإرهابيين) داخل الأراضي اليمنية حتى دون إذن مسبق من النظام اليمني. وبهذين الأمرين وضعت أمريكا قَدمها الأولى داخل اليمن، ولم تكتف بذلك، بل رأت أن لها حقاً في ثروات البلاد وموقعها المهم أكثر من بريطانيا خصوصا بعد تقارير سكاي نيوز الإخبارية أن ثروات نفطية وغازية هائلة في اليمن لم تكتشف بعد، فعمدت أمريكا إلى قيادات الحراك الجنوبي في الخارج وقامت بتبني علي سالم البيض وصنعت له قناة فضائية في بيروت ليضغط على نظام علي صالح عن طريق المطالبة بانفصال الجنوب، وقامت بدعم ثورة الجنوبيين في 2007م.
وبالعودة إلى المبادرة الخليجية نجد أنها لم تؤد إلى خسارة التاج البريطاني للنظام اليمني إلا أنها أفسحت المجال للحوثيين والحراك الجنوبي بالدخول ضمن الحل.
ووقعت على تلك المبادرة إلى جانب أمريكا وبريطانيا، بقية الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى دويلات الخليج، وبعض الأحزاب الإسلامية لإضفاء (الشرعية) عليها.
وخلصت المبادرة الخليجية بإحلال هادي مكان صالح رئيساً توافقيا لمرحلة انتقالية، وإلى مؤتمر حوار ترعاه الأمم المتحدة عن طريق مندوبها جمال بن عمر، يفضي ذلك المؤتمر إلى دولة مدنية ديمقراطية حديثة تقصي (خطر) الإسلام عن الحكم، وتُفضي إلى تقسيم فدرالي لليمن لإرضاء أهل الجنوب حسب زعمهم وتعديلات دستورية تم تشكيل لجان محلية وخارجية لوضعها. وبهذا توافق الخصمان على ذلك كحل وسط يبقي لبريطانيا نفوذها داخل اليمن، إلا أنه يفسح المجال لأمريكا بالمشاركة عن طريق الحوثيين والحراك الجنوبي جناح علي البيض.
إلا أن تدهور الدولة والتراجع الأمني الكبير الذي أحدثته أمريكا في اليمن عن طريق جهاز الأمن القومي الذي قام بالتصفية الجسدية للقيادات الأمنية والعسكرية في نظام هادي، وكذلك عن طريق استغلال تفجيرات (القاعدة)، كل ذلك شجع أمريكا بالتمدد أكثر، وهكذا كان فزادت عمليات الحراك الجنوبي في الجنوب، وتمدّد الحوثي إلى عمران ثم إلى صنعاء بمليشيات مسلحة، لم يملك عبد ربه تجاهها أي وسيلة لصدها فاضطر لتوقيع اتفاق السلم والشراكة مع الحوثي، الذي يعطي الحوثي مشاركة واسعة داخل النظام.
ورغم تحالف علي صالح مع الحوثي تحسباً لسيطرة الأخير على اليمن إلا أن الإنجليز لم يتخلوا عن ورقتهم الأولى وهي دعم عبد ربه هادي، وهكذا كان بأن أوعزوا إليه بالتحول إلى عدن وإعلان صنعاء عاصمة محتلة، وبهذا سحب الشرعية عن المجلس الوطني الذي شكله الحوثي لحكم صنعاء.
فأصبح الحوثي ومن خلفه إيران وأمريكا في مواجهة سافرة ضد هادي وأحزابه (الإصلاح والاشتراكي والجناح الآخر للحراك الجنوبي) ومن خلفهم دويلات الخليج وبريطانيا، وأضحى الاستقطاب لكل طرف واضحا للعيان، وظهر أن كل طرف يتمترس خلف مواقفه ويعد قواه، إلا أن الإنجليز نجحوا في سحب الشرعية الدولية عن أعمال الحوثي، ودعموا شرعية هادي الرئيس (المنتخب).
ويبدو أن احتمال الحل السياسي هو الراجح، وذلك للمؤشرات التالية:
1- تصريح جمال بن عمر أن الحوار هو الحل الوحيد للأطراف في اليمن، وأن لا أحد يستطيع الحكم بالقوة.
2- التحرك السياسي للحوثي خارج اليمن، فقد أرسل وفودا إلى طهران والقاهرة وموسكو طالباً منها التوسط في حل سياسي.
3- إعلان الرياض ترحيبها لاحتضان حوارٍ بين الأطراف المتصارعة.
ولهذا يبدو أن الحل السياسي هو الراجح، إلا أن ذلك لا يعني خسارة أمريكا لأوراقها داخل اليمن، وإنما يعني تراجعها عن الحل العسكري ولو إلى حين.
رأيك في الموضوع