منذ الإعلان عن تحرير الجانب الأيسر لمدينة الموصل في 18/1/2017 - كما صرح الفريق أول الركن طالب شغاتي في مؤتمر صحفي أهدى فيه (الانتصار) للعراقيين - ولا تزال المدينة بجانبيها الأيسر والأيمن في وضع قلق حيث هشاشة الأمن وترقب الأهالي، ومعاناتهم الشديدة - لا سيما - في جانب المدينة الأيمن حيث حصار تنظيم الدولة للناس وقسوته وانتقامه من كل من يبدو عليه سرور باقتراب الخلاص عن طريق الجيش. فالجانب الأيسر - رغم تحريره - لا تزال هجمات التنظيم وتسلل عناصره بين الفينة والفينة عن طريق السيارات الملغمة والأحزمة الناسفة لانتحارييه، وقذائف الهاون والمدفعية، تفتك بأهله. وكان أسامة النجيفي نائب رئيس الجمهورية قد صرح في 9/2/2017: "أن المناطق المحررة بالمدينة تشهد عمليات سرقة وحرق واختطاف عقب خروج قوات "حرس نينوى"، واقتصار مهمة حفظ الأمن على قوات الجيش والشرطة. ما يدعو إلى التدخل العاجل لعدم فسح المجال لخلايا التنظيم من استغلال الوضع". (ميدل إيست). وقد استبعد الفريق الركن عبد الأمير يارالله "حرس نينوى" من المناطق المحررة، وأوكل حفظ الأمن للجيش والشرطة أواخر كانون الثاني. و"حرس نينوى" من أهالي الموصل، وتعدادهم 3 آلاف مقاتل، يقودهم أثيل النجيفي المحافظ السابق، وأن أسباب الاستبعاد - بحسب الأخير - سياسية وراءها نواب موصليون، وبدفع من المالكي صراعا على المناصب. وقد سقط نحو 30 فردا بين قتيل وجريح، جراء انفجار سيارتين ملغمتين وحزام ناسف في أحياء سكنية وقرب وحدة عسكرية. (القدس العربي).
أما الجانب الأيمن للمدينة فلا يزال قيد "مناقشة الاستعدادات والتحضيرات العسكرية، وتطورات الأوضاع الأمنية، والسبل الكفيلة لطرد التنظيم - بحسب بيان لوزارة الدفاع العراقية - أذيع السبت 11/2/2017. والحق أن صعوبات جمة تكتنف المعركة القادمة، بسبب طابع المدينة القديم، الذي تميز بضيق الأزقة وتلاصق المنازل والكثافة السكانية... الأمر الذي يحاول التنظيم الاستفادة منه، وأكدت مصادر "أن عناصره عمدوا إلى ربط منازل السكان ببعضها في منطقتي (الشهواني وكنيسة الحاوي) عبر شبكة أنفاق داخلية، ومنعوا أهلها من مغادرة منازلهم، ونشروا على أسطحها قناصين، وعززوها ببنادق رشاشة"... وتوحي تلك التحضيرات بمعركة صعبة، قد يسقط فيها عدد كبير من المدنيين، وقد اعترف ضابط في قوات النخبة العراقية بصعوبة هزيمة التنظيم لاختباء عناصره بين السكان، وعزا ذلك - في تصريح تلفزيوني مصور - إلى عدم ثقة الأهالي بالجيش..! وقال: "سيكون علينا في النهاية الدخول في معركة قذرة لاستعادة الموصل". (الغارديان البريطانية).
ووفقا لمصدر مقرب من المتحدث باسم التحالف الدولي (جون بريان) فإن مشاركة الجيش الأمريكي في عملية استعادة الجانب الأيمن، ستكون "أكثر زخما ودقة". ولم يستبعد المتحدث "وجود قوات أمريكية على الأرض، لمعرفتهم بها جيدا، بحكم انتشارهم لسنوات فيها". (جريدة العرب).
والحال أن شعب العراق بات يعاني أزمات كثيرة تبدأ ولا تنتهي، لغياب أجهزة الدولة الضرورية لتقديم الخدمات للناس، وحفظ الأمن، وإقامة المشاريع الحيوية، والقضاء على البطالة، واستثمار موارد البلاد لرفع مستويات المعيشة، ومكافحة العصابات التي امتهنت الاتجار بكل ممنوع كالمخدرات و"الأعضاء البشرية" والخطف والسلب، وإشعال الحرائق، ومداهمة المراكز التجارية وغيرها مما لا يتسع له المقام... ومثالا على ذلك: قامت مؤخرا مظاهرات في محافظة صلاح الدين، طالب المتظاهرون فيها بكشف مصير 3 آلاف مغيب اختفوا بعد دخول الحشد الشيعي إلى مدن وقرى المحافظة التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة. (الجزيرة). والمصيبة أن ضباطا ممن أوكل إليهم حفظ الأمن ثبت تورطهم في عمليات الخطف بالتعاون مع العصابات، فقد كشف ضابط بوزارة الداخلية العراقية عن تورط ضباط في عمليات الخطف الجارية في بغداد ومناطق عراقية مختلفة، وأن بعضهم تم اعتقاله والتحقيق معه، ثم أطلق سراحهم بعد فترة وجيزة بضغوط قوى سياسية. (العربي الجديد).
ومن المضحك المبكي، أن تعمد الحكومة إلى إنشاء أسوار إسمنتية أو حفر خنادق عميقة على طريقة الأقدمين، وذلك في مواطن متعددة من العراق المنكوب لحفظ أمن الناس - بزعمهم - والحيلولة دون وقوع حوادث تفجير لمركبات مفخخة، وما دروا أن في ذلك إعلانا لفشل أجهزتهم الأمنية وخططهم البليدة... وكمثال على ذلك: عودة مشروع "سور بغداد" الذي تم تجميده في وقت سابق من العام الماضي، بعد لغط ومخاوف من تحوله إلى جدار عزل طائفي يراد منه تغيير ديموغرافي وتمييز طائفي لسكان حزام بغداد من أركانها الأربعة وهي مناطق غالبية سكانها من العشائر العربية السنية...! وقد صرح مسؤولون بقيادة عمليات بغداد: "أن العودة لبناء ذلك "السور" المثير للجدل جاءت وفقا لأوامر من رئيس الوزراء العبادي شخصيا، الأمر الذي يشي بنية استباق الأحداث قبل إنهاء (تحرير) الموصل، استعدادا لاحتمالات اللجوء إلى مشروع عدو الله "جو بايدن" المتعلق بتقسيم العراق إلى فدراليات عرقية وطائفية ومناطقية، حتى يزيدوا في مساحة العاصمة بغداد، ويقلصوا من أراضي المحافظات. وكان النائب محمد الكربولي عضو لجنة الأمن النيابية قد توجه بالقول إلى العبادي: "إذا أردت أن يكون هناك تقسيم للعراق، فعلينا أن نجلس للتقسيم". كما رفض مجلسا محافظتي واسط (جنوب شرق بغداد) وديالى (شرقها) بناء "السور"؛ لأنه يقتطع مساحات من المحافظتين..! لكن الحكومة بررت ذلك بحدوث سلسلة اعتداءات إرهابية ضربت بغداد خلال الأسبوعين الماضيين، واستهدفت أسواقا شعبية ومناطق سكنية، مخلفة نحو 500 قتيل وجريح. (العربي الجديد).
وهكذا تسير الأمور من سيئ إلى أسوأ ما دام العراق تحكمه طغمة ربطت مستقبلها بأعداء الأمة، ولم يكن لها همٌّ سوى جني المكاسب المحرمة على حساب شعبها المستضعف بأمراء الطوائف والمليشيات المسلحة التي أنيطت بها مسؤولية (حراسة) الفساد والمفسدين ما دام يصلها شيء من متاع الدنيا، لإعراضهم عن منهج الله سبحانه وتعالى. فعسى الله أن يمن علينا بنصر عظيم نرى فيه راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله) في ظل دولة صالحة على منهاج النبوة لتضع حدا لتلك الكوارث، فيعم الخير والأمان، وما ذلك على الله بعزيز.
بقلم: عبد الرحمن الواثق – العراق
رأيك في الموضوع