في 16 من أيار/مايو 2015م، بدأت القوات الباكستانية هجوما واسعا على حركة طالبان، في محاولة لطردها من آخر معاقلها الكبيرة في المنطقة الشمالية الغربية الجبلية في شمال وزيرستان، وجاءت هذه العملية بعد أسابيع من تأكيد أمريكا على بيعها أسلحة بقيمة مليار دولار للجيش الباكستاني، وتسليمها طائرات هليكوبتر وصواريخ متطورة، ما يسلط الضوء مرة أخرى على مدى تورط الجيش الباكستاني في حرب أمريكا العالمية على الإسلام.
إن الجيش الباكستاني لا يمكنه تبرير حقيقة أنه قد أصبح دمية بيد صنّاع السياسة في واشنطن، والمهم أن هذه الحقيقة أصبحت شاخصة في أذهان الكثيرين من أهل باكستان، وهي قد وجدت زخما جديدا في الأيام الأخيرة، بعد أن كشف الكاتب الحائز على جائزة بوليتزر (سيمور هيرش) أن هجوم أبوت أباد الذي تم اغتيال أسامة بن لادن فيه هو عملية مشتركة بين الولايات المتحدة والاستخبارات العسكرية الباكستانية.
إنّ هذه ليست المرة الأولى التي يتعاون فيها المسئولون الباكستانيون مع أمريكا في مؤامراتها الرامية إلى محاربة طالبان وغيرها من الجماعات المسلحة مثل تنظيم القاعدة؛ ففي عام 2013م كشفت وثائق أمريكية سرية أن كبار المسئولين في الحكومة الباكستانية كانوا مؤيدين لهجمات الطائرات بدون طيار التابعة لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، حيث قالت صحيفة الواشنطن بوست أنها حصلت على وثائق من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ومذكرات دبلوماسية باكستانية تثبت حصول لقاءات بين مسئولين من كلا الطرفين بشكل روتيني وسري وبالرغم من أنها قد ختمت بختم "سري للغاية" إلا أنه تم نشرها في باكستان؛ كما قالت الصحيفة أنها قدمت أيضا وثائق مفصّلة للجدول الزمني لبرنامج الطائرات بدون طيار في الحملة التي شنّتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بهدف تصفية كبار عناصر من القاعدة، في هجوم جوي واسع ضد الجماعات المسلحة التي لا علاقة لها بهجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001م. وفي عام 2010م، نشرت ويكيليكس العديد من الوثائق التي أظهرت أن الجيش الباكستاني والحكومة الباكستانية "رضخوا بهدوء" للضربات بدون طيار، على الرغم من أنهم كانوا يدينونها في العلن. وفي آب/ أغسطس 2008م قال رئيس الوزراء الباكستاني (يوسف رضا جيلاني): "لا يهمني إن كانت هجمات الطائرات من دون طيار تحصل ضد الأشخاص المناسبين، سنقوم بالاحتجاج عليها في الجمعية الوطنية ومن ثم نسكت عنها". ومرة أخرى فقد أصبحت هجمات الطائرات بدون طيار فعّالة ضد حركة طالبان ومسلحين آخرين، ولكن هذا يتطلب أن يكون هناك شبكة من الجواسيس على الأرض مع معدات متطورة لتتبع أهداف طالبان ليتأكدوا من عمليات القتل، ويبدو أن باكستان قد قدمت هذا الدعم اللوجستي لعدة سنوات.
العمليات العسكرية ضد طالبان ومسلحين آخرين تحصل بشكل منظم ومعروف، فكل زيارة من قبل المسئولين الأمريكيين يتبعها مباشرة هجوم ضد الجيش الباكستاني، ومن ثم تقوم الحكومة الباكستانية بالإعلان عن عملية عسكرية جديدة ضد طالبان. وأهل باكستان يشعرون بالقلق من مثل هذه الهجمات، ويصعب عليهم تصديق أن الغالبية العظمى منها تحدث تحت ناظر الجيش الباكستاني.
ومع ذلك، فما ترك حقا انطباعا لا يُمحى من أذهان أهل باكستان عن الجيش الباكستاني هو تواطؤه مع أمريكا في اختطاف عافية صديقي وتسليمها للأمريكيين من قبل نظام الجنرال مشرف، وفي قضية ريموند ديفيس حين تم القبض عليه متلبسا بالجريمة مع معدات عسكرية حساسة، فضلا عن قتل أناس باكستانيين في وضح النهار، وتم الأفراج عنه في وقت لاحق.
منذ عام 2001م خسرت باكستان 100 مليار دولار، وخسرت أيضا قيادتها المدنية والعسكرية، التي تسمح علنا بالتدخل الأمريكي في باكستان، وما لم يأخذ مسلمو باكستان والمناطق القبلية على عاتقهم مسئولية إعادة إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فإن باكستان لن تكون قادرة على التخلص من هيمنة أمريكا على الشئون الباكستانية، فالخلافة الراشدة هي وحدها القادرة على توحيد طالبان مع إخوانهم في الجيش الباكستاني ليصبحوا سيفا للإسلام وحده، تُضرب به بقوة القوى الاستعمارية التي تسعى لاستغلال المسلمين في العالم. قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) .
رأيك في الموضوع