الإسلام هو ثاني أكبر ديانة في روسيا الاتحادية بعد الأرثوذكسية (عدد المسلمين حوالي 25 مليون شخص. ويتوقع أن يكون خُمس السكان عام 2020م، و30% خلال الأعوام 15 القادمة. وبحسب رئيس أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، دميتري سميرنوف: "لن يبقى أي روسي في عام 2050". ويعيش غالبية المسلمين في روسيا اليوم في منطقتي داغستان والشيشان.
عاش المسلمون تحت الحكم الروسي لقرون عانوا فيها من فترات اضطهاد وصلت ذروتها في القرن 16. ومنذ أوائل القرن 19، شكل المسلمون تحدياً فريداً للإمبراطورية الروسية، فقد تبنت الإمبراطورة كاترين الثانية سياسة انتقاء رجال الدين المسلمين بهدف ضمان السيطرة على عموم المسلمين واستيعابهم داخل روسيا الأرثوذكسية، وضمان السيطرة على أشكال الإسلام التي ترى الدولة أنها قد تزعزع استقرار البلاد. وكان المسلمون هناك يتعهدون أمام الله ورسوله، ويقسمون على الإنجيل والتوراة والمزامير والقرآن، بأن يكونوا موالين لجلالة الإمبراطور، أضفى هذا النموذج طابعاً مؤسسياً على الإسلام داخل روسيا الحديثة كوسيلة لتعبئة الدين لصالح الحكام.
الحروب المتقطعة التي خاضتها روسيا ضد مسلمي شمال القوقاز، وقمعها مسيرة الشيشان نحو الاستقلال بين عامي 1994 و2000… عززت صورة نمطية للمسلمين هناك بأنهم "متطرفون إسلاميون". وأصبحت النظرة الحكومية السائدة إليهم أنهم "أصوليون إسلاميون محتملون" والإسلام "تحدٍ عابر للحدود يهدد بتطويق روسيا".
في السنوات القليلة الماضية، استخدم الكرملين على نطاق واسع مصطلح "الإسلام التقليدي" لتصميم شكل جديد من أشكال الإسلام المعتدل، الموالي للسلطات، وصرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن "الإسلام التقليدي" جزء لا يتجزأ من القانون الثقافي الروسي. وكل ما لا يدخل تحت مظلة الإسلام "التقليدي" في روسيا يُنظر إليه على أنه أصولي، متطرف يشكل تحدياً مباشراً للكرملين. ويمكن لأي محكمة روسية أن تعلن أي مادة (كتاب، نشرة، أغنية، شعار، فيديو، موقع إلكتروني، صفحة ويب) تتعارض مع "الإسلام التقليدي" أنها متطرفة، ثم تُفَوَّض وزارة العدل بإدراج هذه الأعمال على قائمتها الفيدرالية للمواد المتطرفة. فوفقاً للكرملين، فإن جميع المسلمين الأجانب هم العامل الرئيسي وراء تطرف المسلمين في روسيا… هذا في الواقع لا يعدو كونه محاولات حثيثة لـ"تدجين" المسلمين في روسيا، وإجبارهم على السير في ركاب مفهوم "الإسلام التقليدي"… هكذا يوظف الكرملين الدين الإسلامي لمصلحته.
لكل دولة من دول العالم تفسيرها للإسلام. وقد تطرفت روسيا في عدائها للإسلام إلى درجة متقدمة جداً لأنها كانت لها حدود تاريخية وجغرافية وحضارية ودموية معه، فهي يتملكها خوف دائم من عودته؛ وهذا ما جعلها تتدخل عسكرياً في سوريا فيما اعتبرته حركة استباقية لمنع عودة الإسلام إلى الحكم، وأيدتها الكنيسة في ذلك، وجرى إقناع الشعب الروسي به. أما نظرتها للإسلام التقليدي فهو ما جعلها تنظر لحزب التحرير تلك النظرة المتطرفة، فتتهمه بـ(التطرف) وتحظره، وتفتري عليه باتهامه بـ(الإرهاب) وتعتقل شبابه وتسجنهم لسنوات طويلة… إنه الخوف من إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وعودة الإسلام بها إلى ساحة الصراع الحضاري.
عن مجلة الوعي العدد 394
رأيك في الموضوع