نشر موقع (مجلة العصر، الأربعاء 3 ذي القعدة 1438هـ، 26/7/2017م)، مقالة قصيرة بعنوان: "خسرت الثورة معركة الوعي قبل أن تخسر الميدان" جاء فيها، أمريكا درَبت فصائلها ومولتهم ثم تخلت عنهم، تركيا دعمت فصائل في الشمال وخاضت بهم معركة مستنزفة واقتربت أكثر من الروس ومهدت لهم السيطرة على حلب ومن تدعمه السعودية وقطر تُركوا لمصيرهم يتخبطون بعد حصار الدوحة... أغرق الداعم فصائله في متاهات الضياع وتفرقت بهم السبل.
قبل أن تخسر الثورة الميدان خسرت معركة الوعي والفهم والإدراك والتصور، تعامل بعض أبرز منظريها مع الصراع بسذاجة وغفلة كما لو أنهم أمام نصوص أدبية.
أين هم الباحثون المقدمون ومتنورو الثورة الذين ملأوا الشاشات والندوات وكتبوا ونظروا وأغروا سامعيهم، ميعوا الثورة وحولوها إلى ألعوبة.
أين أصحاب البصيرة والحكمة والمقارنات التاريخية والكتابات الإنشائية الوعظية المجردة، ها هي الثورة تغرق، فهل من راعٍ ينتشلها وتحالف ينقذها؟
يتحدثون بلغة منمقة لكنها فضفاضة فارغة عن التوازنات الاستراتيجية والتحالفات الحاسمة والارتباط المصيري للثورة وصنعوا من الأماني والأوهام ملاحم.
الراية: إن ما ذكره الكاتب ينطبق على موجة انتفاضات "الربيع العربي" من تونس إلى مصر وليبيا واليمن: فغياب الوعي على حقيقة الصراع ضد الغرب الكافر المستعمر هو الذي أحبط مطالبة الشعوب في هذه البلاد بـ"إسقاط النظام". تغيير رأس النظام (في تونس كما في مصر وليبيا واليمن) لا يعني أبدا الانفكاك من التبعية للغرب المسيطر على مفاصل السلطة والحكم. وحين يثق السيد محمد مرسي - فك الله أسره - بالسيسي رئيس المخابرات الحربية ويعينه وزيرا للدفاع، بعد أن وثق الإخوان المسلمون بأن يتولى المجلسُ العسكريُّ، ربيب أمريكا، المرحلة الانتقالية، لا يختلف ذلك مطلقا عما جرى في تونس حين قبلت حركة النهضة بعودة السبسي "قرين بورقيبة" إلى الحكم بدلا عن بن علي... فواقع الأمر هو أن هذه الانتفاضات الشعبية العارمة، مع كل ما أثبتته من طموح الشعوب إلى الانعتاق من أنظمة الطغيان والفساد، إلا أنها كشفت عن غياب الرؤية السياسية الحضارية الواعية عند تلك القيادات التي صوت لها الناس تحت شعار الإسلام هو الحل... ولكن في المقابل يجب ألا ننسى أننا نتحدث عن مصير أمة بأسرها وليس أفراداً هنا وهناك، فمقولات (تقاطع المصالح) التي نادى بها بعض الجهلاء أو الفاسدين من قيادات الفصائل في سوريا، ولم يعتبروا من مصير سابقيهم في أفغانستان، فضلا عن تورطهم في اقتتال داخلي عبثي، بل ومجرم، كشف عن فقدان هؤلاء إلى مشروع جامع يجمع الأمة في نضالها وكفاحها للتحرر من الهيمنة الغربية الاستعمارية، وأنه لا يمكن التحرر من التبعية للغرب قبل التحرر من أدواته من الحكام العملاء الذين يزعمون أنهم (أصدقاء) الثورة سواء أكانوا في دول الخليج، أم في تركيا... وباختصار نقول إنه رغم المعاناة والآلام فإن ما جرى هو خطوة واسعة في مسيرة الوعي السياسي عند الأمة، يصب حتما بإذن الله في التمهيد للزلزال القادم بعد سقوط الأوهام الزائفة وتعلم الدروس والعبر النافعة مما جرى حتى الآن، وإن غدا لناظره قريب.
رأيك في الموضوع