جرت الأسبوع الفائت الانتخابات البرلمانية السادسة في تاريخ الجزائر بمشاركة 53 حزبا سياسيا وعشرات القوائم المستقلة لكسب تأييد أكثر من 23 مليون ناخب، والتنافس على 462 مقعدا، وحسب أرقام وزارة الداخلية الجزائرية، حصد حزبا الائتلاف الحاكم (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي) أغلبية المقاعد حسب الأرقام بواقع 164 و97 مقعداً على التوالي، في حين حل تحالف حركة مجتمع السلم الإسلامي ثالثا بـ 33 مقعدا.
ولكن رغم هذا العدد الكبير من الوسط السياسي المشارك في لعبة الديمقراطية ومنها الانتخابات البرلمانية فإنه تم تسجيل نسبة مشاركة إجمالية في حدود 37.09%، بحسب أرقام وزارة الداخلية، مسجلة انخفاضا عن انتخابات 2012، حيث بلغت النسبة 43.15%. وقد شكك العديد من النشطاء والمتابعين في صحة هذه الأرقام واعتبروها مضخمة وغير صحيحة.
كما تجاوز عدد الأوراق الملغاة في هذه الانتخابات البرلمانية الجزائرية مليوني ورقة من أصل 8.5 مليوناً فقط هم من قاموا بالتصويت. وكشفت مشاهد مسربة من مكاتب فرز الأصوات، احتواء بطاقات تصويت على صور ورسائل غريبة تحمل مطالب مختلفة بدل أوراق قوائم المترشحين.
ومن بين ما تم رصده من مكاتب الفرز عبر العديد من المحافظات الجزائرية، احتواء الأظرفة على أكياس الحليب بدل صور المرشحين، وهي إشارة من فئة من الجزائريين إلى معاناتهم مع كيس الحليب الذي صار أزمة تتكرر من حين لآخر في البلاد بسبب ندرته.
وهكذا رفض الجزائريون الانخراط في انتخابات بدت محسومة على صعيد النتائج، ودل هذا الرفض على الغياب التام للثقة بين الشعب الجزائري والسلطة من جهة، وهو تعبير حقيقي عن إدراك الناس لفشل هذا الوسط السياسي سلطة ومعارضة في السير نحو نهضة البلد، ولذلك اعتُبر العزوف الكبير عن التصويت كنتيجة لفشل السياسات الحكومية والفساد المالي، واليأس من إمكانية أن تؤدي هذه الانتخابات إلى أي مستوى من مستويات التغيير الجدي في إدارة شؤون البلاد.
في الحقيقة إن السلطة الجزائرية قامت بما في وسعها لجذب الناخبين إلى التصويت، وقد شنت حملة دعائية كبيرة من أجل ذلك، كما أن قيادة الجيش قررت السماح للجنود بالتصويت في مراكز الانتخاب وذلك لإقناع وسائل الإعلام والمراقبين بوجود مشاركة شبابية وذلك من خلال نقل الجنود بملابس مدنية وقطرهم إلى مراكز الاقتراع وهو ما رفع نسبة المشاركة صباح يوم الانتخاب.
أما الأرقام فهي تظهر أن النتائج كانت محسومة أصلاً ولكنّ عزوف الجمهور العامّ عن المشاركة في التصويت، وخصوصاً من جمهور الشباب يشكك عمليّا في مصداقية هذه الانتخابات. فقد أراد النظام إعادة تكرير حيثيّاته نفسها ولكنه أراد إعطاءها مصداقية شعبية، ولكنّ الانتخابات الحالية غير قادرة فعليّاً على دعم هذا الادعاء لأنّ أغلبية الشعب الجزائري، ببساطة، صوّتت برفضها للتصويت.
إن الوعي الذي بان عند أهلنا في الجزائر الذين قاطعوا انتخابات لا تسمن ولا تغني من جوع بأغلبية ساحقة، هم الأحق بالانتصار وإسقاط نظام عاجز عن توفير أدنى الحقوق لهم.
بقلم: أنس بن غذاهم – تونس
رأيك في الموضوع