لقد أظلنا شهر رمضان، وما أدراك ما رمضان، شهر البركات والخيرات، شهر القرءان الذي فيه هداية للبشرية من الغواية والضلال، فيه ليلة العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر، يقول الله عز وجل: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾، رمضان أحبتي الكرام هو شهر الطاعات، فيه يحرص المسلمون على طاعة الله عز وجل صياماً لأيام الشهر، وقياما للياليه، ممسكين عن شهوتي البطن والفرج، من بزوغ الفجر الصادق، إلى دخول الليل، راجين مغفرة ربهم، طامعين في رضوانه ودخول جناته، حريصين على ألا يخدش صيامهم خادش، تمتلئ المساجد بالمصلين، ويكثر أصحاب الأموال من الإنفاق على الفقراء والمساكين، بل يحاول الجميع أن يتلبسوا بطاعة الله في كل أمورهم رجاء أن يعتقهم الله من النار في شهر العتق الفضيل.
ولكنه يفوت على كثير منا أن طاعة الله لا تتجزأ، وأن أوامره لا تؤخذ بالاشتهاء، فكل فرض فرضه الله يجب القيام به، وكل أمر نهى الله عنه وجب الانتهاء عنه، حتى لا نكون مثل بني إسرائيل، الذين كانوا يتخيرون من أوامر الله ما تشتهيه أنفسهم، ويتركون ما يستثقلونه، وقد نعى الله عز وجل عليهم هذا الفعل الشنيع، فقال سبحانه: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ﴾.
إن من أعظم الطاعات قربة إلى الله تعالى هو القيام بحمل دعوة الله، فقد شرف الله عز وجل هذه الأمة بوظيفة الأنبياء والمرسلين، حيث كان في الماضي لا يحمل دعوة الله إلا هم، ولكن الله أكرمنا بأن جعلنا أمة عدلاً، وأمة خير تحمل الهدى والنور إلى العالمين، فقال سبحانه: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾، وقال: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾، ولذلك كان فرضاً على المسلمين القيام بحمل الدعوة الإسلامية، وبخاصة في ظل هذه الظروف التي ليس فيها دولة للإسلام تحكم بكتاب الله وسنة رسولهr بل يعيش الناس في دول تقوم على النقيض من أحكام الإسلام، دول تقوم على أسس وطنية باطلة، دول يبعد فيها الإسلام ويحارب حملة دعوته، دول تأتمر بأمر الغرب الكافر.
هذا الوضع يتطلب من المسلمين العمل من أجل إعادة الحكم بما أنزل الله، في ظل دولة الإسلام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وهذا العمل هو الفرض الذي لا تقوم الكثير من الفروض إلا بقيامه، فإن الخلافة أم الفروض وتاجها، فلا يكفي المسلم أن يصلي ويصوم وينفق في وجوه الخير ويقوم بكثير من الطاعات الفردية، لا يكفي ذلك ما دامت الحياة لا تقوم على أساس الإسلام في الدولة والمجتمع، بل الواجب العمل على إزالة أكبر منكر تعيش في ظلمته الأمة، وهو العيش تحت هجير الأنظمة الوضعية الفاسدة الظالمة، لا تكفي العبادة والاجتهاد فيها ولو تقطعنا إرباً إرباً ما لم نعمل لأن تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى. ولن تكون كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا، إلا بالعمل الجاد من أجل إعادة الحكم بما أنزل الله في ظل الدولة التي أسس بنيانها النبي r، وأشاد أركانها وأكمل أنظمتها وأحكامها، وبين كيف تكون من بعده خلافة راشدة على منهاجه. فهلم أخي المسلم في شهر الطاعات أن نشمر عن ساعد الجد ونعمل مع العاملين لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
وكما أن رمضان هو شهر الطاعات، فإنه كذلك شهر الانتصارات العظيمة، شهر الفتوح التي عبرها دخل الناس في دين الله أفواجا، فصهرهم الإسلام وجعلهم أمة واحدة رغم اختلاف ألوانهم وألسنتهم بهذا الدين العظيم، فإن المتتبع للانتصارات الباهرة التي أحرزها المسلمون منذ قيام دولة المسلمين الأولى، التي أقامها نبي الرحمة، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، ثم الخلفاء الراشدون والتابعون لهم حتى هُدمت دولة الإسلام بعد أكثر من ثلاثة عشر قرنا من الزمان، فإن المتتبع لهذه الانتصارات طوال هذه المدة يجد أن كثيراً منها كان في شهر رمضان، فالمعركة الأولى بين دولة المسلمين ودولة المشركين، والتي سماها الله يوم الفرقان، وهي معركة بدر الكبرى، حيث انتصر المسلمون رغم قلة العدد والعدة والعتاد، وكان ذلك في رمضان، وفتح مكة، هذا الفتح الذي سماه الله مبيناً، وفتح الأندلس على يد القائد طارق بن زياد، ومعركة عين جالوت التي قضى فيها المسلمون على حكم التتار، وكذلك هزيمة الروم في تبوك، كل ذلك وغيره كان في شهر رمضان الفضيل.
فما أحوج الأمة اليوم لمثل هذه الانتصارات لتعود للأمة عزتها المفقودة وكرامتها المنتهكة، لا لضعف حقيقي أصاب الأمة، أو قوة حقيقية ألمت بالعدو، وإنما الأمر هو الإعراض عن منهج الله وطريق رسول الله r، فما أن نعود إليهما، ونجعل حياتنا وفقاً لهما، وتقوم دولتنا على أساسهما، إلا وعادت لنا الانتصارات، وصدق الله القائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.
رأيك في الموضوع