منذ أن بسط النظام الرأسمالي سلطته على الحياة، وطبقت النظم الديمقراطية في بلاد المسلمين، بعد احتلالها من قبل، لم يرَ المسلمون نظاماً للحكم غير النظام الديمقراطي، وقد بذل المستعمرون جهوداً جبارة في تحويل تصور المسلمين للحكم، من الإسلام إلى النظام الديمقراطي، وكتب التاريخ مليئة بما قام به المبشرون والمستشرقون، الذين كانوا هم طليعة الاستعمار، كما قال بذلك القس زويمر - رئيس مؤتمر القدس التبشيري: (.. إنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله.. وبذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية، وهذا ما قمتم به في الأعوام السالفة خير قيام، وهذا ما أهنئكم عليه، وتهنئكم عليه دوله المسيحية والمسيحيون جميعاً كل التهنئة)، وأيضاً قال الكارف: (متى توارى القرآن وحكمه عن بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يندرج في سبيل الحضارة التي لم يبعده عنها إلا محمد وكتابه).
وكانت ثالثة الأثافي هدم الخلافة الإسلامية، وحلول الاستعمار المباشر محلها، فصار المستعمر هو الذي ينظم حياة المسلمين، بل أشرف بنفسه على تخريج رجال يحملون وجهة نظره في الحياة، ورغم كل ذلك ظلت عقيدة المسلمين محصنة في صدورهم، وحبهم للإسلام يملأ قلوبهم، ولكن دون وعي ودون فهم، فصاروا من شدة حبهم للإسلام يرون في النظام الديمقراطي أنها بضاعة المسلمين ردت إليهم، سيما بعد خروج جيوش الاستعمار من بلاد المسلمين، وجيء بالحكام الطغاة ليقارن بينهم وبين الديمقراطية، فزاد إعجاب الناس بالديمقراطية، وصاروا يرون أن الديمقراطية ما هي إلا (الشورى)، والبرلمان ما هو إلا مجلس الأمة، ورئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء لا يتعارض مع أمير المؤمنين، ولا مشاحة في المصطلحات.. فاختلط عليهم الحابل بالنابل.
نعم إن المسلمين قد استيقظوا من سباتهم، وصاروا يتوجهون بكلياتهم نحو الإسلام، لذلك فمن الضروري أن نبين نظام الإسلام وأحكامه، وتنقيته مما علق به في أذهان المسلمين من أنظمة الكفر، وبخاصة واقع المعاون في الإسلام من حيث صفاته وأعماله، وبماذا يختلف عن الوزير في الحكم الديمقراطي والتفريق بينهما. قال أحد الحكماء إن العلاقة بين نظام الإسلام في الحكم وبين النظام الديمقراطي، كالعلاقة بين الزيتون والغراب في سواد اللون، نعم إن نظام الإسلام حقاً لا يشبهه أي نظام قديما ولا حديثاً وهو لا يشبه أي نظام، فالمعاون في الإسلام، والذي ذكره رسول الله r: «..وَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ»، له واقع يختلف عن واقع الوزير في النظام الديمقراطي في كل تفاصيله، فالخليفة يقلد معاونه بالنيابة في كل أرجاء الدولة، مع عموم النظر في كل الأعمال، ومع ذلك فله أن يكلفه بعمل معين، خاصة وأن دولة الخلافة، التي نشتَمُّ عبيرها، دولة واسعة، تحتاج إلى حشد من الرجال، كما يمكن أن يقلد المعاون في ناحية معينة من الدولة، كولاية في الشرق أو الوسط أو في الجنوب أو نحو ذلك، حتى لا تتعارض أعمال المعاونين، أو تتداخل صلاحياتهم.
وبما أن توليتهم عامة، فإنهم يمكن أن ينقلوا من مكان إلى آخر، دون الحاجة إلى تفويض جديد.
أما عمل المعاون فهو يرجع للخليفة ما يعتزمه من تدبير، ثم مطالعة الخليفة بما أمضاه من تدابير وأنفذه من ولاية وتقليد، حتى لا يصير في صلاحياته كالخليفة، فعمل المعاون أن يرفع مطالعته، وأن ينفذ هذه المطالعة ما لم يوقفه الخليفة عن تنفيذها، فهو نائب عن الخليفة فيما كلفه به، وقد كان هذا الأمر جلياً في أعمال سيدنا عمر في خلافة أبي بكر رضي الله عنهما. وهذه المطالعة لا تعني أن يستأذن الخليفة، فهو لا يحتاج إلى إذن بعد التكليف، إنما يذاكره الأمر، كحاجة الناس إلى مصارف مياه والخريف على الأبواب، ورفع مظلمة من والٍ من الولاة، أو من عامل من العمال، أو نحو ذلك في دولة الخلافة. والخليفة يتصفح أعمال معاون التفويض، وذلك لأن الخليفة هو المسؤول عن الرعية، لقوله r: «فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، فالمسئولية عن الرعية من مسئوليات الخليفة، ومعاون التفويض إنما هو مسئول فقط عما يقوم به من أعمال.
أما وزير التنفيذ فهو الوزير الذي يعينه الخليفة ليكون معاونا له في التنفيذ، والملاحقة والأداء، ويكون وسيطاً بين الخليفة وبين أجهزة الدولة، والرعايا، والخارج، يؤدي عنه ويؤدي إليه، فهو معين في تنفيذ الأمور وليس بوالٍ عليها ولا متقلد لها، فعمله من الأعمال الإدارية وليس من الحكم، ودائرته هي جهاز تنفيذ ما يصدر عن الخليفة للجهات الداخلية والخارجية، ولرفع ما يرد إليه من هذه الجهات، فهي وسيطة بين الخليفة وبين غيره: تُؤدي عنه، وتُؤدي إليه.
أما الوزير في النظام الديمقراطي فهو حاكم في وزارته، يضع سياسات وزارته، ويحدد ميزانيتها، ويتحكم في أوجه صرفها، ويكون هو المسؤول أمام البرلمان عن وزارته، والأعمال التي تقوم بها، وتقع منها،، وهو يأخذ الثقة من البرلمان عن تعيينه، ويشارك مع بقية الوزراء ورئيس الدولة في السياسة العامة، ويصوت على إجازتها في مجلس الوزراء.
وبهذه الصفة فإنه لا يوجد مطلقاً أي وجه شبه بين المعاونين في دولة الخلافة، والوزراء في النظام الديمقراطي، لا في كيفية تعيينهم، ولا في مهامهم، ولا صفاتهم، ولا الأعمال الموكولة إليهم. وهذا التشابه الذي يتصور للبعض، ما هو إلا بقايا أفكار الكافر المستعمر، التي بإذن الله، لن تمضي عليها إلا ساعة من الزمان وتعود أفكار الإسلام صافية نقية كما أنزلها رب العالمين.
رأيك في الموضوع