تعاني المرأة في أرجاء المعمورة من مشكلات عديدة، ومظالم متنوعة تقع عليها بوصفها امرأة، وبعضها تقع عليها باعتبارها إنساناً يعيش تحت ظل الحضارة الغربية المنحرفة، ويحدث خلط متعمد يُتخذ أداة لإخراج ما تبقى من أحكام الإسلام المتعلقة بالمرأة من حياة المسلمين، وإعادة ملئها من مستنقع الحضارة الغربية الآسن. فسعي النساء لتوفير العيش الكريم، وتعرضهن للتحرش، وملاحقة السلطات لصاحبات الأعمال الشريفة، ومسألة صحة الأمومة والطفولة، وجرائم القتل والاغتصاب، وانعدام رعاية شئون المرأة؛ كل هذا إنما هو لمحة عن مشكلات المرأة، فما هو العلاج الذي قدمته الحضارة المهيمنة، الحضارة الغربية؟
إن الحلول التي تتبناها الأمم المتحدة وأذرعها هي حلول تصب في اتجاه معاكس، تاركة النساء مع معاناتهن، ففي عام 2020م المنصرم، احتفلت منظمة الفاو وإيفاد وبرنامج الأغذية العالمي باليوم العالمي للمرأة، حيث صرح رئيس إيفاد جلبير أونغبو قائلاً: "يمثل يوم المرأة العالمي مناسبة للاحتفال ودعوة للعمل في الوقت نفسه. يمكننا العمل معاً لتحقيق المساواة بين الجنسين في العالم، ليس فقط لأن هذا هو الأمر الصحيح الواجب فعله، بل لأن هذا أيضاً هو الأمر المعقول. فزيادة المساواة بين الجنسين هي أمر حيوي لتحقيق نمو اقتصادي أقوى، وبإمكانها تقليص الفقر المدقع وتخفيض معدلات الجوع وتحقيق السلام الدائم ومساعدة الأسر بأكملها وتمكين جميع أولئك الذين يعانون من التمييز".
لقد اتخذت الحضارة الغربية من فكرة مساواة المرأة بالرجل أداة لعلاج مشاكل المرأة بزعمهم، وذلك لأن الحضارة الغربية لا تقيم وزناً إلا لقيمة واحدة في الحياة هي القيمة المادية، وحتى يجني الرأسماليون الأرباح أخرجوا المرأة من بيتها بدعوى المساواة، لتكون يداً عاملة، وسلعة تدر الأموال، وهو ما عبر عنه رئيس الإيفاد، حيث جعل من فكرة المساواة أمراً حيوياً للاقتصاد! والسؤال الذي يفرض نفسه هل فكرة المساواة هي الحل للأزمات التي تعاني منها المرأة؟ وهل فعلا هي حل للفقر ونقص الحاجات الأساسية من مأكل وملبس ومسكن، وصحة وتعليم وأمن؟ وهل الحروب الطاحنة ستتوقف بفكرة المساواة؟
إن فكرة المساواة بين الجنسين هي مفهوم من مفاهيم حضارة الغرب الكافر، ولها جذور تمتد إلى التجربة النسوية التاريخية عندهم، والتي ولدت نتيجة الظلم وغياب الحقوق التعليمية والاقتصادية والقانونية والسياسية الأساسية التي حرمت منها النساء، ففكرة المساواة بين الجنسين تتعارض مع عقيدة المسلمين.
إن "المساواة في الحقوق والواجبات" هي فكرة مدمرة للمجتمع وتثقل كاهل النساء بمسؤوليات جعلها الإسلام واجباً على أقاربهن من الرجال، وإن تعذر، يتحول الواجب على الدولة. إن المساواة هي تجريد من الحقوق التي منحها الإسلام للمرأة فأوجب نفقتها على غيرها وجعلها تنفق أموالها وميراثها على النحو الذي تراه مناسبا بحسب أحكام الشرع بدل أن تكون ملزمة "على قدم المساواة" مع الرجل في إنفاقها على العائلة. أما في الميراث المفترى عليه فقد يفوق نصيب المرأة نصيب الرجل، فمن الحالات الثلاثين المحتملة للميراث بين الأقارب في الشريعة الإسلامية، فإنه في أربع حالات فقط تحصل المرأة على نصف نصيب الذكور، بينما في بقية الحالات تحصل على نصيب يساوي أو يفوق نصيب الرجل من الميراث، ومع ذلك، تحاول المنظمات النسوية المأجورة أن تبحث في مشكلات المرأة بهدف تجريم الأحكام الشرعية، وحقاً:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد *** وينكر الفم طعم الماء من سقم!
تقول إحدى الناشطات في مجال حقوق المرأة: "المرأة لا تزال تعتبر "جارية" في المجتمع على الرغم من الحرية والديمقراطية التي نعيشها الآن، فالمرأة لا تزال تعتمد في حياتها على الرجل سواء كان والدها أو شقيقها أو زوجها"، وتقول أخرى: "يمثل زواج القاصرات وبتر الأعضاء التناسلية إحدى أهم المشاكل التي تعاني منها النساء"، وكلهن يرفعن عقيرتهن ببذل الكثير من الجهود من أجل تضليل النساء بهذه الحقوق المزعومة، ويطالبن الدولة بتطبيق مطلق المساواة في القوانين، وقد استجابت لهن الحكومة الانتقالية في السودان!
ومن أجل أن يتم اختراق حصن المرأة المسلمة، تتدفق الأموال من الغرب بسخاء، وتنشأ الجمعيات النسوية التي تسعى جاهدة لسلخ المرأة من الأحكام الشرعية، وتعقد الندوات والمحاضرات المدمرة للأفكار الإسلامية.
وتمارس الدول الغربية الضغوط على هذه الحكومة الهزيلة لتمرير الحلول التي تُريدها خدمة لمصالحها المادية، ومطامعها الاستعمارية، فما دخل فكرة المساواة بالمعاناة والأزمات التي تعيشها المرأة من حروب مفتعلة وعدم توفير السلع الضرورية وحل مشاكلها الاقتصادية وتوفير حياة كريمة للناس جميعهم، ما هي العلاقة؟!
قطعا إن المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها النساء، ليست نابعة من عدم وجود "المساواة بين الجنسين" ولكنها طبيعة النظام الرأسمالي الذي يحول حياة المرأة والرجل معاً إلى جحيم.
إن للمرأة في مبدأ الإسلام دوراً عظيماً في المجتمع؛ فهي تسهم بشكل أساسي في الحفاظ على تماسك الأسرة وعفة وطهر المجتمع بما أوكله الله سبحانه وتعالى لها من مهام وتكاليف شرعية، وفي مدرستها يتخرج الأبطال، وتتربى الأجيال، ومن هنا كانت برامج وخطط المفسدين موجهة إلى هذا الكيان القوي الطاهر لزعزعته وتحطيمه، حتى يرسخ بين المسلمين الأنموذج الغربي عن المرأة.
إن المنادين بما يسمى (حقوق المرأة) في السودان وفي سائر بلاد المسلمين، إما أنهم يجهلون مكانة المرأة في الإسلام العظيم، أو هم مجرمون خبيثون، وأصحاب أجندة تخدم أسيادهم.
لقد رفع الإسلام من مكانة المرأة فأكرمها حين أُذلّتْ، وصان عرضها حين داسته الجاهلية قديماً وحديثا، وأعطاها حقوقها كاملة حيث لم تكن قبل الإسلام إلا سلعة وأداة للمتعة كما هي في الغرب الآن. أما في ظل حكم دولة الإسلام فقد استمرت المرأة في أسمى مكانة نالتها على مر التاريخ منة من الله، فصانت أعراض المسلمات بتجييش الجيوش من أجل شرف امرأة واحدة...
فالبون شاسع بين أحكام الإسلام وما تحققه من رفعة للمرأة، وبين ما تفرزه لها الحضارة الغربية من شقاء وتعاسة وضنك، ولا مجال للمقارنة بين أحكام الله سبحانه وتعالى، وأحكام البشر التي حطت من مكانة المرأة، فمن يحمل همّ المرأة عليه أن يعمل بجد لاستئناف الحياة الإسلامية التي تسن القوانين المستمدة من شرع الله.
﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾
رأيك في الموضوع