إنَّ الآيات والأحاديث النبوية المبشرة بعودة الخلافة، تشرح الصدور وتشفي القلوب وتقشع عن قلب المسلم غشاوة اليأس والقنوط، وتدفع المسلمين وبخاصة العاملين لإقامة الخلافة، للعمل بجد، وإخلاص وصدق، لتحقيق وعد الله وبشرى رسوله ﷺ، فيفوزوا في الدارين: نصر في الدنيا عظيم، وأجر في الآخرة كبير.
فقد توالت البشارات الواردة في كتاب الله سبحانه وفي سنة النبي ﷺ؛ فمما ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، وقوله سبحانه: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، هذا الوعد الإلهي للمؤمنين بالاستخلاف والتمكين في الأرض والأمن بعد الخوف وعدٌ دائم ومستمر، وما تحقق في عهد الخلفاء الراشدين من نصر وتمكين، يمكن أن يتحقق لمن بعدهم، فإن وعد الله لا يتخلف، قال تعالى: ﴿وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقاً﴾.
أما الأحاديث النبوية التي جاءت تؤكد هذا المعنى: ما أخرجه أحمد في مسنده عن تميم الداري قال: سمعت رسول الله يقول: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزّاً يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلّاً يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ». وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا» رواه مسلم. وهناك حديث آخر يزرع الأمل في نفوسنا، ويجعلنا على يقين تام بأن هذه الأمة ستعود لتمتلك زمام أمرها وتسود بدينها على جميع الأمم، ما رواه مسلم وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله ﷺ قال: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجاً وَأَنْهَاراً» وزاد أحمد «...وَحَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ بَيْنَ الْعِرَاقِ وَمَكَّةَ لَا يَخَافُ إِلَّا ضَلَالَ الطَّرِيقِ». وإن مبشرات عودة الخلافة فتح روما، نعم روما معقل الكنيسة الغربية، فقد ورد عن أبي قَبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وسئل: أيّ المدينتين تفتح أولاً؛ القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوقِ حَلَقٍ، قال: فأخرج منه كتاباً، قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله ﷺ نكتب، إذْ سئل رسول الله ﷺ: أيّ المدينتين تفتح أولاً؛ قسطنطينية أو رومية؟ فقال: «مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلاً - يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَ» رواه أحمد. ومفهوم الحديث أن الثانية تفتح ثانياً. الصحابة رضوان الله عليهم كانوا على يقين من أن المدينتين ستفتحان، ولكن السؤال الذي كان يشغل بالهم هو أيهما ستفتح أولاً؟ وقد تم فتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح فكان نعم الأمير، وكان جيشه نعم الجيش. وكذلك حديث قتال يهود والانتصار عليهم، ما رواه ابن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «تُقَاتِلُكُمْ الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ» متفق عليه.
وحديث الورق المعلق والعمل بما فيه، فقد أخرج الحاكم في المستدرك من طريق عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «أَتَدْرُونَ أَيَّ أَهْلِ الْإِيمَانِ أَفْضَلُ إِيمَاناً؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمَلَائِكَةُ؟ قَالَ: «هُمْ كَذَلِكَ وَيَحِقُّ ذَلِكَ لَهُمْ وَمَا يَمْنَعُهُمْ وَقَدْ أَنْزَلَهُمُ اللَّهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي أَنْزَلَهُمْ بِهَا بَلْ غَيْرُهُمْ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ؟ قَالَ: «هُمْ كَذَلِكَ وَيَحِقُّ لَهُمْ ذَلِكَ وَمَا يَمْنَعُهُمْ وَقَدْ أَنْزَلَهُمُ اللَّهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي أَنْزَلَهُمْ بِهَا بَلْ غَيْرُهُمْ»، قَالَ: قُلْنَا: فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَقْوَامٌ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ فَيُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي وَيَجِدُونَ الْوَرَقَ الْمُعَلَّقَ فَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ، فَهَؤُلَاءِ أَفْضَلُ أَهْلِ الْإِيمَانِ إِيمَاناً». قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ومعنى الحديث: فيجدون الورق المعلق والذي يشمل الكتاب والسنة لا يعمل به فيعملون بما فيه كله. أي أنهم يجدونه على الرفوف لا يُعمل به فيضعونه موضع التطبيق في واقع الحياة.
وكذلك حديث عقر دار المؤمنين بالشام في آخر الزمان، ما رواه ابن عساكر ولم يخرّجه عن ميسرة بن جليس عنه عن النبي ﷺ: «هَذَا الأَمْرُ - يعني الخلافة - كَائِنٌ بَعْدِي بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ بِالشَّامِ، ثُمَّ بِالْجَزِيرَةِ، ثُمَّ بِالْعِرَاقِ، ثُمَّ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَإِذَا كَانَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَثَمَّ عُقْرُ دَارِهَا، وَلَنْ يُخْرِجَهَا قَوْمٌ فَتَعُودَ إِلَيْهِمْ أَبَداً» ومنها عند الحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وكذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إِذَا وَقَعَتِ الْمَلَاحِمُ خَرَجَ بَعْثٌ مِنَ الْمَوَالِي مِنْ دِمَشْقَ، هُمْ أَكْرَمُ الْعَرَبِ فَرَساً، وَأَجْوَدُهُ سِلَاحاً، يُؤَيِّدُ اللَّهُ بِهُمُ الدِّينَ».
وحديث الخـلافة على منهاج النبوة الذي أخرجه أحمد في مسنده عن النعمان بن بشير قال: كنا قعوداً في مسجد رسول الله ﷺ وكان بشير رجلاً يكف حديثه، فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال: يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله ﷺ في الأمراء؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته، فجلس أبو ثعلبة فقال حذيفة: قال رسول الله ﷺ: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضّاً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ. ثُمَّ سَكَتَ». في هذا الحديث مرحلة وبشرى خير ينتظرها الناس، وهي مرحلة الخلافة على منهاج النبوة، والتي تمسح عن الناس آلام الماضي، وشدة الحكم الجبري، وعوامل ضعف المسلمين، وهذه المرحلة المذكورة هنا قادمة قريبا بعون الله.
وخلاصة القول إن الخبر عن رجوع الخلافة على منهاج النبوة وأنها كائنة، هذا المعنى قد تواتر، فقد رواه على الأقل خمسة وعشرون صحابياً، ورواه عنهم تسعة وثلاثون تابعياً ورواه عنهم اثنان وستون من تابعيهم، ممن يؤمن تواطؤهم على الكذب، وبهذا يثبت التواتر المعنوي، فضلا عن وعد الله بالنصر والتمكين للمؤمنين وبشرى رسول الله ﷺ بفتح القسطنطينية وقد فُتحت، وبشر بفتح روما وستفتح إن شاء الله، وبشر بأن هذا الدين سيبلغ ما بلغ الليل والنهار وبقتال يهود، وبشر بعودة الخلافة على منهاج النبوة. فلا تتعجلوا أمر الله ووعده، ولكن تعجلوا بإخلاصكم وتضحياتكم، نسأل الله تعالى أن يمّن علينا بإدراك دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وأن يكرمنا بالعمل جنداً لها إنه على ذلك قدير.
رأيك في الموضوع