يشهد إقليم كردستان العراق، منذ يوم الأربعاء الماضي، تظاهرات تطالب بصرف رواتب الموظفين والقضاء على الفساد ونهب المال العام والتحكم بثروات الإقليم النفطية والمعابر الحدودية لصالح قادة أحزاب السلطة وعوائلهم، سرعان ما تخللتها اشتباكات بين المحتجين والقوات الأمنية راح ضحيتها ستة قتلى وعشرات الجرحى واعتقال العشرات منهم، وصولاً إلى حرق مقارّ حزبية وتهديد بالتصعيد. حيث أحرق المحتجون مقرات ثلاثة أحزاب كردية تملك تمثيلا في حكومة الإقليم وفي البرلمان الاتحادي في بغداد؛ هي الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني الذي أسسه الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني، وحركة التغيير التي أسسها السياسي الكردي الراحل نيشروان مصطفى. وبعدها اتسع نطاق الاحتجاجات إلى ما لا يقل عن ست بلدات قرب السليمانية، كما امتدت - وفق مصادر محلية - إلى دهوك شمالا، فيما تعيش العاصمة أربيل على وقع استنفار أمني تحسبا لانطلاق الاحتجاجات. حيث ذكرت مصادر محلية أن عناصر من سكان دهوك في كردستان استجابوا لدعوة المشاركة في الحراك ضد الأحزاب الحاكمة وحاولوا تنظيم صفوفهم لكن السلطات التابعة لحزب البارزاني باغتتهم واعتقلت العشرات منهم. وأضافت المصادر أن حزب البارزاني فرض إجراءات مشددة في مدينة أربيل عاصمة الإقليم الكردي، لمنع وصول الاحتجاجات إليها.
يتهم المتظاهرون الحزبين الكبيرين في كردستان بالاستيلاء على الأموال المخصصة للرواتب، التي ترسلها بغداد شهريا، فضلا عن احتكار جميع الثروات في الإقليم، وقَصْرِ التعيين في الوظائف المهمة على أقارب البارزاني والطالباني، ناهيك عن رهن نفط الإقليم لصالح جهات خارجية لقاء الحصول على عمولات بالملايين من الدولارات خارج حدود القانون. في حين يقول موظفون في الإقليم إن الحكومة الكردية مدينة لهم برواتب 36 شهرا تسلمتها من بغداد، وصرفتها في غير الأبواب المخصصة لها. من جهته، قال المحلل السياسي، محسن الأديب، في حديث لموقع "الحرة"، إنّ "وضع الإنسان الكردي والموظف صعب للغاية، فهل من المعقول أن يتلقى الموظف راتب سنة خلال خمس سنوات؟" مضيفاً "هل يتحمل أي موظف في العالم أنّ يأخذ أربعة رواتب خلال 12 شهراً؟". وشدد على أنّ "الوضع المعيشي سيئ، ومن الطبيعي أن يقوم المتظاهرون بحرق مقار الأحزاب السياسية والدوائر الحكومية، لا سيما في ظل غياب الديمقراطية وتداول السلطة في الإقليم".
فمنذ انخفاض أسعار النفط في 2014، يعاني الإقليم الكردي بشدة من صعوبة دفع رواتب بسبب الخلافات بين أربيل وبغداد حول واردات نفط الإقليم ومنافذه الحدودية حيث تشترط الحكومة المركزية إرسال ربع مليون برميل من نفط الإقليم إلى شركة سومو لتصدير النفط العراقي يوميا قبل إرسال تخصيصات الإقليم من الموازنة العامة للبلاد ومن ضمنها رواتب موظفي الإقليم وهو ما ترفضه حكومة الإقليم، حيث يقول قطاع واسع من الأكراد في السليمانية إن حزب البارزاني يعرقل التفاهم مع بغداد لإظهارها بمظهر المتعسف ضد الحقوق الكردية. على إثر ذلك أخذت أطراف عديدة في السليمانية تلوح بخيارات مختلفة للخروج من هذه الأزمة، أحدها الذهاب إلى تفاهم مباشر ومنفرد مع حكومة المركز في بغداد بشأن رواتب الموظفين، بعيدا عن مواقف أربيل المتعنتة. ويلوّح آخرون بخيار انفصال السليمانية عن الإقليم الكردي وإعلانها إقليما مستقلا، وهو خيار يسمح به الدستور العراقي وفق شروط محددة. بينما تتهم المعارضة الكردية حزبي البارزاني والطالباني ببيع نحو 500 ألف برميل من النفط المستخرج من حقول الإقليم لتركيا يوميا، دون إعلان، على أن عوائد الجزء الأكبر من مبيعات هذه الحصة تذهب إلى حسابات سرية. يضاف إلى ذلك ما يعرف بالإيرادات غير النفطية وهي الجباية مقابل الخدمات العامة والضرائب، فضلا عن عوائد المنافذ الحدودية مع تركيا وإيران، ما يجعل الإقليم الكردي ثريا للغاية، ويعمق أثر المفاجأة من فشله في تأمين رواتب موظفيه. فقد كشف شاسوار عبد الواحد رئيس حركة الجيل الجديد معلومات تفيد بأن حصيلة الحزبين الكرديين من إيرادات المنافذ الحدودية تصل ٢٠٠ مليون دولار شهريا، وأكد بأن المسؤول الأول عن نهب ثروات الإقليم هو الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني مبينا قيام مسرور بارزاني نجل مسعود بارزاني بتهريب النفط بطرق غير قانونية عبر الحدود وبيعه لتجار أتراك وتحويل القسم الآخر من النفط إلى كيان يهود وهي فضيحة يعرف تفاصيلها قادة الحزبين الكرديين، وأكد أنه يتم تسجيل واردات المبيعات في حساب خاص لما يدعي بأنه وزير النفط في الإقليم آشتي هورامي وحسابات خاصة بأسماء عائلة بارزاني في بنوك تركية وأوروبية دون تسجيلها واردات مالية للإقليم وعدم تحويلها إلى الخزينة المركزية في بغداد.
إن أزمة الفساد في الإقليم لا تقتصر فقط على تهريب النفط والسيطرة على المؤسسات بل ما يسمى بالفضائيين في مفاصل الدولة بعد أن كشفت حسينة كه ردي عضو البرلمان عن الحزب الديمقراطي الكردستاني الفاسدين والفضائيين الذين ينهبون قوت الشعب وينخرون جسد الإقليم طوال السنوات الماضية، تقول حسينة بأن هناك ٨٦ ألف شخص يستلمون من راتب إلى خمسة رواتب وأن ١٥٢ شخصا أنهوا خدمتهم بدرجة وزير ويستلمون راتبا تقاعديا دون أن يتبوأ أي منهم منصبا وزاريا في الحكومة المحلية في الإقليم، وأن الدرجات الخاصة يستلمون خمسة ملايين شهريا كرواتب من الحكومة وأن أكثر من ١٠١ ألف شخص يستلمون أكثر من راتب واحد، ويوجد ٥٥ ألف موظف فضائي ما عدا موظفي السكك الحديدية، ويبلغ عدد الموظفين ٣٢ موظفاً وأغلبهم من كوادر الحزبين الكرديين، في حين إن الإقليم لا يوجد فيه قطار واحد، فقط لسرقة المال العام. وبالتالي عند الحديث عن قضايا الفساد المالي والاقتصادي في العراق لا يستثنى من ذلك فساد سلطة الإقليم في شمال العراق، حيث تسيطر عائلتا الحزبين بارزاني وطالباني على جميع مقاليد السلطة في الإقليم ويهيمن مسؤولو الحزب الديمقراطي الكردستاني وأقرباء رئيس الإقليم سابقا على كافة الموارد الاقتصادية والمالية في الإقليم بدءا من النفط وتهريبه وإيرادات المنافذ الحدودية والمطارات وصولا لشركات الاستثمار والاتصالات والإنترنت وانتهاء بوسائل الإعلام التي تتحكم بها عائلة مسعود البارزاني، وهذا ما جعلهم يكونون أشبه بالحيتان الكبيرة التي تلتهم من يقف أمام تطلعاتهم مستغلين نفوذ والدهم الذي مكث في رئاسة الإقليم ما يقارب ٢٠ عاما.
وعليه فإن حل المشكلة الكردية لا يكون إطلاقاً بإنشاء دولة أو كيان مستقل لهم، لأنه سيكون حتماً تحت الحماية الغربية، فضلاً عن أن ذلك لا يمكن تحقيقه بدون رضا الدول التي فيها أكراد لأن ذلك يهدد وحدة أراضيها، ويؤدي إلى تفسخها، وإنما حل مشكلة الأكراد، وغيرهم من القوميات يتم ضمن مشروع الأمة الواحدة، فالأكراد مسلمون والأتراك مسلمون كما أن غالبية العرب مسلمون، وكذلك الفرس والبربر والأفغان والباكستانيون وسواهم، وهم جميعاً أبناء أمة محمد عليه وآله الصلاة والسلام، فالدعوة بينهم يجب أن توجه إلى التوحد على كتاب الله وسنة رسوله، وعلى العمل لإيجاد الأمة الإسلامية الواحدة ضمن الخلافة الراشدة، التي تحكمهم بشرع الله، رعايا متساوين في الحقوق والواجبات، «لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ إِلَّا بِالتَّقْوَى» فتقطع يد كل عابث وسارق لثرواتهم وتستعيد لهم حقوقهم المنهوبة وثرواتهم المسلوبة وتحقق لهم رغد العيش وحُسن الرعاية، فالثروات لا تنضب أبداً، وهي كافية لإشباع حاجات الناس فرداً فرداً إشباعاً تاماً، وإنما القضية فقط في إحسان توزيع هذه الثروة بينهم، وتمكينهم منها، والنظام الذي يضمن ذلك ويحقق السعادة والرفاه والعيش الكريم للرعية هو تحكيم الإسلام فقط. وختاماً على المسلمين اليوم عرباً وعجماً وكرداً أن ينتفضوا ضد حكامهم، وينهضوا لاستئناف الحياة الإسلامية من جديد باستئصال هذه الدويلات الكرتونية التي تنظر إليهم نظرة دونية، وتمارس عليهم صنوف العذاب، وأن يعملوا مع حزب التحرير لإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة، ﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ﴾.
رأيك في الموضوع