لا شك أن الحضارة الغربية التي تحكم قبضتها على العالم اليوم هي حضارة لا تقوم على أساس صحيح مبني على العقل ويوافق الفطرة لأنها نشأت في فكرتها وتفاصيلها كردة فعل لواقع معين؛ وهو تحكم الكنيسة وسلوكها في الحياة والمجتمع من جانب، وفلاسفة ومفكرين ينكرونوجود الدين في الحياة، واختلافهما سببه نظرتهما للإنسان والحياة، مما أنتج المبدأ الرأسمالي وأنظمته فيما بعد... لهذا لم تكن الحضارة الغربية تبحث في حقيقة الإنسان من حيث هو إنسان لتصل إلى حلول حقيقية لمشاكله، بل حكمت هذه الحضارة على الإنسان قبل أن تبحث في واقعه وما ينفعه وما يضره... ومن أكثر الأفكار المدمرة فكرة الفردية، والحريات، التي تشكل أهم مفاهيم الحضارة الغربية.
لهذا فتح الباب على مصراعيه أمام الفرد ليرتكب كل فعل يريد باسم الحريَّات، فغيروا بذلك الفطرة السوية، وطُهر المجتمعات، ولما استفحل الأمر بحثوا لتقييد جماح هذه الحرية عبر قوانين تقيد حرية الفرد إذا تعدت على حرية غيره، وفشلوا بقوانينهم ومبادئهم الوضعية البشرية أن يوقفوا هذا الفساد المنتشر كالنار في الهشيم، لدرجة أن أصبح الانتحار ملاذاً للكثير من أبناء هذه الحضارة رغم رغد العيش.
وصيغ المجتمع صياغة تتوافق مع الحريات التي تقدس في الإعلام، ومناهج التعليم التي تربي النشءَ على استسهال الفاحشة، والبعد عن الطهر والعفة، فضلاً عن القوانين الوضعية التي تبيح التعري، والاختلاط، والخمور، والمخدرات، وهي تعمل على إذهاب العقل، لهذا أصبح كثير من الآباء يعمدون لإيذاء زوجاتهم وأمهاتهم وأطفالهم، وكثير منهم تسبب في الإيذاء الجسدي، مما لزم الجلوس بالمستشفى، وبعضهم تعرض للإصابة الدائمة والإعاقة، بينما نجد البعض الآخر قد فقد حياته.
وكمعالجة ترقيعية تأسست جمعيات تهتم بمعالجة آثار العنف الأسري، وتعمل على إعادة تأهيل المصابين من النساء والأطفال، سواء من الناحية المادية، أو من الناحية النفسية في أمريكا في عام 1989م، وذلك يرجع للقضايا العديدة التي عمت كل أرجاء أمريكا وعملت على تهديد الأمن المجتمعي في تلك المناطق.
وتهدف هذه الجمعية أول ما تهدف إلى حماية الزوجات والأطفال من الخطر الذي يحدق بهم، مما قاد إلى تهديد أمن وسلامة أفراد الأسرة الغربية، وبالتالي يكون من أهم الأسباب التي تعمل على تفكيك وتشتيت أفراد تلك الأسر.
ففي إحصائية دقيقة تم تناولها من مخافر الشرطة بأمريكا وجدوا أن ضحايا العنف الأسري قد بلغت نحو 2928 شخصا وإن نحو 20% من النساء المتوفيات قد قتلن بواسطة أزواجهن السابقين بينما نجد نحو مليون امرأة تعاني من العنف الأسري من تلك الحوادث التي استخدم فيها السلاح الناري، مما يهدد الأمن الأسري في تلك الولايات، ويحيلها وكراً للجريمة بدلاً من مهجع للسكينة والحب والوئام.
وفي المقابل فإن الإسلام صان المجتمع وحفظ الأسرة بأحكام ربانية، ترعاها وتحفظها من الزلل، وإن لم يفهم ذلك الذين أغلقوا أدمغتهم عن الحقائق الجلية، التي لا تحتاج إلى برهان، خاصة تلك التي تخص المرأة باعتبارها المربية والقدوة والمثل للأبناء.
أعادت تشريعات الإسلام للمرأة ما انتزع منها منذ ظهور الرأسمالية وانتشار داء الحريات. والحرية التي يظن أعداء المرأة أن الإسلام حرم المرأة منها ليست بحرية، فهؤلاء بما شرعوا قد جعلوا المرأة سلعة تباع في سوق النخاسة، تحت دعوى الحرية، فهم عرضوا جسدها للبيع، وما بقي لها ما تحتفظ به، لهذا جعلوا صورة المرأة تجارة تستخدم في دعاياتهم، وبخاصة الصور الفاضحة أو الجنسية الخادشة للحياء، من خلال إعلانات أو دعايات تجارية، وكل ذلك يكرس أن المرأة عبارة عن جسد ومتاع جنسي، فنجد على سبيل المثال يعتمد 60% منها على إعلانات تعتمد في توزيعها على جسد المرأة، فمثلا مجلة Glamourالأمريكية المتخصصة في شئون المرأة، احتوى أحد أعدادها على (339) إعلاناً حملت صوراً جنسية فاضحة نظير (65) مادة فقط مما يجلي الحقيقة التي يخفونها أنها ليس دعوة للحرية بل مجرد (بزنس).
وفي المقابل نجد هؤلاء الذين يدعون أن حرية المرأة تأتي من منطلق أنها تملك جسدها، وبالتالي فلها حق التصرف فيه، وهذا مخالف للفطرة والعقل، غير أن دين الإسلام جعل المرأة درة مصونة بتشريعات اللباس الشرعي ومنع الخلوة والاختلاط وغيرها دون أن تكون حرة في ممارستها للفواحش والمنكرات، وشرع الزواج لإشباع الغرائز في ربط الجنس بالزواج فحسب، وفي ذلك يمنع الإسلام هذه المرأة من التبذل والامتهان، ويرى ضرورة ألا يكون الحصول عليها سهلاً وميسوراً للرجال، بل مقيدا برباط شرعي وموثق من الله وهو الزواج. وعليه يقوم بناء الأسرة المتماسكة ويتكاثر الناس، وتنشأ في ذلك علاقات اجتماعية من شأنها تماسك هذه الأسر في علاقات حب وتواصل، فتكون الأسرة مترابطة بمفاهيم قوية أهمها بر الوالدين والولاية والقوامة وغيرها.
وختاما نقول، إن الحرية التي أعطاها الغرب المتحلل للمرأة قد أثرت بشكل مثير في المرأة نفسها، وفي الأسرة والمجتمع، من خلال القضاء على نواته الأولى الممثلة في "الأسرة" التي ما عاد لها طلباً بسبب الحرية والحريات، هذه الحريات التي حازتها المرأة الغربية أفقدتها فعاليتها، وجعلتها تعود إلى عصر الجواري، فانعكس ذلك على المجتمع بكامله بنشر حالة من القلق النفسي، وبث الفراغ النفسي، الذي لا يملؤه إلا حلول توافق الفطرة، وتقنع العقل، وتملأ النفس الطمأنينة، وهذه هي حلول الإسلام الذي ستحمله دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، منقذةً نساء الغرب والبشرية جمعاء من دركات الحضارة الرأسمالية.
رأيك في الموضوع