أما الفكرة التي تقوم عليها سياسة الدولة فهي الفكرة التي تبنى على أساسها علاقتها بغيرها من الشعوب والأمم. فالدول التي لا مبدأ لها تعتنقه، تكون الأفكار لديها مختلفة متباينة، وفيها قابلية التغيّر، ومثل هذه الدول ينطبق عليها بحث الخطط والأساليب السياسية، ولا ينطبق عليها بحث الفكرة السياسية.
أما الدول التي لها مبدأ تعتنقه فإن فكرتها ثابتة لا تتغير، وهي نشر المبدأ الذي تعتنقه في العالم بطريقة ثابتة لا تتغير مهما اختلفت الأساليب وتغيرت، وينطبق عليها بحث الفكرة السياسية.
وعلى هذا الأساس يجب أن ينظر إلى الدول القائمة في العالم، على اعتبار أن لكل واحدة منها فكرة أساسية لعلاقتها بغيرها من الشعوب والأمم، ثابتة أو غير ثابتة، ولها طريقة خاصة لتنفيذ هذه الفكرة، ثابتة أو غير ثابتة. وعلى ضوء فكرتها وطريقتها ترسم الخطط، وتتبع الأساليب، على وجه يساعدها على تحقيق غايتها. غير أن الدول القائمة في العالم اليوم تطلق العنان لنفسها بالأساليب، فتتبع أسلوباً يحقق الغرض، ولو خالف الطريقة، وتسير على قاعدة: «الغاية تبرر الوسيلة».
ومهما يكن من أمر، فإن جميع الدول ترسم خططاً سياسيةً تتغير حسب الحاجة، وتتبع أساليب تختلف وتتعدد حسب الأوضاع.
والدول في عملها السياسي، إنما ترعى مصالح الأمة، وتقيم علاقتها بغيرها حسب المصالح، إلا أنها تختلف في ذلك اختلافاً كبيراً. فالدولة التي لا تحمل مبدأ معيناً، تجعل المصلحة وحدها العامل المؤثر في علاقتها الدولية، وأما الدولة التي تعتنق مبدأ معيناً وتحمله للعالم، فإنها تجعل المبدأ عاملاً فعالاً في علاقاتها الدولية، وتجعل المصلحة التي يعيّنها المبدأ عاملاً مساعداً في هذا السبيل؛ ولذلك كان لزاماً أن تُعرف الدولة من حيث الأفكار التي تعتنقها، هل هي دولة تعتنق مبدأ أو لا تعتنق أي مبدأ؟ وحينئذ تُعرف العوامل التي تؤثر في علاقاتها الدولية. وبما أن المبدأ هو الذي يؤثر في الدولة التي تعتنقه، وبالتالي يؤثر في العلاقات الدولية، وفي الموقف الدولي، كان لزاماً أن تُعرف المبادئ التي تسود العالم اليوم، وأن يعرف مبلغ تأثير كل واحد منها في السياسة الدولية اليوم، ومدى إمكانية تأثيره في السياسة الدولية اليوم، ومدى إمكانية تأثيره في السياسة الدولية في المستقبل، فتفهم حينئذ، على ضوء هذه المبادئ، وعلى مدى تأثيرها في الحاضر والمستقبل، العلاقاتُ الدولية.
وإذا نظرنا اليوم إلى العالم نجده تسوده ثلاثة مبادئ فقط، هي: الإسلام، والشيوعية، والرأسمالية، وتعتنق كل مبدأ مئات الملايين من البشر، إلا أن الإسلام ليست له دولة في الوقت الحاضر؛ ولذلك لا نجد له أي وجود في العلاقات الدولية، ولا في الموقف الدولي، الذي يسود العالم اليوم. أما تلك الأعمال التي تقوم بها دول العالم للحيلولة دون عودة دولة الإسلام إلى واقع الحياة، بعد أن أصبح التململ ملموساً بين أبناء أمة الإسلام، فلا علاقة لها بالموقف الدولي، ولا تؤثر في العلاقات الدولية؛ لأن التأثير في الموقف الدولي والعلاقات الدولية يتطلب وجود دولة تحمل الإسلام مبدأ تُسيِّر على أساسه سياستها الداخلية والخارجية.
رأيك في الموضوع