منذ هدم دولة الخلافة العثمانية تبدلت أوضاع المسلمين وأحوالهم، وصاروا محرومين من الخليفة الذي يسوسهم بأحكام الإسلام، ويرعى شئونهم بالعدل والإنصاف، ويبلغهم مبالغ العز والمجد بالجهاد في سبيل الله، وأصبح يحكمهم حكام خونة عملاء نصبهم الغرب الكافر على رقاب المسلمين ليذيقوهم سوء العذاب، ولينفذ الغرب الصليبي من خلال أولئك الحكام مشاريعه في سلب ثروات المسلمين ونهب مقدراتهم، ونشر أفكاره الهدامة ومفاهيمه وقيمه الفاسدة في بلاد المسلمين.
هذه هي حال المسلمين للأسف بعد هدم خلافتهم، فبدل أن يقودهم أمير يوحد كلمتهم ويجمع صفهم، يحبهم ويحبونه، ويدعو لهم ويدعون له، يخطب فيهم وينصح لهم كما فعل رسول الله e في خطبته بعرفة في حجة الوداع، وكما كان يفعل الخلفاء حيث كانوا يجتمعون مع ولاتهم يستطلعون منهم أحوال الرعية ويطمئنون عليهم، وحيث كانوا يسألون المسلمين عن الولاة والعمال ليأخذوا الحق للرعية منهم إن ظلموا ويحاسبوهم على تقصيرهم إن قصروا.
إن الحج هو من شعائر الله التي تجمع المسلمين كلهم على صعيد واحد، وتتجلى فيه وحدة المسلمين في كثير من المظاهر منها: وحدة الشعائر، ووحدة المشاعر، ووحدة الهدف، ووحدة الحال، فلا إقليمية ولا عنصرية ولا عصبية للّون أو الجنس أو الطبقة، فالرب واحد، والدين واحد، والقبلة واحدة، فالحج يربط الحياة الدنيا بالدار الآخرة برباط الطاعة والخضوع لله سبحانه وتعالى واللجوء إليه وحده في كل أمر، واستغفاره والتوبة إليه عز وجل من كل ذنب.
نعم إن اجتماع ملايين المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وعلى اختلاف ألوانهم وأشكالهم وأعراقهم، ورغم تعدد انتماءاتهم الجهوية والحزبية؛ إن اجتماعهم في صعيد واحد، يلبون بصوت واحد "لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، يؤكد أن الأمة الإسلامية هي أمة واحدة من دون الأمم، وأنف حكام المسلمين وأسيادهم الغرب الصليبي الحاقد راغم.
إن فرائص الكفار ترتعد من جموع الحجيج وهم يطوفون حول بيت واحد، ويسعون في مسعىً واحد، ويقفون في موقف واحد. لذلك عمدوا هم وعملاؤهم إلى ضرب أهمية وحيوية اجتماع المسلمين في حجهم؛ وذلك بإفقاد هذا الحج حقيقته وقوته ووحدته، في شكله ومضمونه، فكان من أهم وأخبث ما صنعوا أن جمعوا كيدهم في حروب ومؤامرات وشراء ذمم وعملاء حتى تمكنوا من القضاء على الخلافة العثمانية في بدايات القرن الماضي، فأزالوا بذلك قوة جموع الحجيج في مناسك حجهم ومقامهم في بلادهم، فبعد أن كانوا جماعةً واحدةً، في ظل راية واحدة، تحت إمرة أمير واحد، صاروا جموعاً متفرقةً، تجتمع في مناسك الحج، وتتفرق بعدها، تحت حكم دويلات الضرار التي ما أنزل الله بها من سلطان.
إن موسم الحج وعيد الأضحى المبارك شاهد على وحدتنا نحن المسلمين، وهو يستصرخنا أن نعيد لحمتنا، ونوحد صفنا، ونقيم دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، ونبايع خليفتنا؛ وبذلك فقط نعود جماعة متماسكة قوية، يقودنا خليفتنا، يقيم فينا كتاب الله، ويجاهد بنا في سبيل الله، لتحرير بلادنا المغتصبة، ولنشر الإسلام رسالة نور وهداية للبشرية جمعاء.
رأيك في الموضوع