ورد في الموسوعة العربية في تعريف ما يسمّى بـ "الأقليات" ما يلي: "الأقليات هي مجموعات بشرية ذات سمات وخصائص تختلف عن مثيلاتها في مجتمع الأكثرية، ولكل أقلية منها سمات قومية أو إثنية أو دينية مشتركة بين أفرادها". وقد برز هذا المصطلح واقعاً ومشكلة كبرى وبشكل قانوني مع وجود ما يسمّى بالدولة الديمقراطية، التي يعتمد التشريع فيها على البشر، من جهة عدم الإحاطة بحاجات البشر وغرائزهم، فلم ينظر للمشكلة على أنها مشكلة إنسان، ومن جهة كون الحاكم فيه - على حد زعمهم - هو أكثرية الناس، وهذا يعني أن الأقلية لو كان لهم حضور في المجالس التشريعية فإنه لن يكون لهم تأثير لكونهم أقلية. فالمبدأ الرأسمالي يقرّ واقع الأقليات ويعززه.
أما في الإسلام، فالإسلام مبدأ المشرّع فيه هو الله سبحانه وتعالى، أنزل تشريعاته للإنسان بوصفه إنساناً لديه حاجات عضوية وغرائز تحتاج كلها إلى إشباع، فنظّم إشباعها، وعالج المشكلات الناتجة عن ذلك الإشباع، بوصفها مشكلات لإنسان، وليس بأيّ وصف آخر، وهذه الحاجات هي عند كل البشر. كما أنّ السيادة في الدولة الإسلامية للشرع، فالناس فيها يخضعون لحكم شرعي واحد منزّل من عند الله تعالى بغضّ النظر عن أديانهم أو أعراقهم أو ألوانهم.
يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ﴾، فالله أمر بالعدل بين الناس، والحكم الشرعي هو خطاب الشارع المتعلّق بأفعال العباد، البشر جميعهم مخاطبون بالإسلام جملة وتفصيلاً، قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾. والإسلام لم يجبر أحداً على ترك دينه واتباع الإسلام، مع أمره بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن. فكان هذا الشمول في الإسلام لبني البشر قاطعاً لدابر ما يسمّى بـ "الأقليات"، ولم يعرف المسلمون هذا المصطلح ولا هذا الواقع. فلكون الإسلام من عند الله تعالى فقد اتسع لكل البشر بمختلف ألوانهم وأعراقهم ولغاتهم، وكان بوتقة ينصهر فيها كل من آمن به، فلم يشهد التاريخ الإسلامي تفرقة بين أبيض وأسود، أو عربي وأعجمي، ولا غير ذلك، فانصهرت القوميات في المجتمع الإسلامي انصهاراً لم يشهد له العالم مثيلاً.
هذا من جهة الاختلاف البشري في العرق واللون، أما بالنسبة للدين فقد قلنا إن الإسلام لا يجيز إجبار غير المسلمين على ترك أديانهم واتباع الإسلام، بل إنه شرع أحكاماً شرعية لكل من اختار أن يبقى على دينه ورضي أن يعيش بين المسلمين، وأطلِقَ عليهم وصف "أهل الذمة" أي أهل العهد، وأوجب الإسلام على المسلمين حمايتهم وتحقيق الأمن لهم، فلا يمسّهم أحدٌ بسوء، لا من المسلمين، ولا منهم، ولا من المحاربين.
وقد شهد للأمة الإسلامية اتساعها لذوي الديانات الأخرى القاصي والداني، بل إن الغربيين والنصارى أنفسهم شهدوا بذلك، وبلغت شهاداتهم حداً يكاد يفوق الحصر، ولا تكفيه كتب ومؤلفات، ونمثّل على ذلك بمثال واحد فقد قال "فرانز روزنثال" معبرًا عن ذلك: "وقد نمت المدنية الإسلامية بالتوسع لا بالتعمق، داعية إلى العقيدة، مناقشة لتلك الحركات الفكرية الموجودة، وفوق كل ذلك، فبتقدم الإسلام تهاوت الحواجز القديمة من اللغة، والعادات، وتوفرت فرصة نادرة لجميع الشعوب والمدنيات لتبدأ حياة فكرية جديدة، على أساس المساواة المطلقة، وبروح من المنافسة الحرة".
ودولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة القادمة قريباً بإذن الله ستكون خير من يحفظ حقوق الناس الذين يحملون تابعيتها على مختلف ألوانهم وأعراقهم وأديانهم، فقد نصت الفقرة (ب) من المادة السابعة من مشروع دستور دولة الخلافة الذي أعده حزب التحرير على أنه: "يُترك غير المسلمين وما يعتقدون وما يعبدون ضمن النظام العام".
ودولة الخلافة تمكّن رعاياها كافّة من حقوقهم، فقد نصّت المادة الخامسة من مشروع الدستور على أنّ "جميع الذين يحملون التابعية الإسلامية يتمتعون بالحقوق ويلتزمون بالواجبات الشرعية"، ونصت المادة السادسة على أنه: "لا يجوز للدولة أن يكون لديها أي تمييز بين أفراد الرعية في ناحية الحكم أو القضاء أو رعاية الشؤون أو ما شاكل ذلك، بل يجب أن تنظر للجميع نظرة واحدة بغض النظر عن العنصر أو الدين أو اللون أو غير ذلك".
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون ذلك قريباً، فتحفظ الدولة الإسلامية، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، حقوق الناس على اختلافهم فيسعدون في ظل حكم الإسلام ويعيشون في أمن وطمأنينة.
رأيك في الموضوع