أيها المسلمون:
لقد انقضى عصر الوحي بعد خاتم الأنبياء، ولم يبق منه للبشر إلا رسالتكم وقرآنكم، ولقد انتهى عهد الرسل ولم يبق من يحمل الرسالة بعد الأنبياء إلا أنتم، حتى إذا ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، وها هو ظاهر حد الطغيان، وحتى إذا غرقت البشرية في ظلمات الجاهلية، وها هي الآن في القاع، كنتم أنتم من يخرجها من الظلمات إلى النور، بما أودع الله بين أيديكم من كتاب محفوظ ومحفوظ به الدين وكلفكم بنشره، والله عز وجل يقول: ﴿الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد﴾ فأنتم من يحمل هذا الأمر بعد رسول الله ﷺ إلى البشر. وقد قال الله تعالى فيكم: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُون﴾.
أيها المسلمون:
إن الإسلام يحيي البشرية من الموت ويشفيها من السقم، وإن البشر قد أرهقهم طغيان المادية وخواء الروح، وفتك بهم شقاء المبادئ وضلال المذاهب، تلك المذاهب التي أوردت الأرض الهلاك عندما جعلت مع الله إلها آخر، فشرعت لهم من الرأسمالية ما لم يأذن به الله حتى نهشت مخالبها الضعفاء وشرعت من العلمانية ما انتكست معه الفطر.
وإن أمتنا الإسلامية - وقد أصابها ما أصابها من نقض في البنيان وهدم في الأركان وتسلط للأعداء وضعف بين الأمم عندما قد غاب عنها ظل الإسلام وغابت شمس الخلافة - ينبغي لها أن تستشفي بالإسلام حتى تشفي به غيرها، وأن تحيا به حتى تحيي به غيرها، فالإسلام حياتها، ولا حياة لها بسواه، والله عز وجل يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾، فالداء معروف والدواء موصوف، وحياة الأمة وشفاؤها بإقامة دين الله، وإقامة دين الله بإقامة دولته، وإعادة خلافته، التي ترعى الأمة بشريعة الإسلام وتستأنف حملها لرسالته.
أيها المسلمون:
إن العمل لإقامة الدين بإقامة دولة الإسلام يجري على قدم وساق، وحركته تسعى في جنبات الأمة ذهابا وإيابا، وها هو حزب التحرير بين أظهركم لا يخفى عليكم، ودعوته معروفة لديكم، يحمل مشروع الإسلام، وهو مشروعكم الذي جعله الله أمانة في أعناقكم وإنكم تعلمون، بما درستم من كتاب الله، أن سيادة الشرع والحكم بما أنزل الله واجب، وأن إقامة دولة الإسلام فريضة يقام بها الإسلام، وأن وحدة الدولة والأمة وإزالة حدود التمزيق أمر حتمه الشرع، وأنه لا بد للأمة من أن تملك سلطانها حتى تملك قرارها وأن تكسر التبعية لأعدائها حتى تتصرف بمقدراتها، وتعرفون أن من يقف دون تحقيق ذلك هم كفار مستعمرون وحكام متسلطون، ولكنكم تعرفون أيضا، وقد خبرتم أن حزب التحرير منذ نشأته يكافح الكفار ويقارع العملاء، وهو يحمل هذا المشروع ويعمل له ويدعوكم للعمل معه.
لقد وضعت في سبيل النهوض بالأمة السبل، فقامت لذلك تحركات وحركات بعضها أعرض ابتداء عن سبيل الله، وبعضها تحت ضغط الواقع وترك الواجب الشرعي بحجة الممكن الواقعي انحرف عن سبيل الله، فما ازداد كل هؤلاء المعرضين عن صراط الله المستقيم إلا خبالا وما زادوا الأمة إلا رهقا، ومن كان منهم ينشد العزة ما ازداد إلا ذلا، ومن كان يسعى نحو التنمية ما ازداد إلا تخلفا، ومنظمات كانت تزعم تحرير البلاد صارت هي التي تسلمها، وكلهم في الركون إلى الظالمين ووضع قضايا الأمة في يد عدوها سواء، وصارت الأمة بمحاولاتهم في السلطة والحكم حقل تجارب، لكنها تجارب فاشلة، وشواهد الفشل تضج في عرض البلاد وطولها، من تونس إلى العراق ومن الجزائر إلى فلسطين ومن مصر إلى اليمن، مع أن الله تعالى يقول: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
أيتها الأمة الكريمة، أيها المسلمون:
إن حزب التحرير قد حمل إليكم دعوته كتعبير واضح أصيل عن قضيتكم وما يقتضيه نحوها إسلامكم، وسار على طريقته بأحكام شرعية، لا بعفوية في السير أو اضطراب في التجارب، ولكن الأمر يتطلب منكم النصرة حتى يحصل النصر والدعم حتى تحصل الكفاية، فقوموا إلى العمل مع حزب التحرير لنصرة الإسلام وانصروه لإعادة الخلافة، فأنتم وإياه في سفينة نجاتها بالإسلام، والربان لا يغرق نفسه والرائد لا يكذب أهله، وانظروا إلى الدنيا من خلال الفروض والواجبات، ومن خلال الوعد والبشريات، فأنتم موعودون بإذن الله بالنصر ومبشرون بالتمكين فقوموا لتمكين دينكم، وإن من مد يده للنجوم يوشك أن يلمسها، وما النهضة إلا فكرة ونصرة، والله معكم ولن يتركم أعمالكم.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
بقلم: الأستاذ يوسف أبو زر*
رأيك في الموضوع